قانون دور العبادة الموحد

ممدوح أحمد فؤاد حسين

[email protected]

مع كل أزمة طائفية بسبب بناء كنيسة تتعالى صيحات رجال الدين الأرثوذكس وتابيعيهم من الكتاب العلمانيين مطالبين بسرعة أصدار قانون دور العبادة الموحد، متهمين الدولة بالمماطلة والتراخي في إصدار هذا القانون.

وفي هذا المقال أتناول الموضوع من عدة زوايا:

1) قانون بناء دور العبادة الموحد بدعة مصرية .

2) السبب الحقيقي وراء عدم صدور القانون.

3) هل تعاني مصر من مشكلة في بناء الكنائس؟ .

4) تقنين أوضاع الأديرة.

5) علاقة الأديرة بمخطط التقسيم الأمريكي، والمشروع السياسي للكنيسة الأرثوذكسية.

6) كلمة أخيرة للعقلاء فقط.

1) قانون دور العبادة الموحد بدعة مصرية:

يمتنع المطالبين بإصدار قانون بناء دور العبادة الموحد عن الأستشهاد بأي نص من أي قانون مماثل في أي دولة من دول العالم.. لماذا؟!

بأختصار شديد: لا يوجد دولة في العالم تطبق مثل هذا القانون. ومن يعترض على ذلك فليذكر أسم دولة واحدة تطبق هذا القانون، وليذكر نصوصه للاسترشاد بها عند أعداد القانون المصري.

2) السبب الحقيقي وراء عدم صدور القانون:

العرف الدولي يربط بين الاحتياج الفعلي لدور العبادة وتصريح الدولة ببناءها. فعلى سبيل المثال لم توافق الدولة الروسية على بناء مسجد في موسكو إلا بعد التأكد من قلة عدد المساجد، الأمر الذى تجلى بوضوح فى صلاة عيد الفطر، حيث اضطر مئات من المسلمين لأداء الصلاة خارج المسجد.

وبالعقل والمنطق .. أي دولة في العالم لا تسمح ببناء مدرسة أو مستشفى أو... إلخ إلا حسب الحاجة الفعلية، وكذلك الحال بالنسبة لدور العبادة.

ومع ذلك يخالف رجال الكنيسة والدائرين في فلكهم العرف الدولي، والعقل والمنطق، ويرفضون ربط بناء دور العبادة بالحاجة الفعلية، ويطالبون بأن يترك للكنيسة وحدها تحديد احتياجاتها من الكنائس، ويصرون علي رفض الربط بين عدد السكان في القطاع الجغرافي الواحد وعدد ومساحة دور العبادة.

هل توجد دولة واحدة في العالم توافق على مثل هذه الطلبات؟!!

3) هل تعاني مصر من مشكلة في بناء الكنائس:

يبررالمطالبين بهذا القانون بأن مصر تعاني من القيود المجحفة والمتزمتة في بناء الكنائس!! ويتجاهلون إن عدد الكنائس في مصر أكبر من عدد المساجد في أوروبا كلها بالرغم من أن عدد المسلمين في أوروبا يفوق عدد المسيحيين في مصر بكثير.. فأين القيود المجحفة والمتزمتة في بناء الكنائس؟!

ويدافع المطالبون بهذا القانون عن التعنت الأوربي الغربي تجاه بناء المساجد بأنه رد فعل طبيعي للخوف من الإسلام الناتج من أحداث 11 سبتمبر وما تلاها.

فإذا سلمنا جدلا بصحة ذلك، وإذا اتبعنا منطقهم للبحث عن مبرر للتضييق والتعنت في بناء دور العبادة فلن نجد مبررا أقوي من أعتناق الكنيسة الأرثوذكسية للفكر الاستقصائي المتمثل في أعتبارالأقباط هم أصحاب البلد الأصليين وأن المسلمين غزاة، محتلين، ضيوف لأنه:

1- فكر يلغي حق المواطنة لغير أتباعهم، وفكر المتطرفين المسلمين ينتقص فقط من بعض حقوق غيرهم.

2- فكر ضد القوانين والأعراف الدولية، فالأوربي أو الأمريكي إذا اعتنق الإسلام لا تسقط عنه المواطنة، ولا اعتباره من أصحاب البلد الأصليين، بعكس المصري الذي إذا اعتنق الإسلام سقط عنه كونه من أصحاب البلد الأصليين طبقا لفكر الكنيسة!.

3- فكر يعتنقه كل رجال الكنيسة والغالبية العظمي من أتباعهم في حين أن فكر المتطرفين المسلمين محصور في أقلية بينهم.

4- فكر يعطيهم الحق طبقا للأعراف والمواثيق الدولية في خوض حرب تحرير. وبالتالي يحق للمسلمين القيام بحرب دفاع عن وجودهم. وتسقط البلد في حرب أهلية بسبب فكر فاسد يتنافى مع الأعراف والمواثيق الدولية.

مما سبق يتضح أن مبررات منع الكنائس في مصر أقوي من مبررات منع المساجد في أوروبا، ومع ذلك فإن مصر هي الأرقى تحضرا وتسامحا في هذا المجال بدليل عدد الكنائس في مصر ومقارنتها بعدد المساجد في أوروبا.

4) تقنين أوضاع الأديرة

يتجاهل المطالبون بهذا القانون المطالبة بتقنين أوضاع الأديرة التي تمددت في الصحراء لمئات وآلاف الأفدنة مثل دير أبو فانا بالمنيا (600 فدان) ودير أبومقار (2700 فدان)، بل أن بعض المحسوبين على التيار العلماني الأرثوذكسي يدافع عن هذا التمدد فيقول : (فيما يتعلق بتوسع الاديرة فهو امر يتسق مع امتلاك الاديرة لكوادر متنوعة علميا يمكن استثمارها فى استصلاح الاراضى ثم فى التصنيع الزراعى، وهو التطور الطبيعى لمنهج الرهبنة القبطية التى تجمع بين الصلاة والعمل، والذى تأسس فى القرن الرابع الميلادى بعكس الصورة المغلوطة الشائعة عن بطالة الرهبان، ولعلك تدرك ان استصلاح الصحراء اضافة فاعلة للناتج القومى، خاصة مع توفر خصائص الرهبان مثل الزهد والامانة وغياب الصراع على التملك).

وهنا عدة ملاحظات:

1- المصريين عموما لهم تقدير عميق لأماكن العبادة، ويغضبون أشد الغضب إذا تعرضت للتفتيش أو المراقبة، فما هو الموقف إذأ تلقت سلطات الدولة بلاغا بوجود مخالفات داخل تلك الأديرة؟ هل تتجاهل الدولة هذا البلاغ أم تقوم بالتفتيش علي الدير فيغضبون ويشعرون بانتهاك أماكن عبادتهم؟

2- الأديرة بهذا الوضع سيعمل بها آلاف بل عشرات الآلاف من الفلاحين وعمال المصانع وما يستلزم ذلك من توافر خدمات صحية وتعليمية ورياضية ومواصلات وخلافه، فإذا سلمنا جدلا بتوافر خصائص الزهد والأمانة وغير ذلك في الرهبان، فهل عشرات الآلاف من  الفلاحين والعمال لن يحدث بينهم ما يحدث في كل المجتعمات الإنسانية من مشاكل وجرائم؟

كيف تمارس الدولة حقها السيادي في مثل هذه المشاكل والجرائم؟ أم تترك ذلك لدولة الكنيسة؟

3- ما هو الموقف التأميني لعشرات الآلاف الذين يعملون أو الذين سيعملون في المستقبل داخل الأديرة؟ أم أن هذا شأن داخلي للكنيسة لا شأن للدولة به؟

4- ما هو الموقف الضريبي للمشروعات الزراعية والصناعية الإنتاجية؟ أم أن هذا أيضا شأن داخلي للكنيسة لا شأن للدولة به؟ صحيح أنها مشروعات يمكن تصنيفها تبعا للمجتمعات العمرانية الجديدة التي تتمتع بأعفاء ضريبي لمدة حددها القانون ..ولكن ماذا بعد ذلك؟

5- جميل أن يجمع الرهبان بين العمل والعبادة، ولكن من يختار أن يعمل فيجب عليه أن يعمل وفقا لقوانين الدولة التي هو أحد رعاياها.

مرة أخرى أحتكم للقوانين والأعراف الدولية.. هل تمدد الأديرة كل هذا التمدد وما يحدث فيها، يوجد في دولة واحدة في العالم؟

الواجب أن يتضمن القانون المنتظر توفيقا لأوضاع الأديرة بفصل الأماكن المخصصة للعبادة عن المشروعات الزراعية والصناعيية التي يتشكل لها شركات تكون خاضعة للوزرات المختصة بالدولة.

5) علاقة الأديرة بمخطط التقسيم الأمريكي والمشروع السياسي للكنيسة المصرية:

أولا : علاقاتها بالمشروع الأمريكي:

إن الأديرة بهذا الشكل ستتحول قريبا إلي مدن لا يسكنها إلا الارثوذكس فقط وبذلك يتحقق ولأول مرة في تاريخ الخريطة السكانية لمصر، فرز سكاني طائفي على أساس الدين، وعدم وجود هذا الفرز الطائفي – حتى الآن- هو المانع الأكبر تجاه مخطط التقسيم الأمريكي.

قبل أن يتسرع أحد ويتهمني بسوء الظن، وأن خيالات وأوهام تلعب برأسي .. فلنقرأ معا ما نشره الموقع الإلكتروني لجريدة البشاير نقلا عن قناة الحياة الأرثوذكسية :

(وفي حوار مع بعض صحفي المواقع القبطية طالبت القناة بتوفير حماية دولية لاقباط مصر والتدخل العسكري الدولي لإخلاء اماكن امنة لاقباط مصر. الغريب ان القناة حاولت تصوير الوقفات السلمية التي ينظمها المسلمون على انها عمليات إبادة منظمة للاقباط فى مصر.) والنص بين القوسين على الرابط التالي:

http://www.elbashayer.com/news-115265.html

ها هي قناة الحياة التي يرأسها القمص مرقص عزيز-الاب يوتا- تسعى إلى إحداث فرز سكاني طائفي، وتطالب بإخلاء أماكن آمنة للأقباط!! وهي بذلك لا تتورع عن الأكاذيب، فأي أمان يفتقده الأرثوذكس حتى تطالب بإخلاء أماكن أمنة؟ ألا يجهروون برموزهم الدينية في كل مكان في محل العمل وسياراتهم وعلي أجسادهم؟ هذا أكبر دليل على الأمان الذي يعيشون فيه.

وبالطبع لا يمكن عمليا إخلاء أي محافظة أو مدينة للأرثوذكس، وبالتالي لا يوجد أفضل من الأديرة لإنشاء هذه المناطق المزعومة.

وهي أيضا لا تتورع عن المطالبة بالتدخل العسكري الدولي لحماية الأرثوذكس من عمليات الإبادة المنظمة التي يتعرضون لها كما تزعم!.

ورغم كل هذه الأكاذيب يصر البعض على وصفهم بالزهد والأمانة وغياب الصراع على التملك!!!.

بقى أن تعرف (ان مرقص عزيز لا يزال موظفا رسميا في الكنيسة الارثوذكسية وقد صرح مؤخرا بان كل تحركاته واقواله تتم بموافقة البابا شنوده وبالتنسيق معه). – النص بين القوسين من الرابط السابق.

ثانيا : علاقاتها بالمشروع السياسي للكنيسة:

إذا كان المشروع الأمريكي للتقسيم خطيرا ومفزعا فإنه يعتبر رحميا ورقيقا قياسا بالمشروع السياسي للكنيسة الارثوذكسية!!

المشروع الأمريكي يتيح للمسلمين البقاء على جزء من أراضي الدولة المصرية في حين أن المشروع السياسي للكنيسة الأرثوذكسية يوجب تحرير كل الاراضي المصرية من المسلمين الغزاة المحتلين كما وصفهم كبار رجال الكنيسة ولم يشذ عن ذلك رجل دين واحد حتى البابا شنودة نفي أن يكون قد قدم اعتذارا عقب أزمة بيشوي الأخيرة.

إذا كان فكر الكنيسة كذلك، وإذا كانت الأديرة في سبيلها لكي تتحول إلى مدن أرثوذكسية بحتة فما المانع أن تتحول إلى قواعد تنطلق منها جيوش التحرير الأرثوذكسية لتحرير مصر من الغزاة المحتلين الضيوف؟

أي جدال أو حوار حول إشكالية غزو مصر من قبل المسلمين كما يعتقد الارثوذكس، أو فتحها كما يعتقد المسلمين. لن يصل إلى نقط أتفاق، يبقى أن نبحث عن حل وسط لأنه بدون حل هذه الإشكالية لن يشعر المسلمون المصريين بالأمان تجاه الأرثوذكس، وستصبح جميع تحركاتهم محل ريبه وشك.

(فتح مصر أو غزوها حدث منذ أكثر من ألف عام، ومسئوليته تقع على الذين قاموا به، وهم جميعا بين يدي الله فإن كان خيرا جزاهم خيرا، وإن كان غير ذلك عاقبهم. بالتأكيد أجيال المسلمين الحالية ليست مسئولة عن هذا العمل حتى نحاسبهم عليه، ونسقط عنهم كونهم مصريين أصليين، وننظر إليهم على أنهم غزاة محتلين ضيوف عليهم الرحيل).

ما لم يصدر بيان بهذا المعنى من المجمع الكنسي للأرثوذكس برئاسة البابا شخصيا فلا نستطيع إلا أن نعتبر الأرثوذكس في حالة حرب تحرير وبالتالي يحق للمسلمين أن يكونوا في حالة دفاع عن بلادهم وأوطانهم التي عاشوا عليها أكثر من ألف عام وكثيرا منهم أحفاد لمصريين ارثوذكس أو فراعنة وثنيين أعتنقوا الإسلام.

وما لم تجرم الدولة الزعم بتقسيم المصريين إلي أرثوذكس أصليين، ومسلمين غزاة محتلين، لأنه زعم يحرض علي الكراهية، وكل شعوب العالم تكرة الغزاة المحتلين، فلا سلام ولا أمان ولا دولة مدنية أو غير مدنية.

5) كلمة أخيرة للعقلاء فقط:

ببساطة شديدة فقد تعايشت المسيحية والإسلام في العالم أكثر من 1400 عاما، ولم يزح أي منهما الآخر. ومصر –تحديدا- تم فتحها بالإسلام أو غزاها منذ ما يقرب من 1400 عاما، فلا الإسلام قضى على الأرثوذكسية، ولا الأرثوذكسية حررت مصر من الإسلام.

الأختلاف سنة الله في كونه، فلماذا لا نعيش في سلام وأمان طبقا للأعراف والمواثيق الدولية بدلا من الخلافات والمشاحنات التي لم تؤتي ثمارها في الماضي ولن تؤتي ثمارها في المستقبل؟