رياح الربيع العربي.. إلى أين؟
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
رياح التغيير تجتاح المنطقة ، هذا ما تلاحظه عين المراقب ، بل تلاحظه العين المجردة ، غير أن أحدا لا يمكنه الجزم باتجاه هذا التغيير ، فهناك صراع يحدث بين اتجاهين يمكننا أن نجمعهما في صورتين ، الأولى محلية صغيرة ويظهر فيها التالي :
صراع بين ثورات الربيع العربي ، وبين الثورات المضادة
صراع بين إرادة التحرر من قبل الشعوب ، وبين إرادة الاستبداد من قبل أنظمة فاسدة
صراع بين شعوب تبحث عن سيادتها ، وبين حكام يستميتون في الحفاظ على سيادتهم
هذا على نطاق الصورة الصغيرة في المنطقة العربية وخاصة في بلدان الربيع العربي
أما الصورة الثانية فهي صورة كبيرة ترسمها القوى العالمية ، ويظهر فيها التالي :
صراع الأنظمة العالمية في طريقها للهيمنة والسيطرة على العالم ، وتظهر في الصورة داعمة للأنظمة الحاكمة المستبدة ؛ والهدف واحد وهو وأد تجربة ثورات الربيع العربي بكل ما أوتيت من قوة
وإذا دققنا في هذه الصورة فسنجد صراعا آخر ولكنه أعمق وأوسع ، وهو صراع الوجود بين العالم الغربي الذي يقود العالم الآن ، وبين عدوه الأول في المنطقة العربية ؛ وهو الإسلام الذي يصفونه بالإرهاب ساعة ، وبالإسلام السياسي أخرى
أين تتجه رياح التغيير ؟ 00
تتجه إلى أحد أمرين 00
الأمر الأول : انتصار الطرف الأول في معادلة الصراع ( وهو واحد في كل تلك الصراعات ) والذي يظهر في الصورة الصغيرة المحلية في هيئة:( ثورات الربيع العربي ) أو (إرادة الشعوب ) أو ( إرادة التحرر )
كما يظهر في الصورة الكبيرة العالمية التي يرسمها الغرب في هيئة ( الإسلام )
الأمر الثاني : انتصار الطرف الثاني في معادلة الصراع وهو أيضا واحد ويظهر في الصورة الصغيرة في هيئة : (الثورات المضادة ) أو ( الأنظمة المستبدة المحتكرة لمقدرات شعوبها )
كما يظهر في الصورة الكبيرة في هيئة : (العلمانية ) أو (الأنظمة المهيمنة على مراكز الحكم في العالم الثالث )
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة أيضا :
هل يستطيع الطرف الأول ( الأعزل) كما في الحالة المصرية ، أو (المسلح تسليحا متواضعا في أحسن الأحوال كما في الحالة السورية أو الحالة الليبية ) أن ينتصر على الطرف الثاني ( الذي يمتلك السلطة والقوة والمال والإعلام علاوة على الدعم الخارجي الدولي أو الإقليمي ) ؟
سوف تنحصر الإجابة في إجابتين حسب درجات العقل واللاعقل ، والمنطق واللامنطق ، والشك واليقين على النحو التالي :
الإجابة الأولى 00 لا
أصحاب هذه الإجابة هم :
- أتباع ومؤيدو الطرف الثاني وهم طائفة من أصحاب المصالح
- المغيبون عن حركة التاريخ ( وهؤلاء يقيسون الأمر على حسب التصور العقلي للأشياء فقط دون النظر إلى سنن الكون
- المخدوعون الذين يتبعون كل ناعق ، والذين وصفهم الحديث الشريف بـ ( الإمعة ) ، هؤلاء لا وزن لهم في المعادلة لأنهم أتباع أذلاء ليس لهم أي إرادة فعل
الإجابة الثانية : نعم
أصحاب هذه الإجابة هم صنف واحد ولكن لهم أكثر من صفة فهم :
الذين يمتلكون إرادة التحرر وشعارهم :
( إما حياة تسر الصديق 00 وإما ممات يغيظ العدى )
وهؤلاء هم أصحاب القضية في كل زمان ومكان
الذين يمتلكون بين جوانحهم قلوبا يملأها اليقين بأن النصر هو حليف أصحاب الحق
والذين لديهم رؤية ومعرفة بحركة التاريخ فهم يعرفون جيدا من كتاب الله المشاهد التالية :
- مشهد انتصار القوم من بني إسرائيل أتباع طالوت وهم قلة على جالوت وأعوانه
- مشهد انتصار المسلمين يوم بدر وهم قلة
- مشاهد انتصار موسى عليه السلام وأتباعه على الحاكم الظالم المستبد فرعون وجنوده
- مشهد أصحاب الأخدود
وهنا قد يقول قائل : هذه مشاهد كانت بين معسكري الإيمان والكفر ، وبين أصحاب حق وأصحاب باطل ، ونرد عليهم من التاريخ الذي يعرفونه ونسوق لهم المشاهد التالية :
مشهد غاندي وهو هندوسي الديانة الذي انتصر ومن معه - وهم قلة لا يملكون سلاحا - على أقوى قوة في العالم آنذاك
مشهد مانديلا وانتصاره في معركة التمييز العنصري وقد كان يوصف هو وجماعته بالإرهاب فلما انتصر في معركة التحرر أصبح زعيما ملهما في نظر من وصموه بالإرهاب من قبل
مشاهد انتصار شعوب أمريكا اللاتينية على الحكم العسكري المستبد في التاريخ الحديث
مشهد انتصار شعب تركيا على حكم المجلس العسكري
مشاهد انتصار الثورة الفرنسية في صراعها مع الجمود والتخلف
وهناك وجه آخر للقضية له أساس في قاموس أصحاب العقائد الصحيحة ، هذا الوجه هو : أن للكون رب يديره ، وله سنن لا تتبدل ، ومن هذه السنن :
سنة التغيير (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد:11 وسنة التدافع ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) البقرة 251
وسنة هزيمة المفسدين (إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) يونس: 81
وحتما فإن رياح التغيير تسير وفق هذه السنن.