اللاجئون السوريون محنة في المحنة
اللاجئون السوريون محنة في المحنة
السياسي والاقتصادي والاجتماعي
وراء حملة التجويع والحصار..!؟
زهير سالم*
وصفت منظمة العفو الدولية في تقريرها الأخير موقف الدول ( الثرية ) من اللاجئين السوريين بأنه موقف صادم ومخجل ..لا ندري إذا كان بعض المعارضين ( المخمليين ) سيجدون في هذا التصريح نوعا من الفجاجة التي لا يجوز أن تقال ( للأثرياء ) .. ؛ ولكن الحقيقة أن ما قررته منظمة العفو الدولية هو أقل ما يقال بحق دول نافذة سياسيا واقتصاديا كان لها الدور الأول مع بشار الأسد في قتل السوريين وتدمير بلادهم وتشريدهم منها ، ثم التخلي عنهم بالطريقة التي نتابع ونعاين ..
( صادم ...ومخجل ) بكل تأكيد موقف الدول المؤثرة و الثرية ( سياسيا واقتصاديا ) . هذه الدول التي تجد المال وفيرا لتمويل طلعات تحالفها الجوية التي تشارك بشار الأسد في قتل المزيد من السوريين ، وفي تدمير المزيد من ديارهم ، وفي تشريد عدد أكبر منهم ، والتي ما تزال تصر على رفض تأمين منطقة آمنة تصون حياتهم وتحفظ كرامتهم في أرضهم . بل لعل تحويل مبالغ ضئيلة في ميزانية التحالف الأمريكي من بند ( قتل السوريين وتدمير سورية ) إلى بند ( مساعدة اللاجئين وإغاثة ضعفائهم ) كفيل بتحقيق الكثير لملايين اللاجئين الذين ألقي عبؤهم على دول الجور ، شعوب وحكومات وهم في أوضاعهم الذاتية أولى بالعون والرعاية في مبتدا أمرهم ..
قانون الحيف الإنساني الذي يوجب على دول الجوار أن تستقبل الخائفين والمروّعين من بني الإنسان بأي قانون للعدل أن يحمل هذه الدول والشعوب معا مسئولية الرفادة والضيافة والإغاثة إلى جانب مسئولية تقديم الأمن والأمان والرعاية ...
لا يمكن تجريد قرار برنامج التغذية العالمي بمؤسساته ومنظماته في وقف المساعدات التي توزع على قاعدة ( قوت لكي لا يموت ) من أبعاده السياسة الخطيرة ، حيث يأتي هذا القرار ، الذي يزعمون أنه ناجم عن شح المانحين ، دون أن يسأل سائل جاد ولماذا يشح المانحون ، يأتي قرار الشح هذا مترافقا مع انطلاق حملات التحالف الدولي ضد الشعب السوري منذ أيلول ( سبتمبر ) الماضي ( 2014 ) أولا . ثم مع مبادرة دي ميستورا التي تضع الخطوط العريضة في مشروع تصفية الثورة السورية ، وإعادة السوريين جميعا إلى بيت الطاعة الأسدي ثانيا . والمطلوب أن يكون اللاجئون السوريون في مقدمة العائدين الخاضعين الأذلاء !! يجب أن يُحاصر هؤلاء اللاجئون بين خياري الموت جوعا في مخيمات التشرد واللجوء وهو موت محقق بلا شك والموت قصفا أو ذلا تحت سنابك بشار الأسد ، ويجب أن تتشكل لديهم القناعة أن الثاني أهون من الأول ...
في مصنع ( الكيد الدولي ) لا ينفصل الإنساني عن السياسي ولا السياسي عن الاقتصادي ولا كل أولئك عن الاجتماعي ، كما هو الحال في عالم بُنى المعارضة المشتتة والمبعثرة ؛ ولذلك يجب قراءة قرار تجميد الدعم للاجئين السوريين الذي تم الإعلان عنه من قبل برنامج الغذاء العالمي ، أو قرار الشح العالمي المتوافق عليه دوليا على انه جزء من الصورة العامة للمشهد ، ولإرادة المكر المبيتة لسورية ولشعبها وثورتها ...
إن أخطر ما في هذا القرار من الناحية الإنسانية هو الجوع الذي سينهش أجساد مئات الألوف من اللاجئين ، والذي سيكون تأثيره الأسوأ بشكل أفظع على الشرائح المستضعفة من الأطفال والنساء والعجزة ، وإذ ينضاف إلى الجوع البرد القارس ، ونحن في قلب فصل الشتاء ، فإن اللاجئين السوريين سيجدون أنفسهم في كارثة حقيقية بكل أبعاد المعنى الكارثي ، وسترافق هذه الكارثة في واقع اللاجئين وعلى الطرف الآخر من العالم كارثة من نوع آخر ، كارثة في القيم والأخلاق الإنسانية . وحسبنا في هذا المقام قول شوقي :
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم .... فأقم عليهم مأتما وعويلا
المأتم والعويل ليس على المستضعفين يعضهم الجوع ويقرصهم البرد وإنما على المتخمين الذين يديرون ظهرهم للمشهد كافرين بكل قيم الإيمان والبر والإحسان ..
ومن المهم الذي سبقت منظمة العفو الدولية إلى التذكير به والاحتجاج عليه هو محاصرة هؤلاء اللاجئين الخائفين في دول الجوار السوري ، على ضعف ما بها وقلة إمكاناتها وضعف حولها وطولها ... فإذا كانت دول العالم لا تجد سعة للإنفاق على هؤلاء اللاجئين ، فلماذا لا تفتح لهم أبواب الهجرة ليضربوا في الأرض ويكسبوا ما يستطيعون من رزق ؟ سؤال تطرحه المنظمة الحقوقية نفسها ، لماذا لا تكون دول الجوار المضيفة دار ممر لهؤلاء اللاجئين وليست دار مقر ؟! لماذا لا تنظم سبل الهجرة لهؤلاء اللاجئين ، وقد قررت القوى النافذة في العالم خذلانهم سياسيا ، وأن تطلق في بلادهم يد قاتل مستبد فاسد وكل آلته العسكرية ؟! لماذا لا تتشارك كل دول العالم في تحمل هذا العبء الإنساني ، غير المسبوق ، في كل أبعاده فتستقبل كل دولة بحسبها نسبة مئوية من السوريين الذين تواطأ الروسي والأمريكي والأوربي على حرمانهم من حق العيش ( الآدمي ) في بلادهم ..؟
إن الذي لا يتبصر به هؤلاء الموتورون الهوج هو التداعيات السياسية والاجتماعية لقراراتهم منزوعة الإنسانية ومنزوعة العقلانية أيضا هو أي هدية يقدمونها لمشروع التطرف ولمشروع الإرهاب ولمشروع الجريمة بكل أبعادها أيضا ..؟!
أم أنه امتحان التحمل الأمريكي تُخضع له دول الأرض الطفل السوري والمرأة السورية ..
ويديرون ظهورهم للمشهد كأنه لا يعنيهم والله حسيبهم ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية