عائد من مستشفى البليدة
معمر حبار
الرحلة بالقصد والفائدة .. وحين يزور المرء عزيز عليه.. وقد أجرى عملية جراحية بمستشفى البليدة .. فالقصد عظيم .. والفائدة أعظم .. لما رأى .. وسمع ..
حين يسافر المرء.. لأخته الكبرى .. رفقة أمه.. وأهله ..وابنه .. وأخيه الأكبر.. لايسعه إلا أن يدعو ربه .. أن يشملهم بعفوه .. ومغفرته.. ويجمعهم على حوض نبيه صلى الله عليه وسلم ..
حين يعبر المسافر.. البلديات والولايات.. يجزم أن مساحة الجزائر الشاسعة .. بإمكانها أن تضم قارات بأكملها .. وشعوبا تجاوزوا المليار .. مازالت عذراء لم يمسسها بشر .. ولم يسكنها الإنس ..
العابر عبر الطريق السيار .. يترحم على صاحبه .. إن كان من الأموات .. ويرجو السداد والتوفيق .. إن كان ممن يقرأ هذه الأسطر.. ويطلب منه شقّ طرق أخرى .. وتقريب البعيد.. ولم المبعثر .. والرفع أكثر من مستوى الخدمات .. وجعلها في متناول الجميع ..
مدخل البليدة.. لايثير في المرء الكثير .. باستثناء.. حواجز عن اليمين.. وحواجز عن الشمال .. تستقبلك في دخولك .. وخروجك..
بقدر مايشكر الزائر .. صاحب المطعم .. الذي كان غاية في الأدب واللطف ..ويعفو، وهو الضيف عن الآخر .. الذي كان غليظا في معاملته .. غير مكترث للزائر.. والضيف..
تزامن الدخول إلى مستشفى البليدة .. بوقت آذان الجمعة .. المسجد ممتلء عن آخره .. فكان الساحة العامة .. مكانا لاستماع الخطبة.. والصلاة..
كان الإمام فصيحا .. يتحدث بهدوء .. يسمع القريب والبعيد .. تحدث عن الرشوة .. وقدّم أمثلة تدمي القلب .. ومما لفت الانتباه .. الدالة على فقه الإمام وبصيرته ..
أعاذ ذكر الحديث النبوي ، وهو من على المنبر .. من مسّ العصا .. فقد لغى .. ومن لغى .. فلا جمعة له .. وهذا الحديث كان يردد على الأسماع .. مذ كنا صبية.. فكان يحترم الإمام .. وما يدعو له .. إلى أن جاء من وراء البحاء .. من يبغض هذا الحديث .. ويصلي عمدا .. والإمام قائم فوق محراب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ومما جاء في دعاء الإمام .. اللهم إهدي ولاة الأمور .. لما فيه الخير .. الدعاء مذموم .. حين يكون تملقا .. وتوددا .. وحين لايدعو المرء لولاة الأمرهنا .. لأن ولاة أمره .. هناك.. هناك..
سألت أحد كبار السن عن.. المستشفى الذي يضم المسجد، فقال.. بني هذا المسجد في بداية .. الاستدمار الفرنسي .. وقال سنة 1850، والعهدة على الراوي .. والمسجد هذا .. بني كذلك في عهد الاستدمار الفرنسي ..
روعة المستشفى .. تكمن في مساحته الشاسعة .. حتى أن بائع البرتقال .. قال لي ، وهو يصف مساحته .. إنه يكبر البليدة مساحة .. وقد صدق البائع ..
يخيّل إلى الزائر لأول مرة.. أنه في حديقة الحيوانات .. لكثرة الأشجار الباسقة.. والأعشاب المحيطة من كل جهة .. فالمنظر الأخضر الواسع.. يريح المعافى .. قبل المريض .. والدخول إليه بسهولة ويسر .. يمكّن الزائر من زيارة المريض الذي جاء لأجله .. وهو مرتاح آمن .
المستشفى مازال محافظا على هندسته القديمة .. لكن أدخلت عليه تعديلات.. ساهمت في إبراز منظره الجميل .. ومازال المستشفى .. ورشة قائمة.. نتمنى للقائمين عليها .. السداد والتوفيق .. والإسراع.. والإتقان..
وأنت جالس مع المريض الذي جئت لأجله .. سبابا رزقوا العزيمة والنشاط .. ينتقلون وهم محملين بالخفيف والثقيل .. عبر سلالم مرهقة متعبة .. يمرون على المرضى .. ويقدمون لهم .. الأكل.. والشرب.. ويطلبون منهم .. ثيابهم القديمة .. قصد غسلها .. ويترجونه في ذكر مطالبهم .. لتلبيتها في أحسن الظروف .. وأسرع وقت ..
قال أحد المعتادين لمستشفى البليدة .. إنهم على هذه الحال .. طيلة العام.. وفي الصباح .. والمساء .. لايتركون مريضا .. إلا إستجابوا لدعوته .. ولبوا طلباته .. مهما كان شكلها .. وطبيعتها .. ويتدخلون لدى المسؤولين .. للتخفيف من وضع المريض .. والإسراع في تلبية حاجاته ..
صاحب الأسطر .. يتمنى لهم التوفيق .. ويرجو أن تعم هذه الظاهرة.. أرجاء الوطن .. وتشمل أكبر شريحة من المجتمع ..
حين تكون النسبة الكبيرة .. من سكان المستشفى .. من فتيات في زهرة الحياة .. فتلك علامة، على أن.. نصف المجتمع مريض .. ومن كان نصفه مريض .. فهو مريض .. يستوجب الإسراع في إيجاد الحل .. لنصفه .. ليشفى الكل .. ويرتاح الجميع .