الجائعون والعاطلون عن العمل

محمد فاروق الإمام

أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين

محمد فاروق الإمام

[email protected]

أطل الرئيس التونسي زين العابدين بن على على الجماهير التونسية الغاضبة التي انتفضت من أقصى شمال تونس الخضراء حتى جنوبه مطالبة بالعدل في توزيع الثروات وإيجاد فرص العمل للشبلب الخريجين من الجامعات والمعاهد العلمية العالية.. أطل السيد الرئيس ليختزل انتفاضة الجماهير الجائعة والعاطلة عن العمل بعد صبر واحتقان طويل، لم تعد لهذه الجماهير طاقة على الصبر والاحتمال عليه ليختزل هذه الانتفاضة بوصف الشباب العاطل عن العمل الغاضبين والمحرومين من أي فرصة للعمل - لأنهم ليسو من أبناء الست بل هم من أبناء الجارية - بأنهم (أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين.. المدفوعين من بعض الأطراف الذين لا يريدون الخير لبلادهم ويلجؤون إلى بعض التلفزات الأجنبية التي تبث الأكاذيب والمغالطات دون تحر بل باعتماد التهويل والتحريض والتجني الإعلامي العدائي لتونس).

وبالرغم من اعتراف السيد الرئيس زين العابدين من أن هناك في البلاد حالة مستعصية على الحل، وهي حالة البطالة وكثرة العاطلين عن العمل المتفشية في المجتمع التونسي، وأنه (يقدر الشعور الذي ينتاب العاطلين عن العمل، والحاجة التي تدفعهم إلى الحلول اليائسة – كما يقول – ليلفت النظر إلى وضعيته).

ويندد السيد الرئيس بالمحتجين الغاضبين قائلاً: (إن لجوء أقلية من المتطرفين والمحرضين المأجورين ضد مصالح بلادهم إلى العنف والشغب في الشارع وسيلة للتعبير أمر مرفوض في دولة القانون مهما كانت أشكاله، وهو مظهر سلبي وغير حضاري يعطي صورة مشوهة عن بلادنا تعوق إقبال المستثمرين والسواح بما ينعكس على إحداثات الشغل التي نحن في حاجة إليها للحد من البطالة)، وختم كلمته محذراً ومهددا: (سيطبق القانون على هؤلاء بكل حزم).

انتفاضة الجوعى والعاطلين عن العمل ليسو أقلية ولا متطرفين ولا محرضين مأجورين يا سيادة الرئيس.. إن انتفاضة (سيدي بوزيد) هي أول شمعة تضاء على درب الحرية في نفق الظلم والاستبداد والقهر والإذلال والعبودية.. وإذا كنت قد وصفت هؤلاء الفتية الذين حازوا على أعلى الشهادات العلمية وصبروا على الضيم والمحسوبية والتحجيم والتدجين المبرمج لنظام حكمك بأنهم قلة متطرفة ومأجورة فما الذي يدفع الشباب إلى الانتحار والتصدي لآلتك العسكرية الفتاكة التي بنيتها من عرق التونسيين وجهدهم لترهب وتفتك بالتونسيين أنفسهم وليس الدفاع عن الأوطان؟

وما تسمي انتقال هذه الانتفاضة لتعم تونس من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها يقودها أحرار الوطن من عمال محرومين من أبسط حقوقهم المعيشية والحياتية، ومحامون هدتهم البطالة أمام فساد القضاء وزيف المحاكمات وتسلط المحسوبية والعائلية والرشوة والفساد الذي ينخر جسم أهم سلطة في البلاد وهي (سلطة القضاء) المرهونة لزبانية النظام الذي أقمته وأسست بنيانه على الباطل واحتكار السلطة والديكتاتورية؟

وما تسمي الانتفاضة وقد انتقلت إلى أهم قلاعك العاصمة تونس، وتجاوب التونسيون معها في عدد من العواصم الأوروبية، وعواصم أخرى، حيث نظموا مسيرات احتجاج أمام العديد من السفارات التونسية والمنظمات الدولية. وقد أثبتت انتفاضة تونس، فشل نظامك في تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية، وفي توفير العمل للعاطلين، ولا سيما حملة الشهادات وهم نحو 60 ألف خريج سنويا. كما أكدت بؤس الحلول الأمنية، فضلا عن العجز عن إقامة نظام سياسي يعتمد على الشعب وعلى مبدأ التداول السلمي للسلطة. وأكدت انتفاضة تونس أن الشعوب مثل الزلازل والبراكين، يمكنها أن تظل فترة طويلة في حالة خمود، ولكنها تفاجئ الأنظمة من حين لآخر، إلى أن تحقق في ضربتها القاضية أغراضها في الحرية والانعتاق من العبودية السياسية المفروضة عليها؟

وما تسمي يا سيادة الرئيس إقدامك على التعديلات في وزارتك العتيدة وفي تغيير بعض ولاتك وكبار موظفي إدارتك المترهلين الفاسدين الذين دفعوا هؤلاء الشباب إلى الإقدام على إحراق أنفسهم والتصدي لآلتك العسكرية الجهنمية بلحم أجسادهم إلا اعترافك الضمني بالحالة البائسة التي آلت إليها البلاد؟ 

لقد تحررت معظم بلدان العالم من الطغاة والمستبدين يا سيادة الرئيس، وبقيت معظم بلداننا العربية عصية على التغيير، وهو أكبر تحد تواجهه الأمة، وهي تستشرف العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين.

السيد الرئيس هناك حوادث صنعت التاريخ، وسجلت الملاحم، وسطرت مسارات الأمم،  كان بدايتها، روح أزهقت، أو اعتداءات حدثت، أو جريمة ارتكبت، أو سلطة احتكرت. وفي التاريخ القديم والحديث ما لا يتسع له المقام لاستعراض الشواهد فهي كثيرة وكثيرة. وما حدث في سيدي بوزيد، جمع بين ذلك كله، فقد طفح الكيل، وفاضت الكأس، وقالت الشعوب كلمتها: (إن للصبر حدود يا طغاة الأرض)!!