مصر اليوم: نقطة ومن أول السطر...
شريف زايد
في مشهد هزلي جديد قضت محكمة الجنايات بالقاهرة السبت 29/11/2014م، ببراءة الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، ووزير الداخلية الأسبق اللواء حبيب العادلي و6 من كبار مساعديه، من جميع الاتهامات التي وُجِّهت إليهم. واستندت المحكمة، في أسباب حكمها، إلى عدم جواز نظر محاكمة الرئيس الأسبق، في اتهامه بالاشتراك مع وزير داخليته حبيب العادلي، في قتل المتظاهرين المناهضين لحكمه، نظراً إلى سابقة صدور أمر ضمني بأن لا وجْهَ لإقامة الدعوى الجنائية ضده، كما برأت المحكمة مبارك ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، من قضية فساد، تتعلق بتصدير الغاز (لإسرائيل)، بحجة انقضاء الدعوى، كما برأت مبارك ونجليه علاء وجمال في قضية ثالثة تتعلق بقبول عطايا واستغلال النفوذ. ومعلوم للقاصي والداني أنه قد تم إتلاف أدلة الإدانة من قبل الداخلية، وثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أجهزة الدولة لم تتعاون مع النيابة العامة للحصول على أدلة دامغة. وكمثال على ذلك فإن المخابرات العامة أرسلت للنيابة العامة أشرطة تسجيلات خاوية من أي دليل، وأخطرت النيابة بأن الأشرطة الأخرى الخاصة بالأيام الأولى من فبراير 2011 قد ''تم التسجيل عليها''. وبالمثل فإن جهاز الشرطة قام بإتلاف دليل جنائي مهم خاص بقضية قتل المتظاهرين، وهو الأسطوانة المدمجة المسجل عليها المكالمات الهاتفية الواردة والصادرة الخاصة بهواتف غرفة عمليات رئاسة الأمن المركزي. وقد حركت النيابة العامة الدعوى الجناية ضد الضابط المسئول عن إتلاف هذا الدليل وقضت المحكمة بحبسه عامين!
والغريب أن النظام الحالي أدان آلاف المعارضين السياسيين استنادًا إلى أدلة واهية، وبسرعة فائقة، ولكنه في الوقت نفسه أعفى مبارك والعادلي والمساعدين الستة من مسؤولية قتل المتظاهرين، ولم يُدِنْ سوى قلة قليلة من رجال الشرطة، بقتل المتظاهرين، وحصل عدد أقل حتى من هؤلاء على أحكام مع وقف التنفيذ أو عقوبات شديدة التساهل. أما الباقون فقد تمت تبرئتهم، ولم يقض عقوبات سوى شخصين. فإذا بنا أمام مشهد هزلي آخر نرى فيه مَنْ قتل المتظاهرين خارج السجن، بينما يقبع بداخله الآلاف من المتظاهرين!
لن يُفرج عن مبارك الذي يقضي بالفعل عقوبة بالسجن ثلاث سنوات في ما يُعرف باسم قضية "القصور الرئاسية" التي أدين فيها بتبديد المال العام. وليست القضية في إخلاء سبيل مبارك أو عدم إخلاء سبيله، بل القضية فيما يجب أن يدركه الثوار وما قلناه مرارا وتكرارا من أن النظام لم يسقط في 25 يناير ولا في غيره من الأيام التي تلت، بل تم دحرجة رأس النظام فحسب، وأن ما يجب علينا جميعا أن ندركه أن للتغيير طريقا واحدا خطَّه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، برفض أخذ الحكم منقوصًا، أو المشاركة في نظام فاسد مخالف للإسلام كما فعل الإخوان، بل الصبر حتى تكتمل النصرة، بالعمل الدءوب في الأمة لإيجاد رأي عام فيها منبثق عن وعي عام على وجوب تطبيق شرع الله كاملاً في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهذا يكون بالصراع الفكري وعرض أفكار الإسلام قويةً متحديةً لتَصْرَع أفكار الكفر، وبالكفاح السياسي وكشف الخطط والمؤامرات على الإسلام والمسلمين، وليس بالمداهنة والمسايرة للطواغيت وعملاء الغرب الكافر في بلادنا من السياسيين والإعلاميين ومدّعي الفكر، فبهذا يوجد رأي عام للخلافة والشريعة، فينحاز أهل النصرة المخلصون في الجيش لها، فهو الذي يملك القوة بحق. ودولة الخلافة وحدها عندما نقيمها بإذن الله هي من ستقضي على هذا النظام الفاسد الذي أذاق الناس لباس الخوف والجوع لعقود طويلة، وحكمهم بغير ما أنزل الله وتجبَّر وطغى ورهن البلاد والعباد لأعداء الأمة من دول الغرب الكافر وعلى رأسها عدوة الأمة اللدود أمريكا.
قد يكون المشهد في مصر اليوم "نقطة ومن أول السطر..." وكأننا لم نقم بثورة، وكأن مبارك والعادلي وحاشيته لم يجرموا في حق الله والناس، وقد يركز الإعلام على الفرحة العارمة التي ضجت بها قاعة المحكمة في احتفالية هستيرية بعد النطق بالحكم، وكأن من كانوا في القفص أبطال مغاوير أنقذوا مصر وأهلها، ولكن لا يمكن أن نغفل الجانب الآخر وهو تلك الهبة التي انطلقت في ميدان عبد المنعم رياض ضد هذا الحكم، ولعلها هبة تعيد الأمور مرة ثانية لأول السطر، لنبدأ من جديد حراكا ثوريا على أساس الإسلام، يعيد مصر إلى أصلها وفصلها كنانة الله في أرضه، والصخرة التي تحطمت عليها أطماع المستعمرين الكافرين.
إننا نقول لكل من تفاجأ بالحكم، وخرج للميادين اعتراضاً على الحكم، إن أحكام القانون الوضعي المطبق حالياً في مصر قاصرة وعاجزة عن إقامة العدل بيننا، فهي من وضع إنسان ناقص وعاجز ومحتاج، وإن أحكام الشريعة الغرّاء هي التي ترفع الظلم عن المظلومين، وتقتص من الظالمين المفسدين لأنها من عند العليم الخبير، الذي لا يظلم الناس ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وما كان لنا أن نرضى بأن نُحكَم بغير ما أنزل الله، ونسكت عمن نحَّى كتاب الله جانباً واستبدل به نظاماً غير إسلامي يفصل الدين عن الحياة والدولة، ويوم أن ثُرنا عليه، ثرنا عليه لا لأنه يحكم بغير شرع الله، بل ثرنا عليه لظلمه وفساده، فإذا بنا قد أبقينا نظامه وقوانينه الوضعية الفاسدة، ليُحاكَم على أساسها، فإذا هي تُمَهِّد لتبرئته براءة الذئب من دم ابن يعقوب!
إننا ندعوكم أيها المسلمون في مصر الكنانة: أن تنبذوا تلك القوانين الوضعية، والنظام الجمهوري الوضعي العفن، وأن تعملوا لتغيير الأوضاع تغييراً جذرياً شاملاً، بإعادة الحكم بما أنزل الله، وإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة التي تقيم العدل بيننا وتقتص من الظالمين ويعزّ بها الإسلام والمسلمون، ويعيش الناس جميعهم - مسلمون وأقباط - عيشاً هنيئاً في كنف الإسلام.
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)