وإذا الوعود تزاحمت

مصطفى محمد أبو السعود

كاتب من فلسطين

الحديث عن قضية عادية ، مسألة ليست مثيرة ، ويستطيع أي شخص الإدلاء برأيه فيها ، فيدخل مع الجميع لساحة النقاش، فيصرخوا أو يتهامسوا ، وفي النهاية يخرجوا بأحد الخيارين ،إما متفقون على حل ، وإما  متفقون على استمرار الاختلاف، أما حينما يتعلق الأمر بالوعودِ الكاذبة التي أذابت مرارةُ الواقع بريقَها ، فالأمر يستدعي الانتباه  ، لأن تكرار التجربة منح  الثقة إقامة دائمة في مقابر الأموات ، وأصبح الانتظار الصديق الوحيد الذي يواسي أهل العزاء، لاسيما و أن أصحاب دبلوماسية الوعود تفننوا في حشد كم هائل من الكلمات الرائعة، ونثروها في وجوه المعذبين ، وزرعوا في قلوبهم نسائم الأمل الكاذب، وبنوا لهم قصوراً جميلة، فيها كل ما لذ وطاب من الأحلام التي تدفقت ، وسارعت الخطوات إلى قلوب المحرومين الذين أعجبوا بجمالها وبالغوا في وصفها ، وحين تذوقوها لم يكن مذاقها بمستوى الشكل ، فأصيبوا بخيبة أمل جعلت أمال المساكين تقول، سحقاً للكلمات التي أخرجت أصحابها من المواقف المحرجة ، وأدخلتنا إلى عالم الأوهام ، لنكتشف بعد  ذهاب البريق أن الواعد كان يختبر قدراته البلاغية وأننا مختبر للكلمات.

وعود التحرير والاستقلال، والبناء والتنمية، والعودة والعيش الكريم، والديمقراطية والشفافية التي ساقها الزعماء العرب للأمة منذ ستين عاماً ، وألبسوها عباءة البطولة ، اتضح أنها عقيمة ، وعاجزة عن إنهاء معاناتها، بل إن المعاناة تتجدد كلما تجددت الوعود، لأن البنادق قد استراحت، والرجولة في سبات عميق، والآلام هي الوحيدة التي تتكاثر في دماء الأمة ، وتنام ملئ جفونها في عيونِها ، وأصبح الإحباطُ ضيفاً مقيماً في أحلام الشعوب

على الزعماء العرب إدراك  أن الصدق ينافي الكذب، وأن ما لايجوز في الدين لن يجوز في غرف الدبلوماسية المحملة بالخيانة، وأن الإخلال بالوعد طعنة كبرى للوطن، وأن الوعود التي نثروها في وجوه الحيارى قد أجهضوها وألقوا بالجنين على قارعة الطريق، وأن فلسطين برغم المصائب ما أدرات ظهرَها لدهرِها ، رغم أن العرب تركوا أهلها، يعتاشون على نار الوعود.