بيان من الشاعر عبد الرحمن الابراهيم
عبد الرحمن الإبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
عبد الرحمن الإبراهيم
الحمد لله الذي أمر بالقراءة , وعلّم بالقلم , وجعل الحكمة ضالة المؤمن , وشرّف العلم وأهله , وسفّه الجهل وأهله , والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين أما بعد :
إنّ الذي دفعني لتوجيه هذا الخطاب لإخوتي المجاهدين عموماً , وجبهة النصرة خصوصاً , هو الإحساس بالمسؤولية تجاه الدين أولاً والوطن الذي نعيش به سوية ثانياً .
وهذا الخطاب الذي يطيبُ لي وبكلِّ المحبة أن أقدّمه على شكل نصيحة طالما أنّ النصيحة في مكان ما هي الدين بعينه , وأرجو من الله أن لا أقع ولا أنتم تحت قول الشاعر :
نصحتُكَ والنصيحةُ إنْ تعدّتْ هوى المنصوح عزَّ لها القبولُ
وسأبدأ أولاً بتقديم وجهة نظر قد تكون مخالفة لما هو سائدٌ في الفهم وقد تحتمل هذه الوجهة الخطأ والصواب .
ووجهة نظري هذه تتعلقُ بحجّتين يعتمد عليهما الأخوة كثيراً في إصدار أحكامهم ألا وهما ( لا ضرر ولا ضرار ) من السنة النبوية و ( ولا تأمنوا إلا لمن تبع دينكم ) من القرآن الكريم .
فإذا نظرنا إلى الأولى بمنظار العاطفة الدينية , سلّمنا بها على أنها حجة مطلقة دامغة , وهي ليست كذلك بل هي نسبية بدليل القاعدة الفقهية التي تأخذ بأخف الضررين , وهذه القاعدة عمل بها من نسميه الغرب الكافر وهو الذي اكتشف لنا مضار التدخين , فكان هذا الغرب الكافر أسبق في التحريم من الشرق المؤمن , ولكن على طريقة أخف الضررين كما أسلفنا , ليتجنب المواجهة القاسية مع مواطنيه والتي قد ينجم عنها أضراراً لا تحمد عقباها .
وهذه الطريقة تتمثل برفع معدلات الضرائب على الزارع والمستورد والصانع مع إلزام الأخير بتدوين عبارات التحذير من خطر السجائر على جميع منتجاته , ومنع التدخين في وسائط النقل وفي المطاعم والمقاهي والأماكن العامة المغلقة , وذلك للحد قدر الإمكان من هذه الظاهرة التي قد تنتهي مع الزمن .
أما الحجّة الثانية المعتمد عليها في تحريم كلّ ما له صلة بالغرب وعلى وجه الخصوص بما يتعلق بالفكر السياسي وطرائق الحكم ومحاربة البعبع الذي نسميه " بالديمقراطية " الغربية الاسم والإسلامية المضمون , فنحن عندما نستعملُ كلمة الديمقراطية نضطر لتداولها في الكلام على أنها مصطلح عالمي , لا لأنها كلمة يونانية , كما نضطر لاستخدام " الدولار " لأنه عملة عالمية , وليس محبةً بأمريكا , وكما أن قولك عن الدولار ديناراً لا يجعله مؤمناً , كذلك قولك عن الخلافة بالديمقراطية لا يجعلها كافرة .
متناسين عن علمٍ أو عدمه بأنّ هذه الآية الكريمة والتي تسبقها أنزلها الوحي على الرسول صلوات الله عليه كاشفاً له فيها عن نوايا اليهود وخداعهم ومكرهم حيث كانوا يأمرون بعضهم على أن يؤمنوا وجه النهار ثم يكفرون في آخره , ولضمان نجاح خداعهم تواصوا فيما بينهم على أن لا يأمنوا إلا لمن تبع دينهم , إذاً ليست الآية التي أشرنا إليها من آيات الأحكام التي سنمتثلُ للعمل بمحتواها , إنما هي مقولةٌ تبناها اليهود فيما بينهم وليس من الضرورة أن تكون صحيحة .
هنا يطيب لي أن أدعو الأخوة بالعودة إلى تاريخ الإسلام السياسي , ليجدوا معي في هذه العودة , بأن الديمقراطية التي نتحدث عنها قد تعلمناها من عمر بن الخطاب رضي الله عنه , وليس من الغرب كما تتصورون , وعليكم أن تعلموا أيضاً بأن كل متحرك حيّ وكل ثابت ميت , فليس هناك في ديننا الحنيف بعد فرائض العبادة ما هو ثابت على الإطلاق وخاصة في الجانب السياسي أي تبادل السلطة , وإليكم الدليل :
1- الرسول صلوات الله عليه ألمح في موضوع الخلافة إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه , ولم يصرح بها .
2- أبو بكر الصديق رضي الله عنه صرّح ولم يلمّح بالخلافة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه , أي مخالفة لطريق الرسول صلى الله عليه وسلم .
3- عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبدع أيضاً في عبقريته السياسية , وشكّل مجلس شورى , ليتم من خلال هذا المجلس انتخاب الخليفة , وزيادةً في العدل وفي التطور السياسي صيانةً لحقوق الأمة , حارماً ابنه عبد الله من حقه في الترشح للخلافة , وإنما سمح له بحق التصويت فقط .
أسألكم بالله هل وصل العالم وبعد أربعة عشر قرناً من التطور إلى هذا المستوى من الديمقراطية , قل لي بربك هل هنالك دولةٌ في العالم بشقيه المؤمن والكافر تمنع أصحاب النفوذ المعنوي والمادي من الترشح للسلطة حفاظاً على حرية إرداة الانسان في اختيار حاكمه بدون أي مؤثرٍ خارجي ماديٍ كان أو معنوي , وهذه الطريقة التي أسلفنا الحديث عنها أيضاً مخالفة لطريقة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
إني أسألكم الله ولوجه الله أن تتركوا هذه المسائل وسواها جانباً , كوننا نعيشُ وإياكم مرحلة ً صعبةً جداً وخطيرةً جداً والصراع فيها على الوجود أو اللاوجود , على الحياة أو اللاحياة , وكلنا في هذه المنطقة في سوريا مسلمون ونحن وإياكم يجمعنا دينٌ سماوي واحد , وليس شركةً مملوكة لزيد أو لعمرو , حتى يقرّر فيها ما يشاء ويصدر أحكاماً مطلقة في مسائل غير مهمة , وهي محط خلاف أصلاً بين فقهاء المسلمين .
أما الذي لا خلاف حوله على الإطلاق والذي لا أهمّ ولا أكبر منه هو إسقاط نظام الكفر والظلم والطغيان , فعندما نركز على هذا الهدف دون سواه , حتى إذا بلغناه بمعونة الله و مشيئته ودخلتم دمشق دخول الفاتحين , عندها ستكون السلطة لكم إمّا بالحبّ الذي به ستدوم أو بالإكراه والعنف والذي به ستزول .
كلمتي الأخيرة للأخوة في جبهة النصرة الذين نصرنا الله بهم في وادي الضيف وحببنا بهم وحرصاً عليهم أن لا يقعوا في الأخطاء التي وقع فيها من كان قبلهم , وهم يعلمون كم كانت نتائجها مدمرة .
أقول لكل الذين يظنون بأنهم دائماً على الحق , وبأنهم ثابتون على المبادئ لا يتزحزحون عنها في جميع مقارباتهم السياسية والاجتماعية , أرجو من هؤلاء الأخوة أن يعودوا إلى مصدر عبقرية هذا الدين ليتعلموا منها إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم , حين قال في أسرى بدر أو بمعنى ما قال : والله لو أنّ فلاناً ( وهو كافر ! ) ما زال حياً وتشفع بهؤلاء لعفوتُ عنهم , وذلك ردّاً لجميلٍ كان قد صنعه مع رسول الله .
ثم في إصراره على الصلاة والاستغفار لرأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول , والله يقول له : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)80 التوبة
ورغم ذلك صلى عليه الرسول واستغفر له , فهل من متأمل ليتعلم , اللهم فاشهد إني قد نصحت , فلك الحمد يا رب وعلى الأنبياء السلام .
معرة النعمان- الغدفة