كيف ستظهر قيادة ثورية ذات ثقة جماهيرية؟
كيف ستظهر
قيادة ثورية ذات ثقة جماهيرية؟
معاذ عبد الرحمن الدرويش
لعل معضلة الثورة السورية و منذ انطلاقتها ، عدم وجود قيادة ثورية سياسية ذات قاعدة شعبية كبيرة، توجه دفة الثورة و تقود المرحلة و توصل الثورة إلى بر الأمان.
ظهرت العديد من الشخصيات الثورية و العديد من التكتلات في بداية الثورة،إلا أنها لم تعمر طويلاً و سقطت معظمها إن لم نقل كلها ، و لم تكسب ثقة سوى دائرة ضيقة من حولها و لفترة وجيزة فقط.
فما هو سبب ذلك؟.
لا شك أن أربعين سنة مرت على السوريين ،كان محرم فيها على الرجل أن يجتمع مع زوجته ، إلا إذا كان الإجتماع برعاية بيت الأسد .
ستأتي تلك السنون - و التي تمثل عمر جيل كامل في علم حياة الأمم – أكلها اليوم ،و ليتعذر عليهم أن يجتمعوا تحت أي مظلة مهما كانت ألوانها و تعددت أشكالها.
هذا من ناحية ، و من ناحية ثانية هي انعدام الثقة بين السوريين أنفسهم، بعد أن زرع نظام الإجرام الأسدي لكل مائة شخص عنصر مخابرات و هذه إحصائية شبه رسمية في تسريب من أقبية المخابرات نفسها.
و مع انطلاق الثورة ، كان في أبجديات مخابرات نظام الإجرام، كل قريب و لو كان من الدرجة العاشرة يعتبر مجرم لأي ناشط يعمل بالثورة.و هذا ما أدى إلى العمل بشكل سري للغاية و بشكل مخفي و على نطاق ضيق جداً.
هذا من ناحية ، أما من ناحية معطيات الثورة نفسها فكانت كالتالي:
لعل آخر من التحق بالثورة هم طبقة المثقفين ، و رجال الدين و العلم ، في حين أن الشباب الكادح ترك زمناً ليس بقصير يقود دفة الثورة بعفوية و بأخطاء كثيرة ما بين القصد و قلة الخبرة.
فحين التحق المثقفون بالثورة متأخرين لم يستطيعوا أخذ راية القيادة من الشباب المتحمس بعد تلك الفجوة من الزمن و من الفكر الثوري – و الذي ربما لم يجدوه مناسباً – فعاد معظمهم إلى بيته و اكتفى بتأييده للثورة بالقلب داخل الوطن في أفضل الحالات و في أغلبها خارج حدود الوطن .
و الأهم من ذلك عدم ظهور أي أحزاب سياسية أو ثورية لديها مشروع ثوري مقنع للجميع و لديها الإمكانيات الكافية لذلك.
و لا شك أن هناك العديد من المحاولات تمت لكن لم يكتب لأي منها ولو قليل من النجاح.
و لعل المعضلة الرئيسية في ذلك ، هو فقدان الثقة من قبل الجماهير لأي شيء له علاقة بالسياسة ، و كأن السياسة أصبحت بالنسبة لهم هي نظام الإجرام الأسدي نفسه.
و لعل المشكلة الرئيسية لدى الشعب السوري الذي ذاق كل ألوان العذاب و الموت كانت فيمن سيخلصه من هذا الجحيم الذي هو فيه.
فهو لن يعطي الثقة إلا لمن يخلصه من هذا الجحيم أولاً و بغفوة عين،متناسياً أن الخلاص لن يتم إلا من خلاله نفسه و بفرز منه لقيادة قوية بتأييده و دعمه و تحمل همه و جراحه .
و من خلال المعطيات السابقة ، فإذا تقدم أحدهم (فردا كان أو جماعة) بأي مشروع ثوري فكري ، بعيداً عن لقمة الخبز للشعب المهجر الجائع أو رصاصة للثائر المقاتل لا يلقون لمشروعه بالاً باعتباره مجرد تنظير لا يسمن و لا يغني من جوع و لا يقي من موت.
و من الناحية الأخرى كيف سيكون لأحد ما (فرد أو جماعة) مقدرة على سد جوع شعب أو تذخير ثورة ،إذا لم يكن هذا المقصود له ارتباطاته الدولية ، من أجل ذلك جاءت العديد من المشاريع لكنها سقطت بالتبعية ، و لم تكن تحمل أدنى إخلاص لخلاص هذا الشعب الجائع المذبوح.
ففي الشق الاول سقطت كل مشاريع النخب المخلصة ، وفي الشق الثاني سقطت كل المشاريع لارتباطها الخارجي.
بعد كل هذه المقدمة ما هو السبيل للخلاص؟
لا شك أن زمن الأنبياء ولى ، و لا يوجد قائد معصوم من الخطأ إلا إذا كان يحمل صفات الرب كفرعون مصر و بشار شبيحة سوريا،و إذا كان الشعب السوري ينتظر ملكاً ينزل من السماء ، أو رجلاً صادقاً مقداماً – على شاكلة صلاح الدين الأيوبي أو خالد ابن الوليد – يخرج من الأرض ، فإن ثورته لن تنتصر و لن تعمر طويلاً،و هو مهدد بالعودة للعيش تحت " بوط " الإستخبارات الأسدية.
لا يوجد أي مواصفات و لا أي معايير لأي قيادة ، المهم أن يجمع على قيادة مهما كانت تحمل من سلبيات و مهما كانت تحمل من أخطاء، لأنه لا خلاص له إلا بذلك ، و ليس مهماً من يكون ، المهم أن يكون ابن الشعب و ابن الثورة.
لأنه عندما يتخلص من نظام الإجرام الأسدي سيدرك أن لا أحد في هذه الدنيا يحمل أخطاء كأخطاء نظام الإجرام الأسدي ، و أن لا أحد يحمل سوء بقدر سوء نظام الإجرام الأسدي ، و أن سورية جنة حقيقة و لا ينقصها لكي تعمر بالحياة و بالحب و بالخير و بالملائكة إلا بطرد تلك الثلة من الشياطين.