تقرير الكونجرس والإجرام الأمريكي!!
محمود المنير
مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت
وصمة عار جديدة فى وجه أبناء العم " سام "، وملف أسود جديد يضاف إلى سجلهم الأسود ، وفاصل جديد مأساوى فى تاريخ سياستهم الاجرامية والعنصرية فى الشرق الأوسط بعد ما كشفه تقرير الكونجرس الأمريكي بشأن ممارسات وكالة الاستخبارات المركزية " سي.آي.إيه "، خلال استجواب بعض المشتبه بهم بعد هجمات 11 سبتمبر 2011، والتى وصفت بـ"المقززة" لعمليات التعذيب.
محاكم تفتيش جديدة
استعرض ملخص التقرير الذى بلغ عدد صفحاته 480 صفحة ، الذى صدر عن التقرير الأصلي الذى بلغ عدد صفحاته 6 آلاف صفحة تفاصيل مخزية لعمليات التعذيب البربرية التي فاقت فى وحشيتها ما جرى محاكم التفتيش فى أسبانيا ، والتي خضع لها المعتقلون فى سجون أو "سلخانات" أمريكا حول العالم ، من إيهامهم بالغرق إلى تركهم لأيام في ظلام دامس إلى وضعهم في مواجهة الحائط أو وضعهم في مياه مثلجة إلى حرمانهم من النوم لأسبوع كامل.
وبحسب تقرير الكونجرس، الذى استعرض نماذج عمليات التعذيب التى تعرض لها المعتقلين حيث تم تهديد أحد المعتقلين بواسطة مقدح كهربائي، في حين أخضع 5 معتقلين، على الأقل، بالقوة لعمليات "تزويد بالسوائل عن طريق الشرج"، وفي إحدى الحالات تم إدخال الطعام إلى جسم المعتقل عن طريق الشرج ، فيما علق معتقل آخر إلى السقف بسلاسل لابسا حفاضات وقد أجبر على التغوط على نفسه".
مواقع سوداء !!
بحسب الوثيقة ، فإن وكالة الاستخبارات المركزية نفذت هذا البرنامج السري القذر على 119 مشبوهًا بالإرهاب اعتقلتهم في "مواقع سوداء" ، والذى انتهك كل حقوق الإنسان كما لم تنتهك فى أحلك عصوره الظلامية .
"المواقع السوداء" يقصد بها السجون السرية التي أقامتها الوكالة في دول أخرى حول العالم منها : مصر ، والأردن ، ولبنان ، وسوريا ، و تايلاند ، وأفغانستان ، ورومانيا ، وبولندا ، وليتوانيا.
وأفاد التقرير، الذي استند إلى أرشيف "سي.آي.إيه" أن بعض الموقوفين، الذين خضعوا لهذه الاستجوابات ومن بينهم أبو زبيدة وعبد الرحيم الناشري، اخضعوا لها اعتبارًا من العام 2002، وكانوا على وشك نقلهم إلى معتقل جوانتانامو، حين تبلغ بوش بكيفية استنطاقهم.
وذكر أنه في 8 أبريل 2006، شرح مدير الوكالة في حينه، بورتر جوس، لبوش في البيت الأبيض التقنيات السبع المعتمدة في الاستجواب المشدد، وأظهر له صورة واحدة على الأقل لمعتقل أخضع لهذه التقنيات.
ثلاثة أسئلة محورية ؟ّ!
ثمة أسئلة بهذا الصدد تطرح نفسها، كل هذا الإجرام والتعذيب بالوكالة الذي مارسته أمريكا وأقر به نظامها العنصري ، هل كان مبررا ؟ هل حقق أمنها ؟ يبدو من التسريبات أن التقرير أجاب على ثلاثة أسئلة كبيرة وفقا لتحليل جون سوبل محرر شؤون أمريكا الشمالية بي بي سي .
أولا: هل كانت طرق التحقيق - أو "التعذيب" - أوسع نطاقا وأكثر فظاعة مما أُقر به سابقا؟ ويبدو أن الجواب "نعم".
ثانيا: هل كانت أساليب التحقيق تلك منقذة لحياة الأمريكيين؟ ويبدو أن الإجابة "لا".
ثالثا: هل كان مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية، سي آي إيه، وقتها صادقين مع البيت الأبيض بشأن ما كان يهدف إليه البرنامج؟ والجواب مرة أخرى "لا".
خلاصات تقرير التعذيب
· استخدام "سي.آي.أيه" تقنيات مشددة خلال الاستجواب، لم يكن وسيلة فعالة للحصول على معلومات أو تعاون من قبل المعتقلين.
· تبرير الوكالة استخدام تقنيات مشددة خلال الاستجواب يستند إلى تأكيدات غير دقيقة بالنسبة لفاعليتها.
· التحقيقات مع المعتقلين كانت قاسية وأسوأ مما أقرت به الوكالة للمشرعين.
· ظروف اعتقال المحتجزين كانت أقسى مما أقرت به الوكالة للمشرعين.
· زودت الوكالة وزارة العدل بشكل مكرر معلومات غير دقيقة، الأمر الذي عرقل تحليلا قانونيا صحيحا لبرنامج الاعتقال والاستجواب الذي كانت تطبقه.
· أعاقت الوكالة بشكل نشط إشراف الكونغرس على برنامجها.
· عرقلت الوكالة عملية اتخاذ القرار في البيت الأبيض ومراقبته للأمور.
· تطبيق الوكالة للبرنامج وإدارته أدى إلى تعقيد، وفي بعض الأحيان تهديد، مهمات تتعلق بالأمن القومي تقوم بها وكالات أخرى.
· عرقلت الوكالة مراقبة مكتب المفتش العام فيها لأعمالها.
· نسقت الوكالة تسريب معلومات مصنفة سرية إلى وسائل الإعلام، وضمنها معلومات غير دقيقة تتعلق بفعالية التقنيات المشددة خلال الاستجواب.
· لم تكن الوكالة مستعدة عندما باشرت برنامج الاعتقال والاستجواب، أكثر من ستة أشهر بعد السماح لها باحتجاز أشخاص.
· تم تطبيق برنامج الاعتقال والاستجواب بشكل سيء، كما أن إدارته كانت مرتبكة وخصوصا خلال 2002 ومطلع 2003.
· ساهم خبيران نفسيان في وضع تقنيات الاستجواب المشددة للوكالة، ولعبا دورا محوريا في تطبيقها وإدارة البرنامج وتقييمه.. في 2005، أوكلت "سي.آي.أيه" بشكل عام إلى آخرين العمليات المتعلقة بالبرنامج.
· خضع المعتقلون لدى الوكالة لتقنيات استجواب قسرية، لم تسمح بها وزارة العدل أو مدراء الوكالة.
· لم تحص الوكالة بشكل تام أو محدد المحتجزين لديها، وأبقت في السجون أشخاصا لا تنطبق عليهم المعايير. تأكيدات الوكالة بخصوص إعداد المعتقلين وأولئك الذين خضعوا لتقنيات الاستجواب المشددة كانت غير دقيقة.
· لم تنجح الوكالة في إجراء تقييم صحيح لفاعلية تقنيات الاستجواب المشددة.
· لم تحاسب الوكالة موظفيها المسؤولين عن انتهاكات خطيرة ومهمة، والقيام بأنشطة غير مناسبة إلا نادرا.
· تجاهلت الوكالة انتقادات عدة داخلية واعتراضات بخصوص تطبيق وإدارة برنامجها للاعتقال والاستجواب.
· برنامج الوكالة لم يكن قابلا للاستمرار وانتهى فعليا العام 2006 بعد تقارير صحافية وانخفاض وتيرة التعاون من قبل بعض البلدان، وهموم قانونية.
· ساهم برنامج الوكالة في تلطيخ سمعة الولايات المتحدة في العالم، وأسفر عن كلفة إضافية مهمة مالية وغير مالية.
شركاء الجريمة !!
لم ينس التقرير الذي لطخ سمعة أمريكا وكشف وجهها القبيح أن يحاول تخفيف الضغط عليها ، ويقلل من حدة المخاطر على مصالحها في الشرق الأوسط حيث أفصح عن العديد من الدول التي شاركت في هذه الجريمة النكراء بالوكالة ، حيث قامت هذه الدول بالقبض على المشتبه فيهم وإجراء التحقيق معهم وتعذيبهم لصالح أمريكا في عدة سجون حول العالم ، في صورة مخزية تكشف أننا بصدد عصابة دولية تحكم العالم بزعامة أمريكا ، وأننا لسنا بصدد مجتمع دولي محترم يدافع عن حقوق الإنسان أو يصونها وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن !!
الخبث الأمريكي
جاء رد الفعل حتى الآن على غير المتوقع في ظل المتغيرات وحالة السيولة التي تشهدها المنطقة وفى ظل الانتهاكات المستمرة والتي ترتكبها الأنظمة العربية والثورة المضادة تجاه شعوبها ، وهو ما يمثل فرصة ذهبية لأمريكا لنشر هذا التقرير في التوقيت وبما يخفف الضغط والحرج الدولي لها .
ومن اللافت للنظر أن أمريكا رغم تخوفها من نشر التقرير وانعكاساته على مصالحها في الشرق الأوسط إلا أنها أرادت أن تبعث برسالة للعالم مفاداها أن بمجرد نشرها ملخص التقرير الدامي تكون قد تخلصت من وخز الضمير – إن وجد - تجاه هذا الفظائع والانتهاكات ، في حين أنها على وجه الحقيقة مثلها كعجوز شمطاء تتجمل وتطلي وجهها الدميم بالمزيد من الأصباغ والطلاء أو كمن يقتل القتيل ثم يمشى في جنازته ويأخذ واجب العزاء فيه ويتباكي عليه ، ولكن هيهات ذلك ، فالتاريخ لا ينسى ، والحقوق لا تسقط بالتقادم !!