العربي الطيب ..
العربي الطيب ..
هو العربي الميت !
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
لم
تفاجئنا صحف الحكومة صباح السبت 26 /4/2008م ، حين أعلنت في الصفحة الأولى أن نيابة
أمن الدولة العليا تجرى تحقيقات مع خلية تنظيمية يقودها مسئول بجماعة الإخوان
المحظورة . هو الدكتور عبدا لحى الفرماوى الأستاذ بجامعة الأزهر ، وعناصر من كتائب
القسام ، ومسئول آخر للمحظورة تولى إدارة الحركة على الحدود في خلال اقتحام حدود
مصرية الشرقية في يناير الماضي . وكشفت هذه التحقيقات –كما تقول هذه الصحف - عن
قيام العناصر الإخوانية بمساعدة حمساويين ( نسبة إلى منظمة حماس ) في شراء تقنيات
ومعدات لاستخدامها في تطوير طائرات صغيرة دون طيار ، يعاد تصنيعها وتزويدها بعبوات
متفجرة ، وتفجيرها عن بعد ، ويتم إعداد تلك النوعية من الطائرات بما يتوافق مع
العمليات المستهدفة .
وعدم المفاجأة في هذا الإعلان تكمن في أن هذه الصحف تؤيد العدوّ النازي اليهودي على
طول الخط وتتبنى مواقفه ، وتؤمن بالانبطاح الكامل أمام إرادته الإجرامية ، وتفضل
الموت المجاني على الموت الذي له ثمن .. وتسمى هذا المنهج بالسلام ! ثم إن هذه
الصحف تعد التشهير بالمحظورة والقبض على أفرادها ؛ هدفا استراتيجيا يفوق في أهميته
توفير الخبز أو ملاحقة الفساد الذي وصل إلى الأعناق أو تحرير الإنسان المصري من
القهر والفقر والأمراض السرطانية نتيجة تلوث المياه والطعام والبيئة ، وتعد
المحظورة كما قال بعض الصحفيين أخطر من اليهود الغزاة الذين هزمونا وأذلونا
واحتلونا وفرضوا إرادتهم علينا ورفعوا علمهم على شاطئ النيل الحزين !
في
اليوم التالي لنشر هذا الإعلان غير المفاجئ نشرت بعض الصحف اليومية تفصيلات له
وأسندت إلى الدكتور عبدا لحى الفرماوى بأنه موّل حركة حماس الفلسطينية للقيام
بأعمال ( إرهابية ! ) ، وذكرت بعض التفصيلات عن شخص بدوى اشترى ( 30 جركن وقود )
لطائرات صغيرة ، وجهاز تحكم عن بعد في هذه الطائرات ، وأجزاء الطائرات ، وأن صاحب
المحل الذي يقع في مدينة نصر شك في هذا الشخص ورفض البيع ، وقامت المباحث بإلقاء
القبض عليه وعلى آخرين وأمرت النيابة بحبسهم خمسة عشر يوماً على ذمة التحقيقات .
وقال الدكتور الفرماوى للصحفيين في أثناء ترحيله إن جميع الاتهامات " مفبركة " ولا
تحمل أي أساس من الصحة .
لاحظ أن اتهام حماس بالقيام بأعمال إرهابية ، يمثل انعطافاً جديداً في الفكر السائد
داخل النظام المصري ، في الوقت الذي يعرف فيه أبسط الناس أن من حق أي شعب يعانى من
الاحتلال ، ناهيك عن الحصار النازي المتوحش ، أن يقاوم العدوّ بكل الوسائل الممكنة
، ومن الواجب على الدول أن تساعده في كفاحه ، ومن واجب أصحاب الضمير أفراداً
وجماعات ، أن يقدموا كل ما يستطيعون مادياً ومعنوياً لدعم المقاومة ، واستمرارها
حتى يحصل أولئك المظلومون على حقهم في الحرية والاستقلال والكرامة . أما أن يوصف من
يدافع عن نفسه بالإرهاب ، فهذا أمر شائن ومعيب ومخجل .. قد يكون معقولاً أن يصدر
هذا الوصف عن العدوّ الدموي اليهودي بحكم عراقته في الإجرام والقتل والإرهاب
والوحشية ، ولكن أن يصدر عن أشقاء في النسب والدين واللغة والتاريخ والأرض ، فهو
أمر عجاب !
كان
من المفترض توجيه الشكر والتحية للفرماوى والخلية المزعومة التي تسعى لشراء طائرات
صغيرة بدون طيار يتم تفجيرها عن بعد لو كان الأمر صحيحاً . فالعدو النازي اليهودي
يستخدم طائرات إف 15 ، وإف 16 والدبابات الضخمة في قصف الفلسطينيين ، وهدم بيوتهم
فوق رءوسهم ، دون أن يهتز له جفن أو يختلج في صدره ضمير ! ومساعدة الفلسطينيين في
الدفاع عن أنفسهم أمر واجب وضروري ، تجب الإشادة به والحض عليه .
ومن
المفارقات أن الغزاة النازيين اليهود في اليوم التالي 28/4/2008م – يوم شم النسيم !
– قامت طائراتهم في الصباح بقصف بيوت المدنيين العزل في بيت حانون شمال قطاع غزة ،
فقتلت أما وأبناءها الأربعة الصغار في مشهد مأساوي بشع ! ، بالإضافة إلى ثلاثة
آخرين فضلاً عن عدد من الجرحى ، ولم تقم صحف الحكومة أو غيرها بوصف ذلك العمل
الوحشي بـ " الإرهاب " ، فهي لا تراه إلا في أعمال حماس ومنظمات المقاومة
الفلسطينية ، ولا ترى عدوّاً على حدودنا الشرقية غير العدوّ " الفلسطيني " !
لماذا هذا اللدد فى الخصومة مع حماس والمقاومة الفلسطينية الإسلامية ؟ وهل هذا
اللدد يختلف مثلاً عن لدد العدوّ ، الذي يكره الإسلام ويكره المقاومة و الجهاد ،
وهو ما تُعبّر عنه مقالات الكتاب الغزاة النازيين فى صحافتهم اليومية ، بعضهم يرى
مثلاً أن هناك طريقتين فقط لمواجهة حماس التي يسميها بالجار القاتل (؟!) هما ضربه
أو نزع سلاحه ، ويعرض عليها صفقة " جمهورية إسلامية فى غزة " مقابل نزع سلاح كامل
.
حياة مرضية للإخوان المسلمين مقابل تنازل تام عن العنف والتسليح ( آري شبيط – ها
آرتس 17 / 4 / 2008م ) .
وهى
صفقة مضحكة حيث تختزل غزة فى الإخوان المسلمين وحدهم . ثم تطلب التنازل عن المقاومة
والتسلح ، ليتم بعد ذلك تجريف الشعب الفلسطيني في غزة ، ونقله بالجرافات إلى سيناء
، ويتحقق الحلم النازي اليهودي بتطهير غزة من السكان للاستفادة من الثروات الهائلة
للغاز الطبيعي والبترول الذي تعوم فوقه ، وتحدثت عنه صحف الحكومة المصرية قبل
أسابيع !
كانت منظمة " جوش أمونيم " اليهودية تتباهى بشعارها المجرم " العربي الطيب هو
العربي الميت " وهذا الشعار هو خلاصة الفلسفة الصهيونية منذ السفاح جابتونيسكى
أستاذ عتاة الإرهابيين اليهود من أمثال مناحم بيجين وشامير وناتان ليفنى ( والد
وزيرة الخارجية اليهودية الحالية ) .. إنه شعار القتل ولا شيء غير القتل ، وكان "
بيجن " قد عبّر هذا الشعار من قبل فى صيغة أخرى هى : " السلام .. سلام القبور " !
وسلام القبور يعنى المجازر ، والهولوكست الذى بدأ قبل قرن من الزمان وعشرين عاماً
على أرض فلسطين ، فى ساحة المسجد الأقصى ودير ياسين وكفر قاسم وقبية وأخيراً جنين
والخليل وغزة والقدس ..
بلا
شك فإن الحكومات العربية تعرف هذا وأكثر منه ، لذا يجب على الأقل أن تخافت فى تبنى
وجهة النظر الصهيونية الدموية ، وأن تكف عن وصف " حماس " بالإرهاب ، فهذا لا يليق
ولا يجوز قانوناً أو شرعاً أو خلقاً أو سياسة .
إن
الشعوب العربية ، لم تعد تأمل فى حكوماتها أي خير ؛ على المستويين الداخلي والخارجي
، لذا فإنها ترجوها أن تكف لسانها عن المقاومة الفلسطينية . صحيح أن بعض هذه
الحكومات لا ينطق ، ولكنها تُحرّض الأُجراء فى صحافتها وإذاعاتها وتلفزيوناتها
ومؤسساتها الثقافية والفكرية لتقول أو تنطق بما لا تنطق هى به ، وبعض هؤلاء الأجراء
لديهم صفاقة ليست غريبة على أمثالهم ، وخاصة حين يظهرون على شاشة التلفزة ليتحدثوا
عن المقاومة بغطرسة من يملك رقاب البلاد والعباد ، ويجمع الحكمة من أطرافها ، بينما
هم مجرد عبيد يتداولهم التجار فى سوق النخاسة العام ؛ ولا يملكون من الحكمة إلا
الانحناء على بيادة الأنظمة العسكرية والبوليسية الحاكمة ، يُلمّعونها وينظفونها
باستمرار ، وتلك لعمر الله " حكمة " العار والشنار حتى لو امتلأت جيوبهم وانتفخت
كروشهم .
أما
المقاومة ، فسوف تنتصر بإذن الله ، وسوف تمزق الحصار الوحشي ، وترفع راية الإسلام
التي يكرهها الغزاة النازيون اليهود ، وخدامهم فى كل مكان ، والله غالب على أمره .