نظام بن علي
نظام بن علي:
مهزله بين البقاء والزوال
خالد الخلف
رئيس المجلس إلاقليمي لمناهضة العنف والارهاب ودعم الحريات وحقوق الانسان
تشهد تونس منذ عدد من الأيام الماضيه تحركات احتجاجيه شعبية مستمرة لليوم الـ15 على التوالي تنديدا بالفساد السياسي و الإداري وتفشي البطالة التي تمس كافة اطراف النسيج الإجتماعي والتي تحتوي على فئة عريضة من حاملي الشهادات العليا .
و لقد إندلعت هذه الثوره العارمه إثر حادثة أليمه تعبّر عن حالة تفاقم آليأس و العزلة النفسيّه آلتي يعيشها شباب تونس. ففي يوم الجمعة 17 ديسمبر2010 ، أقدم الشاب محمد البوعزيزي البالغ من العمر 26 سنه و الحائز على شهادة التدريس ، بمحاولة الإنتحار حرقا أمام بلدية سيدي بوزيد بعد أن حاول أحد أعوان البلديه أن يمنعه من بيع الغلال على عربه يدفعها بساعديه ويجول بها المدينه من أجل تحصيل لقمة عيش شريفة له و لأفراد عائلته التي لا تملك سندا غير سواه. و كانت تعلّيق أعوان البلديه أنه يمارس عملا غير
مرخص فيه.
ولقد توالت منذ هذه الحادثه مجموعه من المواجهات بين آلاف المتضاهرين و اجهزة النـظام إبتدأت كإحتجاجات سلميه في الاول و تحولت فيما بعد إلى إشتباكات عنيفه حيث حاولت القوات الأمنيه وضع حد للمسيرات و ذلك بإستخدام الغاز المسيل للدموع و الهراوات التي إنهالت على وجوه المواطنين غير عابئة بالمسنين، الأطفال و النساء . لا و لقد إنطلق الرصاص في صدور شباب بو زيان و تم إعتقال عدد من المتظاهرين لا يزال مصيرهم مجهولا إلى الآن.
و كبادره أولى في خضم هذه الأحداث ، أطل بن علي على الشاشه الرسمية لأول مرة منذ إندلاع الإنتفاضة ليلقي خطابا نرجسيا يندد فيه بالتغطيه الإعلاميه للحدث و شكك في مصداقية الأطراف التي اعطت لعملية إنتحار مجموعة من الشباب التونسي بعدا سياسيا و إجتماعيا.
بوجه مصفر وبكثير من الإرتباك أطل علينا زعيم عصابة النهاشين عبر قناته البنفسجية على الساعة الثامنة مساء ليرد على الإحتجاجات و المظاهرات التي إستنزفت البقية الباقية من رصيده السياسي ومن مشروعية تواجده على كرسي الرئاسة طيلة أسبوعين...
وفقا لتسريبات من القصر الرئاسي ومن مصادر مقربة اشرف بن علي بنفسه على العمليات من داخل القصر و إلى ساعات متأخرة من الليل طيلة الأيام الأخيرة واصرارآ منه على مواجهة الأحداث بشكل دامي وقد أصيب خلالها بنوبات انهاك متعددة........ ومن بين آراء مستشاريه الأمنين و السياسيين و الإعلاميين كانت مواقفه الأكثر تشددا في طرق السيطرة على الإحتجاجات...نوبات الإنهاك والعصبيه الدائمه الليليه كانت دوما مسبوقة بنوبات هيجان تشبه الصرع المرضي ينهال فيها على احد مستشاريه أو محدثيه عبر الهاتف بالشتائم...
كعادته كان رهانه منذ البدء على العنف مذكرا بأن الرصاص هو الحل الوحيد لإخماد الإحتجاج كما فعل في الرديف...بأمر شخصي منه حينها أوعز بقتل بعض المتظاهرين وهو ما تم بالفعل بمنزل بوزيان ...أوصى ببعض الإعتقالات وتوجه ليقضي أولى لياليه داخل إقامته بقمرته وهو هانئ البال أنه أخمد الإنتفاضة وقتل الابرياء ...خابت توقعات الديكتاتور لدى سماعه في الغد أن رصاصاته قد ألهبت صدور جميع التونسيين ...جميع المؤشرات وعدد البرقيات الواردة بأخبار تجدد الإشتباكات أصابته بالإحباط... التقارير من مبعوثيه إلى سيدي بوزيد جاءت متناقضة ففي حين روج لنجاح النوري عمد عبد الوهاب عبدالله الى "تشليك" الغرياني بنشر صور الأخير و هو يتحدث في اربعين نفرا من موظفي الولاية تحت عنوان إجتماع عام جماهيري...لأيام ضل سكان سيدي بوزيد يلعبون كرة المضرب بقواته من معتمدية إلى أخرى...بعد أن خسر ورقته الاولى أصغى أخيرا لبعض مستشاريه وأرسل بالجويني إلى الجزيرة لكي يمرغ المرزوقي بما تبقى من نظامه الأرض...بمجرد ذكر كلمة طرابلسية بإمكانك أن تهزم بن علي بالضربة القاضية في اي معركة إعلامية...بعد إنتقال انتفاضة الشعب الى مناطق أخرى و تمددها لم يتبقى أمام بن علي سوى خياران إما إجراء عملية جراحية استئصالية مستعجلة لأركان نظامه عسى أن يتقاطع ما السقف الأدنى المطلبي للشعب أو أن يحاول التصعيد...مشكلة الدكتاتور الكبرى أنه محدود الثقافة و يغلبه غباؤه حين يكون تحت الضغط...
ماذا ينفع التهديد لشعب أصبح الإنتحار حرقا رياضته الوطنية؟
حتما حتما و بكل حزم سوف يمضي ......
خطاب بن علي أكد بدون شك على تنكره وإستنكاره لمطالب شعبه الذي ما إنفك منذ أسابيع بالمناداة وترديد شعارات تدعو الرئيس و عائلته بالتنحي عن السلطه و إرجاع أموال الشعب.
و لقد لاقى خطاب بن علي ردة فعل واسعه تراوحت بين الإستهزاء والخيبة علق عليها رئيس حزب العمال بأن ردة فعل بن علي يمكن أن تكون كإعلان حرب على الشعب.
و كمحاوله بائسة للتجديد في نظام حكومته و للتضليل بإسم التنميه، أعلن الوزير الأول اليوم أن رئيس الدولة قرر إجراء تعديل وزاري يشمل الوزاراة التاليه: وزير آلاتصال،وزير للشؤون الدينية، وزير الشباب والرياضة والتربية البدنية، وزير التجارة والصناعات التقليدية، وزير الشؤون الخارجية.
الإنتفاضه التي تدور بربوع تونس و التي إنتشرت بكافة أنحاء آلجمهوريه و خارج حدود الوطن تمثل ثوره إجتماعيه عفويه حيث أتت كنتيجة حتميه و بديهيه لفشل سياسي ، إداري و إقتصادي وسلب ونهب قامت به حكومة بن علي . حكومة تسببت خلال العقدين الماضين في إيجاد تفاوت طبقي ، إجتماعي و جهوي يمد جذوره في بنيه الحياة الإقتصادية التي تبلورت في بعض الولايات الساحليّه من دون غيرها و لفائدة بعض العائلات المستنفعة من التجاوزات الإداريه و التفاضلات التي منحها النظام لبعض مقربيه. نذكر على سبيل المثال عائلة الطرابلسيّه التي إستولت بطرق غير شرعيّه على املاك الشعب ؟تذكرنا بعقلية رجعيه ظلاميه إستبداديه لا يعرف أفرادها إلا السلب و النهب.
تساؤلات كبرى تطرح نفسها و تحدّيات عظمى في إنتظار شعب تونس :
هل سيظل نظام بن علي قائما يمارس بتعسف واجرام جميع التجاوزات التي تمادا فيها بكل تجرد من الإنسانيه و الحضاره على مدى سنين حكمه؟
هل سيواصل الشعب التونسي بكل ثبات مسيرته تجاه الحريه مطالبا بالخلاص من براثن الطغاة الذين أذلوه وسلبو أمواله؟
هل أن الوعي العام قادر علي التمييز بين الجلاد و المحرّر؟
ما هو الوجه الحقيقي للمستنفعين من نظام حكم بن علي و هل سيؤدي الاتفاوت الطبقي لحدوث مواجهات بين ابناء الشعب الواحد ؟
ما هي الخطوات القادمة للعمل النقابي و ما هو البديل للسلطة السياسية؟
كل هذه التساؤلات تدور بجميع أذهان أفراد الشعب التونسي على حد السواء و يبقى المستقبل القريب الوحيد القادر على الإجابه.
ماذا ينفع التهديد لشعب أصبح الإنتحار حرقا رياضته الوطنية؟
حتما حتما و بكل حزم سوف يمضي ......