مجلس الأمن
الباب المغلق
د. لطفي زغلول /نابلس
قررت لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الذي عقدته يوم الأربعاء المصادف الخامس عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر وقف المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية بين الفلسطينيين وإسرائيل، كونها تشكل مضيعة للوقت. في نفس الوقت أصدرت تعليماتها للسفراء العرب في الأمم المتحدة بطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن للنظر في موضوع الإستيطان.
لقد عللت لجنة المتابعة العربية توجهها هذا وطلبها بأن إسرائيل قد قضت على أي أمل للتوصل إلى تسوية سلمية، وأن الوسيط الأميركي الذي يعمل وفق ما تمليه عليه إدارة البيت الأبيض قد تخلى عن تعهداته. بمعنى أدق فشل واشنطون في وقف الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
إن لجوء الأنظمة العربية المرة تلو المرة، وكأنه الخيار الأمثل، يبرر فتح ملف هذا المجلس وتقليب صفحاته. إن الحديث فلسطينيا وعربيا عن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة ذو شجون وأشجان. إن حصيلة التجارب الفلسطينية بخاصة والعربية بعامة على خلفية تعاملها معه تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها كانت مريرة، وشكلت في غالبية المرات رهانـا خاسرا.
على مدى نيف وخمسة وستين عاما هي عمر المنظمة الدولية، يمكن القول بأن الشعب الفلسطيني ومعه الشعب العربي لم يحققا أي انجاز يذكر. فهما وإن تمكنا في حين من الزمن من استصدار "قرارات الحد الأدنى لصالحهما"، إلا أنه وتحت ظلال الأنظمة السياسية العربية لم يحظيا بقرار حاسم واحد على الصعيدين اللفظي والتنفيذي. لكن الأهم من ذلك كله أن أي قرار حظيا به لم يكن له على أية حال رصيد على أرض الواقع.
في التعامل مع مجلس الأمن يمكن رصد ثلاثة أشكال من القرارات هي نصيب العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة من هذا المجلس. الشكل الأول يتمثل في قرارات الحد الأدنى التي استهللنا بها، ومثالا لا حصرا القرارات "184، 191، 242 ،338" وهي تخص فلسطين. والقرار "425" وهو يخص لبنان. إذ يمكن القول إنها لصالح القضية والعرب. إلا أنها لم تؤت أكلها حتى الآن، وظلت مجرد حبر على ورق.
أما الشكل الثاني من القرارات وهو هنا يخص القضية الفلسطينية وتداعياتها، فهو قرار واحد كررته الولايات المتحدة الأميركية تمثل في حق النقض "الفيتو" أو التهديد باستخدامه. وعلى الأرجح أن الفيتو هذا قد أصاب "عدة عصافير بحجر واحد".
في ذات الشأن، ها هو مجلس الشيوخ الأميركي لا يفوت فرصة الدفاع عن إسرائيل. ها هو يطالب إدارة البيت الأبيض أن تشهر سلاح الفيتو في وجه أي طلب من مجلس الأمن للإعتراف بدولة فلسطينية، وكان هذا المجلس منذ أمد طويل، قد أصدر قانونه المشؤوم القاضي بالإعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل.
إن الولايات المتحدة الأميركية تسعى بصورة مستدامة لحماية إسرائيل من الإدانة، والحيلولة دون تنفيذ ما ليس لها رغبة فيه، والتأكيد المستدام على الشراكة الإستراتيجية معها، إضافة إلى عدم تحميلها أوزار قرارات جديدة هي ترفضها بالأساس.
أما الشكل الثالث من القرارات فهو يخص القضايا العربية الأخرى، ومثالا لا حصرا كل القرارات التي صدرت في حينها ضد العراق وليبيا والسودان وغيرها. إن هذه القرارات كان لها رصيد ضخم على أرض الواقع ونفذت بحذافيرها. وهنا لا بد من التذكير بأن في جعبة الولايات المتحدة "تشكيلة" من القرارات المعدة مسبقا والمعادية للقضايا العربية.
لقد اكتشف المواطن العربي منذ زمن بعيد أن مجلس الأمن هو مجلس الأقوياء الذين نصبوا أنفسهم أولياء أمور على العالم وقضاياه. وفي حقيقة الأمر ومنذ انهيار الإتحاد السوفياتي، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية هي القوة العظمى الأحادية القطب. وهي بالتالي المسيطرة على المنظمة الدولية والمتحكمة بمجلس أمنها وكأنه أصبح جزءا لا يتجزأ من الإدارة الأميركية، وإن التعامل معه عربيا وإسلاميا له محاذيره، وأصبح له معايير أخرى غير تلك التي تأسس من أجلها.
كلمة لا بد منها، ان الولايات المتحدة الاميركية لا تقيم للأنظمة السياسية العربية وزنا كون هذه الأنظمة أصلا غائبة عن ساحة القضية الفلسطينية ومقدساتها. وهي في اغلبها تسير في ركاب بيت الطاعة الاميركي ولا تخرج عن اطاره، أو تعصي لها أمرا، بل أكثر من ذلك فإن لبعضها علاقات مميزة مع إسرائيل.
عربيا إن العلاقة مع مجلس الأمن ومن تسيره كان يمكن لها أن تتخذ مسارا غير الذي تتخبط فيه، ولا تجني سوى المواجهة والصد والفشل والإحباط وزوال هيبتها وتأثيرها أمام جماهيرها. إن الأنظمة العربية تعلم علم اليقين أن التعامل مع مجلس الأمن بوضعه الحالي، وبوضعها هي الحالي هو بمثابة "لجوء الأيتام إلى موائد اللئام". وهو العبث ومضيعة الجهود والإلتفاف على ما يفترض وما يفرضه الواجب القومي تجاه كل قضية عربية وبخاصة القضية الفلسطينية والقدس والمقدسات الإسلامية.
لقد سلكت الأنظمة العربية ومعها الإسلامية مسار العجز والضعف والفرقة والإستجداء والإستعطاف، وهي تملك كل وسائل القوة والعزة والمنعة التي لم تقم بتفعيلها، أو أنها ترفض ذلك، أو حتى ترفض الإشارة لها في معرض علاقاتها مع الدول صاحبة القرار. وخلافا لذلك آثرت ولحاجة في نفوس أصحابها أن تسلك هذا المسار الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وهو ذات المسار الذي ما زال يجر الوطن العربي القهقرى، فبات في حال يرثى لها، لا يجيد الرهان. فمجلس الأمن في حالته هذه رهان خاسر وأي خاسر.
كلمة أخيرة.إن العالم العربي بإمكانه أن يكون أحد القوى الفاعلة والمؤثرة في السياسة العالمية خدمة لقضاياه وأهدافه القومية. والأمم المتحدة بمجلس أمنها وجمعيتها العمومية ليست ساحة نزال للضعفاء. إن دبلوماسية الجري وراء استصدار المزيد من القرارت منها أيا كان لونها وشكلها هو العبث واللهث وراء السراب. إن العالم العربي وإن كان لا يملك حق النقض "الفيتو"، إلا أن ثرواته ومقوماته الأخرى هي أعظم فيتو في وجه كل الطامعين به والمستهينين بمقدراته إنسانا وأرضا ومبادىء.