هل ينجحون في جرجرتنا إلى حروب وتقسيمات طائفية؟
هل ينجحون في جرجرتنا
إلى حروب وتقسيمات طائفية؟
عقاب يحيى
كتبنا كثيراً في بنية النظام القلوية، الطائفية. في استنادات نظام التفحيح، والطاغية الأكبر منذ البدايات، وقبل وصوله حاكماً مطلقاً، عن الموضعات الطائفية اللابسة كل الشعارات والمبادئ القومية، وشبه العلمانية. شبه اليسارية.. والتي أفرغتها ثم نحرتها، وعن المفاصل الحقيقية في الجيش ومن يمسك بها، والمخابرات وقياداتها، والقرارات وصنّاعها.. ونبّهنا إلى نهج النظام ومشروعه المبيّت في تشويه وجه، وحقيقة، ومبرر الثورة بإلحاقها قسراً، وعبر مجموعة آليات بحالة طائفية وكأنها صراع سني ـ علوي. فسني ـ شيعي، وسني بمواجهة المكوّنات الأخرى، وإيجاد فروع لذلك النهج في المنطقة يمتدّ من لبنان إلى العراق ..
ـ في الشهر الأول للثورة والدنيا انتفاضة شعب حطّم قيوده، وانطلق منفجراً يردد شعارات الحرية والعدل والكرامة.. بمشاركة متنامية من معظم فئات الشعب السوري خرجت بثينة النظام بلؤمها لوصف الذي يجري بأنه : فتنة ومؤامرة، ثم كررها وريث الحقد بتفصيل ملغوم يريد أن يبرهن بطريقته العقدية على أن ما يجري هو حالة مذهبية.. ومؤامرة كونية... وأنه سيقبرها.. باعتباره" يمثل الوحدة الوطنية" وسورية الممانعة، والمقاومة.. وقد وضع عديد الواجهات السنية، ومن بقية المكوّنات في مواقع الصفّ الأول ليكونوا كراكوزات المسرحية الساذجة.
****
على امتداد سورية الحديثة، ورغم حقائق التركيب التي تشمل فسيفساء سورية بكل ما فيها من الإثنيات القومية، والأديان الثلاث، والمذاهب المتعددة، ورغم محاولات فرنسية مدحورة للموضعة الكانتونية، واللعب بالنسيج الاجتماعي، ومحركات بعض الأقليات القومية، وشطط بعض النزوعات الطائفية.. إلا أن سورية الوطن الواحد، والشعب الواحد الغني بالألوان، والتعايش، والتفاعل.. ذو الأكثرية العربية المطلقة، والسنية ـ بمعنى الاعتناق المذهبي ـ كانت هي الحقيقة الأبقى، وهي المصدّ، والمرجعية، وهي حاضنة الثورة ومواقد التغيير..ولم يك أحد يعتقد، أو يتصوّر أن تعمد جهات مختلفة تبدو متصارعة، ومتناقضة إلى جرجرة الثورة باتجاه الخَندقة، وما يشبه التقسيم، ومنح الاتجاهات المذهبية، خاصة السنية منها، المسوّغات، والقرائن للمضي المنزلق في هذا الطريق، خصوصاً وأن اللوحة لم تقتصر على سورية بل تمتدّ من العراق إلى لبنان، وتلتحق اليمن أيضاً فيها .
ـ لم يقتصر الأمر على ممارسات طائفية منهّجة من النظام الفئوي بتوجيه آلة تدميره وفنائه.. حتى التطهير البشري والمذهبي والديمغرافي نحو المناطق السنية في عموم البلد، بينما "تنعم" بقية المناطق بوضع آخر.. بل دخلت على الخط بقوة مدججة بكل الأسلحة والمليشيات والحقد والمشاريع الخاصة : إيران بثقلها لتدفع الأمور نحو ذلك بسرعة، وعلى رقعة جغرافية تشمل ساحات عربية متعددة.. وبما وضع الرأي العام الشعبي أمام أسئلة عبقها ردّ الفعل، ثم الدخول في متاهات لا تجد تفسيراتها سوى بتفسير، واختصار الذي يجري على أنه موجّه ضد المذهب السني صراحة.. وبأن السنة تحت المقصلة، وأنهم يتعرّضون لحرب إبادة عناونيها باتت فاقعة في كل ميدان، ومجزرة.. في اللجوء والتهجير والهجرة.. وفي نوعية القصف، والتحالفات..
ـ ومما زاد الوضع تفاقماً اقتحام الإدارة الأمريكية لبوابة الصراع من هذا الباب وترصيصه بقوتها، وآلتها الإبادية.. ثم حكايتها ب"محاربة الإرهاب" وحلفها وما يفعل.. والواقع وما يحدث فيه..
ـ سنضع جانباً كل ما يحكى عن مواقف التواطؤ، والاتفاق، وحتى التناغم مع النظام الإيراني ونتوقف عند الحالة العراقية التي هي منتج أمريكي بامتياز، وبما يتجاوز غزو العراق وتدمير دولته، وبناه التحتية، وعلمائه، وجيشه، واجتثاث وتصفية مئات آلاف الوطنيين فيه..إلى تسليمه بوعي، ومن حيث النتيجة للنفوذ الإيراني، وتحويله إلى كانتونات طائفية وإثنية.. يعبّر عنها بصفاقة ما يسمى جيش العراق الذي أقاموه برعاية أمريكية، ثم"مليشيات الحشد الشعبي" وما تقوم به، واستهداف العرب السنة بشكل ممنهج، وشامل تقريباً. وقد أصبح شائعاً ورائجا تعبير السنة العرب، وها هو يمتدّ إلى سورية وغيرها كتحصيل حاصل فعل جرمي إبادي.. يستقي من الوقائع اليومية مسوّغاته.. ليضخّ ما يريدون من مفاعيل الانقسام.. وهذا بعض نتاج الجرجرة التي خططوا لها جميعهم هؤلاء .
ـ إن شعارات إقامة تحالف دولي عرمرمي بكل المَسرحة والتهويل، وسياساته المعلنة، وفعله على الأرض يصبّ كل أنواع الزيوت الحارقة علة فعل التقسيم الذي يراد رسم تخومه، وبما يتجاوز ذلك إلى تنصيب مخاوف تبدو جدّية جداً على "أهل السنة" العرب بأرواحهم، وديمغرافيتهم، وممتلكاتهم، وجغرافية وجودهم.. وكذا الأمر فيما يجري من دعم مشبوه، وملغوم للأكراد وفق خطين متوازيين بينما تتعرّض المناطق الأخرى لكل عمليات الإبادة والتهجير والاستهداف، ويجري التناغم الصفيق بين التحالف والنظام المجرم، وبينه وبين إيران.. بينما تزغرد الحوثية في اليمن وهي تكمل رسم اللوحة.. فتقذف بالصراع نحو الاحتراب المذهبي وما ينتج عنه من انقسامات عمودية، وحروب أهلية طويلة .
ـ كل الوقائع الناتجة عن أفعالهم تؤكد أن التطرف يزداد كردّ فعل، وأن الحواضن الشعبية لداعش وأخواتها تتسع، وتزجّ بفئات شعبية كانت في خندق الثورة تقاتل لأجل الحرية، وتصرخ بأن الشعب السوري واحد.. هؤلاء يملؤهم الخوف هذه الأيام، ويشحنهم فعل يومي لا يمكن لأغلبهم أن يرتقوا فوقه، أو أن يتغلّبوا على ما يعيشونه، وما يفقدونه من أهل وأملاك وأرض وبيوت ووطن..
ـ نعم مشاريعهم المشبوهة تتقدّم بقوة آلة الفتك. بجيوشهم الجرارة ودعاويهم الملغومة. بأجهزتهم الإعلامية ومخابراتهم وأموالهم.. وهم يريدون التقدّم في خط جغرافي طويل عريض يشمل العراق حتى لبنان، ويمتدّ لليمن فالخليج العربي.. ولمَ لا بلدان المغرب العربي.. طالما أن الشروط مهيّأة، وطالما أن الشعوب تئن تحت وطأة المذابح، والاستبداد، والنهب، والتغييب، والبسطار المصطنع..
ـ هذه اللوحة التي يمضون قدماً في ترسيخها ونشر مفاعلات انفجارها الدائم ستجابه بمصالح ومطامح وإرادة ملايين الأحرار العرب ومن المكونات جميعاً؟؟ الذين ثاروا لأجل تحرير بلادهم وليس لتقسيمها، أو نحرها بسمّ الطائفية والإثنيات التمزيقية. ولئن كان الوضع يرفع التحديات كبيرة إلى مستوى مصيري.. فإن الوعي بحقائق ما يراد فرضه علينا، ومجابهته بتنظيم وتوحيد الصفوف، والتحالف الداخلي والإقليمي مع الثائرين في العراق وغيره.. والتمسّك بروح الثورة وأهدافها من شأنه أن يقطع الطريق على هذا الذي يجري، وأن يعيد الأمور إلى حقيقتها ...