الصعود إلى الهاوية
جميل السلحوت
يبدو أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة غير معنيّة بالتهدئة في القدس أو في غيرها، بل العكس تماما هو الصحيح فهي تقوم بالتصعيد، ولو كانت معنية بالتهدئة لتوقفت عند أسباب العنف الحاصل، وعملت على معالجتها، وقد كان رئيس جهاز المخابرات الداخلية الاسرائيلية "الشّاباك" أكثر مصداقية من نتنياهو عندما ردّ أعمال "العنف" في القدس إلى حادثة احراق الطفل محمد أبو خضير حتى الموت على أيدي متطرفين يهود، وإلى ما يجري في المسجد الأقصى، والمقصود طبعا هو التقسيم الزماني لهذا المسجد والسماح للمتطرفين اليهود باقتحامه وتدنيسه. وامعانا من نتنياهو في الهروب من تحمّل نتائج سياساته الكارثية فقد حمّل مسؤولية ما جرى ويجري الى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، ممّا حدا برئيس الشاباك بأن يؤكد بأن أبا مازن لا يحرض على العنف "لا من فوق الطاولة ولا من تحتها". فما الذي يريده نتنياهو وحكومته؟
بالتأكيد أن الحكومة الاسرائيلية قلقة جدّا من النشاط الدبلوماسي للقيادة الفلسطينية، التي استطاعت تعرية سياسة الحكومة الاسرائيلية التي أفرغت محادثات"السلام" من مضمونها وتتهرّب من متطلبات السلام العادل والدائم التي تنشدها شعوب ودول المنطقة، وتدير ظهرها للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وقلقها ينبع من الاعتراف المتزايد من دول العالم، بحقوق الشعب الفلسطيني الطبيعية، وفي مقدمتها حق تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وقد كان لاعتراف بعض دول الاتحاد الأوروبي وتصويت بعض البرلمانات الأوروبية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية دور كبير في فضح سياسة حكومة نتنياهو وعدائها لمتطلبات السلام، وبدلا من أن تراجع حكومة نتنياهو سياساتها الخاطئة فانها تلجأ الى تصدير أزماتها وتحميل أخطائها الى غيرها. وامعانا من هذه الحكومة في أخطائها ولصرف الرأي العام العالمي عن لبّ الصراع ومسبباته فانها تلجأ إلى التصعيد، وقد تلجأ إلى شنّ حروب كما هي عادة الحكومات الاسرائيلية السابقة في تفريغ أزماتها. وما كانت حكومة نتنياهو لتلجأ الى التصعيد لولا غياب أيّ دور فاعل للنظام العربي والاسلامي الرسمي، ولولا الدعم الأمريكي اللامحدود لاسرائيل على مختلفة الأصعدة، سواء كانت ظالمة أو مظلومة، وهي ظالمة دائما باستمرار احتلالها للأراضي العربية، واستمرارها في سياسة مصادرة الأراضي الفلسطينية واستيطانها، واطلاقها لأيدي المستوطنين ليعيثوا في هذه الأراضي قتلا وتدميرا وحرقا وتدنيسا لدور العبادة، واستمراها في انتهاك حقوق الانسان الفلسطيني والمسّ بكرامته جماعات وأفرادا من خلال العقوبات الجماعية التي يمارسها المحتلون بحقه.
وواضح أن سياسة حكومة نتنياهو لا تشكلّ خطرا على الشعب الفلسطيني وحده، ولا على شعوب ودول المنطقة فقط، بل تتعداها إلى الشعب الاسرائيلي نفسه، والى السّلم العالمي.
من هنا فان دول العالم وشعوبها مطالبون بالضغط على هذه الحكومة كي توقف عدوانيتها، خصوصا فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، لأن المسّ بالمسجد الأقصى سيقود المنطقة الى حروب دينية تعرف اسرائيل متى تشعلها، لكن لا هي ولا غيرها يعرفون متى ستنتهي، لكنها بالتأكيد ستحصد أرواح الملايين، وسيتخطى لهيبها حدود الاقليم، فالعقائد الدينية لا تسيرها الأنظمة الحاكمة، ولا تستطيع لجمها أو التحكم بها، وأن من يؤمنون بأن هدم المسجد الأقصى، وما يمثله من قداسة عند المسلمين، وبناء الهيكل المزعوم مكانه سيعجل في ظهور المسيح المنتظر لتقوم القيامة، لن يأتيهم المسيح وستقوم قيامة الدنيا على رؤوسهم وعلى رؤوس البشرية جمعاء.
إنّ خطورة الوضع القائم، يتطلب عقد مؤتمر دوليّ تشارك فيه الدول الفاعلة والمؤثرة في السياسة العالمية، ودول المنطقة ذات العلاقة، لفرض حلّ عادل حسب القانون الدّولي وقرارات الشرعية الدولية لانهاء الصراع الذي طال أمده، ولتجنيب العالم مآسي جديدة، خصوصا وأن سياسة الكيل بمكيالين قد ثبت فشلها.