رسالة إلى العلماء

 سيف الدّين عابد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، الحمد لله معزّ الإسلام والمسلمين، ومذلّ الشرك والمشركين، الحمد لله قاهر الجبابرة على مرّ الزمان، الحمد لله الذي وعد بنصر عباده المؤمنين ووعد بذلّ المتخاذلين المتغطرسين أعداء الله والدّين.

والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى الذي بذل الروح لإعزاز هذا الدّين وأهله، جاء بالهدى والرحمة، كما جاء بالوعيد لكل طاغية متكبّر متجبّر.

وارحم اللهمّ الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، الذين كانت حياتهم لله الحيّ القيوم، ولدين الله حتى رفعوه شامخاً عزيزاً في أصقاع الأرض لم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا صولة جائر، ولا عناد متغطرس باغٍ، عاشوا وماتوا أنقياء أطهار وعيونهم ترنوا الى جنّة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، سمعوا عن ربّهم، وعلى لسان نبيّهم أن العيش عيش الآخرة، وأن الدنيا برهة وهي الى زوال، فبنوا لأنفسهم بيوت عزّ ووقار عند مليك مقتدر بما حملوا من أمانة التبليغ والنشر لدين الله، دين الهدى والرحمة، دين استقامة الناس وصلاح أحوالهم في الدارين، فعاشوا عيشة الأسود، عبروا الحدود وهدموا السدود، فما منعهم عن تبليغ رسالة ربّ العالمين إلا استيفاء الله للآجال، وورث عنهم العهد رجالٌ أكملوا المسير حتى ساد دين ربّهم بدولة شهد لها العالم كلّه، حسبوا حسابها، وهابوا جانبها، وخضعوا لها راغبين أو كارهين....

أقاموا للمسلمين كياناً عظيماً، دولة عزّ وهيبة ووقار، تطبّق الشريعة، وتهدي البشريّة، وتحفظ دين الله وأحكامه، فقد فهموا أنّهم ما خُلقوا إلا لهذا، فاستقاموا على أمر ربّهم، وكما كان لدولة الإسلام، دولة الخلافة، رجالها وقادتها وخلفاؤها، كذا كان لها علماؤها وفقهاؤها، علماءٌ ازدانت بهم الربوع وهابتهم الأمراء والخلفاء، فأنزلوهم منازلهم، فرفع الله مقامهم ، وأعلى منارتهم ، وجعلهم مشاعل الهدى في دياجير الظلمات ، والنور للورى إذا ادلهمت عظائم الملمات ، وبيّن فضائلهم في كثير من الآيات البينات ، وجعل ما اختصهم به من العلم نوراً يلتف الناس حوله ، وبلسماً يقبلون عليهم من أجله.

وبالقادة والعلماء واستقامة الناس على منهج الله صلُحَ حالهم، وعلا شأنهم

فكانت الخطوب عابرة، والجراح سرعان ما تندمل فلا يعود لها أثر، لم يتجرأ أحد أو كيان على دولة الإسلام –والحال كذلك – إلا ارتدّ خائباً مدحوراً مذموماً، حالٌ عاشه المسلمون أربعة عشر قرناً كانوا سادة الدنيا وقادتها.

ثمّ لما غاب الحامي والحارس أضحى المسلمون سلباً لكل ناهب، وبات حماهم مستباحاً من كلّ طامع، فتشتتوا وتشرذموا، فعاث فيهم وبينهم البغاث حتى أصبح الذليل عابد الحجر والشجر والفرج سيداً يصول ويجول في بلاد المسلمين!!

فاستشرى القتل والإنتهاك والظلم وشاع الفجور بعد أن استُبدل الكيان الواحد بكيانات عميلة خائنة خائبة على كلّ كيان منها نذلٌ يمدّه أسياده من بني هرقل وغيرهم بأسباب البقاء، وأسباب الظلم والتسلّط والفجور...

واستمر الحال وأنتم أيها العلماء شاهدون، ترون وتسمعون، فمنكم مَن آثر الذلّ والهوان فسكت وخنع، ومنكم من أبى إلا الإباء فسُجن أو قُتل أو تشرّد، فزادكم الحال هذا هواناً فوق الهوان، وذلاً واستكانة وصمتاً قاتلاً يصمّ الآذان من هوله مع ما ترى عيونكم من امتهان واحتقار واستباحة لعباد الله في أقطار الأرض!!

حتى ثار الناس تحت ضغط الظلم والقمع على حكامهم، رفعاً للظلم

 عن أنفسهم، ورفضاً لامتهان كرامتهم، فسالت الدماء فوق ما كانت تسيل، واستبيحت كلّ الحرمات فوق ما كانت تُستباح....ولا يزال حال أكثركم مزرياً مذلاً وكأنكم لستم من جنس مَن يُهان  من أبناء دينكم وجلدتكم!!

تُعانقون رقابَ المهانة بصمتكم وخذلانكم!! وإن تكلّم أحدكم تكلّم على استحياءٍ وخوف!! وإن دٌعيتم لتقولوا كلمة حقّ أخذتكم الرجفة واضطربت أوصالكم!!

الهذا خُلقتم يا رعاكم الله؟

أبهذا كنتم ورثة الأنبياء يرحمكم الله؟

تتسربلون بلباس الصمت المختلط بالخوف بل بالجبن والخنوع وأنتم من أوكل الله تعالى اليكم حفظ دينه وشريعته وبيانها للناس ليستقيموا عليها فيصلح حال دنياهم وآخرتهم؟

ألم يأتكم خبر العزّ بن عبد السلام والبصري وابن عياض وابن تيمية وأحمد والشافعي وكل السادة الأشراف الذين دوّت أصواتهم في أرجاء الدنيا وهم يدافعون عن شريعة الله ودماء الناس ويصونون حرماتهم؟؟

هل هم علماءُ وأنتم من الرجال سَلَم؟

هل فقهوا أدوارهم وأنتم في الجهل بدين الله ترتعون؟

هل كانوا بشراً يرون ويسمعون ويتدبّرون وبالحكمة والقوة يتصرّفون وأنتم لست من جنسهم ولا من طينتهم؟ ثمّ تدّعون أنكم علماء وورثة أنبياء ولحومكم مسمومة؟؟

كيف تلقون ربّكم يوم تُعرضون لا تخفى منكم خافية؟

بأيّ وجه تنظرون الى نبيّكم الذي استخلفكم على حفظ شريعة ربّه من بعده وأنتم بهذا الخذلان والتخذيل؟ بماذا تجيبون حين يُشار إليكم أن: أنك يا محمد لا تدري ما أحدثوا من بعدك؟

نراكم في يومنا هذا ودماء المسلمين وأعراضهم تستباح في الشام وغيرها لا تنبسون ببنت شفة إلا على استحياء في أحسن أحوالكم، أو استرضاءً لرضى حكّام أنذال متآمرون متواطئون مع أعداء الأمة والدين؟!

اليس فيكم عالمٌ يخرج للمسلمين قائلاً مجلجلاً: ألا يا خيل الله اركبي؟؟

أم هو مطلب عظيم لا تقدرون عليه بعد أن عشتم عيشة الترف والبذخ فما عدتم تعرفون سرّ حياتكم وأكبر واجباتكم في هذه الفانية؟

أم أنكم تكرّسون مقولة من يأكل من صحن السلطان يضرب بسيفه؟

اعلموا يا رعاكم الله أنّ أمة محمد صلوات ربي وسلامه عليه على خير وإن لم تكن بخير، وأنها أمّة بدأت تدبّ الروح فيها من جديد وهي ناظرة اليكم تعلم مواقف العزّة كما تعرف مواقف الذلّ والاستكانة، تعرف من نصرها كما تعلم من خذلها، فوالله إنها ستضع كلّ متخاذل منكم في موضعه الذي يليق به حين تصحو من صدمتها وتشفى جراحُها!!

ولن يكون مقامكم إلا مقام حكامكم الذين رضيتم بهم مع فجورهم ومحاربتهم لله ولعباد الله

فبادروا قبل أن يفوت الفوت

واطلبوا من أمّتكم أن تعفو عنكم قبل أن لا ينفع ندمكم ولا رجاؤكم

وقفوا موقفاً يرضى فيه ربّكم عنكم، ويرضى عنكم من استبيحت كراماتهم

وسفكت دماؤهم، فهذه فرصة سانحة وربّ الكعبة، تشرّفون بها أنفسكم وتستدركون من حالكم ما لم تستدركوه من قبل!!

وقبل أن يكون مكانكم هو قارعة التاريخ!!

فاختاروا لأنفسكم يرحمنا ويرحمكم الله، ودوّنوا أسماءكم بأحرف من نور بما تخدمون دين الله لا تخافون فيه لومة لائم، فكلّ إلى زوال، وهي من ثمّ إلى جنّة أو إلى نار، فاقتعدوا لأنفسكم عند بارئكم مقاعد صدق تفوزون بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

واعلموا أن دين الله سيسود بعزّ عزيز أو بذل ذليل

بكم أو بدونكم

سواء وقفتم مواقف العزة والكرامة

أو وقفتم مواقف الذلّ والمهانة

فدين الله له رجاله الذين عاهدوا الله أن يعيشوا ويموتوا على هدف واحد:

رفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله

ليقيموا دولة الخلافة، دولة القرآن، دولة سيدّ الخلق محمد صلوات ربي وسلامه عليه، وإنها قائمة بأمر ووعد ربّنا سبحانه الذي قال:

(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض)

وبشارة نبيّه الذي لا ينطق عن الهوى

فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضّاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت)

واعلموا أنّ أمة خير الخلق محمد، الأمة التي فيها الخير إلى يوم القيامة تعرف الغثّ من السمين، وتميز بين الحق والباطل، وتفرّق بين العلماء الربانيين من غيرهم، وأنها لا ولن تنسى من خدمها وخدم دين الله، كما لا تنسى من خذلها وخذل دين الله

قال الله تعالى‏:‏ ‏ «‏يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون».