هل تضعف الضربات الدولية داعش أم تقوّيها؟
عقاب يحيى
مصادر كثيرة مهتمة بالشأن السوري ومتابعة لتطوراته بدقة تعلن بجلاء أن الضربات الجوية للتحالف الدولي لم تلحق ب"داعش" النتائج المرجوة، وربما العكس هو الصحيح، حيث تفيد أطرافاً ثلاث بشكل رئيس :
ـ أولها : تنظيم الدولة... إذ أن عوامل متشابكة تنتج آثاراً معاكسة للمعلن . فالشعب السوري على العموم ضعيف الثقة درجة الافتقاد للسياسة الأمريكية بوجه الخصوص، والغربية منها على العموم.. فتلك السياسة وعلى مدار التاريخ لم تك يوماً لصالح الأمة العربية وشعوبها . على العكس كانت ضدها وتصبّ علانية في صالح أعدائها، خاصة الكيان الصهيوني وكيانه الاستيطاني : إسرائيل..ولهذا تحتاج أمريكا إلى "غسّالات" الدنيا كي تثبت أنها تغيّرت، وأن أهدافها ليست عدائية، وأنها تقرن شعارات حقوق البشر، وحرياتهم بالتطبيق، وليس العكس الذي تثبته وقائع الثورة السورية قرابة الأعوام الأربعة، وما زالت تؤكده كل يوم .
ـ وأمريكا وعلى مدار تدخلاتها العنيفة في شؤون الدول والشعوب، وغزو العراق ماثل بكل فجاجة، تملك قدرات هائلة على التدمير وتحقيق ما تعتبره انتصارات عسكرية وساحقة، اقتراناً بما تمتلك من وسائل التفوق والإبادة.. لكنها لم تنجح مرة واحدة في عمليات البناء، وتحويل ادعاءاتها الشعارية إلى واقع. وباستمرار كانت تلجأ للانسحاب والهروب مخلفة الخراب والفوضى وما يشبه الحروب الأهلية، وأكوام الدمار والانقسامات العمودية وغيرها .
ـ في تشكيل حلفها الراهن، ورفع وتيرة محاربة الإرهاب درجة أسطورية تترك المجال لعديد الأسئلة المشروعة حول الحقيقة والمُراد، وما يعنيه هذا التضخيم المشبع بالافتعال لظاهرة الإرهاب، وداعش بوجه الخصوص... خلقت مناخات من الريبة التي تعزز ضعف الثقة، وتطرح أسئلة قوية عن الأهداف المستورة، وعن المكاييل المعوّجة. وحين تعلن الولايات المتحدة جهاراً، وتمارس ذلك علانية أنها لا تستهدف النظام، ولا المليشيات الداعمة له، والتي يُصنف بعضها في قائمة الإرهاب، تفتح الشعوب العربية والإسلامية مصاريع الاتهام وهي تنفضّ عن هذا التحالف، وبما يشكل المناخ المناسب لتوليد ردود فعل قوية تصبّ مباشرة، أو من حيث النتيجة في صفّ داعش : تأييداً يصل حدّ الانخراط، أو انصرافاً عن المشاركة والتعاطف مع ما يقوم به التحالف الدولي.
هنا تأتي المعلومات المتواترة من الأرض السورية والعراقية المؤكدة على أن طبيعة تلك الضربات.. لم تكن محدودة الأثر البارز في قوى وتواجد داعش وحسب.. بل منحتها حواضن شعبية قوية ومتنامية ترى فيها الضحية، وحتى البديل... وهو ما يفسر امتدادها ورفدها بعديد العناصر الجديدة السورية، وحدوث حالات استقطاب سني حولها تتسع ولا تتضاءل .
وعلينا أن نضيف إلى ذلك أن استهداف المناطق السنية في عموم المنطقة.. وصولاً لليمن والتركيز على قصف التواجدات المعارضة فيها تحت عنوان القاعدة والتطرف يزيد وتيرة الصراع المذهبي اشتعالاً، ويمنح القوى المتطرفة نقاطاً كثيرة لصالحها، ويبعد الأهداف المعلنة في الإضعاف والإنهاء كثيراً..ناهيكم على أن الولايات المتحدة ومن معها لم تفكر للحظة في الحوامل المولدة للإرهاب، وفي دور نظم الفئوية والاستبداد في إيجاده وديمومته، ومشاعر المسلمين أيضاً ..
ـ ثانياً ـ وقد عبّر الأخ عبد الحكيم بشار ـ نائب رئيس الإئتلاف عن المجموعة الكردية ـ بصراحة كبيرة على أن توريم"قصة عين العرب" والتمسك بتسميتها كوباني وفقط، وهذا الحشد الاختلاطي، والدعم المبالغ فيه للأكراد.. إنما خلق فجوة لم تكن موجودة بين العرب والأكراد، ودفع قطاعات عربية واسعة إلى إعلان الخشية والعداء.. وكأنّ المطلوب توتير العلاقات وحفر الخنادق المهيّئة لأشكال من الاحتراب والتقسيم.. ناهيكم على أن "حكاية عين العرب" خصبة لمزيد من التحليلات والاستنتاجات الممتلئة بالشك والتوجس...
ـ ثالثاً ـ وفي حين ينظر معظم الشعب السوري إلى نظام الجريمة والفئوية على أنه الأب الشرعي للإرهاب، والمسؤول الأول عنه وعن حرب الإبادة والتطهير والتهجير، وكل الموبقات التي يمارسها..
وفي حين كان يأمل ويتوقع أن تتجه طائرات التحالف نحو مراكز النظام وقواه القاتلة، وعلى الأقل كفّ عملياته الإبادية في الطيران والبراميل.. مقابل توجيه ضربات مؤثرة لداعش، بالتوازي، ووفق خطة مدروسة لصالح الشعب السوري وحريته .. فإن الابتعاد عن ذلك، وتكرار الحرص الأمريكي على عدم التعرّض للنظام، مع كل ما ينشر عن صفقات واتفاقات مع إيران يكون هو واستمراره في صلبها.... والسكوت على جرائمه اليومية.. جميعها عوامل تصبّ في الحالة السلبية للمواطن السوري، وتضع بضعة المتحمسين لضرب داعش وأخواتها في الموقع الحذر، والضعيف .
لقد حدد الإئتلاف، وبعد نقاشات مستفيضة، وضريحة على تحديد موقف متوازن يرفض الانصياع للتحالف بكينونته الحالية وأهدافه المعلنة، وأحادية نظرته للمسألة السورية، والتركيز على قوى التطرف وحسب بينما يترك النظام طليقاً.. وكأن الأخبار التي تتسرّب عن الحفاظ عليه، وربما التحالف معه ليست خاوية ولا من بنات الأفكار، وإنما تجد الكثير من مرتسماتها فيما يجري. لذلك كان الطلب صريحاً في إشراك الشعب السوري عبر قواه المعارضة فيما يخطط، والاطلاع على جوهر الأهداف والسياسات، وتوجيه الجهد الرئيس ضد نظام الجريمة والإرهاب، والاستجابة لطلب السوريين في تأمين منطقة عازلة آمنة، وأكثر من شأنها تعديل ميزان القوى جدّياً، وتسنم السوريين لمسؤولية مواجهة كل من النظام والقوى المتطرفة عبر تأمين المستلزمات الضرورية التي قد لا تثمر معها تلك الضربات الجوية وما تلحقه من آثار متعددة النتائج .
************
وفي ظل تعميق الانقسام المذهبي، وشعور القطاع الواسع من السنة العرب في سورية والعراق أنهم الهدف، وما تملكه"الدولة الإسلامية" من قدرات مالية وتنظيمية... فإن ما يجري على الأرض يخالف الحسابات والتوقعات من خلال انضواء أعداد متزايدة من الشباب في قواتها، والانضواء في أجندتها، خصوصاً وأن تشكيل حرس ثوري من السوريين يتبع لإيران مباشرة، والحكايا المعلنة عن التشيّع، وإنشاء ما يشبه أحزاب الله وأنصار الله وغيرهما على شكل قوات مليشايوية عسكرية يقودها ضباط إيرانيون، وعلنياً....إنما يزيد طين الصراع المذهبي بلّة، ويدفعه نحو المزيد من التعمّق والتطرف..
ـ وما من شك.. في أن مواجهة كل من النظام المجرم والقوى المتطرفة هي مهمة سورية بالأساس، ولا يمكن لأية قوى خارجية أن تكون بديلة، ولا حاسمة حتى وإن نجحت في توجيه بعض الضربات هنا وهناك على طريقة تقليم الأظافر لا أكثر.. الأمر الذي يستوجب من تلك القوى الدولية تقديم العون الحقيقي للجيش الحر، و تدعيم تسليحه والمساعدة في توحيد صفوفه، والابتعاد عن شراء الولاءات، وبثّ الفرقة بين الألوية والكتائب .. وخلق أمراء حرب يقبعون في جزر صغيرة همّها ليس مواجهة النظام وإنما اكتساب المزيد من الغنائم، والاستحواز على مناطق النفوذ والسيطرة والتشبيح.