التعاون الأمريكي الأسدي

التعاون الأمريكي الأسدي

د.خالد الأحمد *

  لم يترك النظام الأسدي أحداً يختلف معه إلا وألصق بـه تهمـة العمالة لأمريكا ، بدءاً من المعارضة السورية ، وحتى الدول العربية المعتدلـة ، التي لم تبع بلادها للنظام الإيراني ...

وحتى مؤتمر القمـة السابق الذي حضره صاحبهم (!!!!) القذافي ، وقليل من العرب ، ادعى النظام الأسدي أن أمريكا منعت أنصارها من حضوره ، هذا النظام الذي مـل المتابعون لـه من تغميزه على اليسار وذهابه من اليمين ، وتعلـم الجميع ( مرض ) التقيـة الأسدي ، هذا النظام يتعامل مع أمريكا مرات ومرات ، وفي اليوم التالي يلصق تهمة العمالة لأمريكا بخصومة من الشعب السوري ، والحكام العرب ...

فقد كشفت مجلة 'تايم' الأمريكية ( كما نشر موقع أخبار الشرق ) جانباً من التعاون بين المخابرات الأمريكية والسورية ، ومنها :

1-  استخدام الأمريكيين فرع فلسطين للمخابرات العسكرية في سورية سجناً للتحقيق مع بعض المعتقلين، وذلك في ضمن ما عرف بفضيحة السجون السرية في إطار الحرب الأمريكية على 'الإرهاب'.

وأشارت المجلة خصوصاً إلى قضية المواطن الألماني/ السوري الأصل محمد حيدر الزمار الذي أشرف عملاء للمخابرات المركزية الأمريكية 'سي آي إيه'، في كانون الأول/ديسمبر2001، على نقله من المغرب 'إلى سجن سوري يدعى فرع فلسطين، مشهور باعتماده التعذيب، ومرروا لاحقاً أسئلة مكتوبة إلى محققين سوريين لطرحها على السجين' وفق المجلة الأمريكية التي نسبت معلوماتها إلى 'تقرير سري للاستخبارات الألمانية' اطلعت عليه الأربعاء الماضي، لافتة إلى أن التقرير مشار إليه أيضاً في كتاب جديد يحمل عنوان 'طائرة شبح: القصة الحقيقية لبرنامج التعذيب الذي اعتمدته السي آي إي' لمؤلفه الصحفي البريطاني الاستقصائي ستيفن غراي.

ووفق المجلة الأمريكية، فإن السجين الذي نقل جواً إلى سورية في كانون الأول/ديسمبر2001 لم يكن مجرماً عادياً، مشيرة إلى أن الزمار (42 سنة) هو رجل أعمال هاجر إلى ألمانيا وعاش في هامبورغ؛ كان مطلوباً في الولايات المتحدة للاشتباه بدوره في تجنيد بعض خاطفي الطائرات الذين نفذوا هجمات 11 أيلول/سبتمبر من أعضاء خلية تنظيم 'القاعدة' في هامبورغ. وبموجب الطلب الأمريكي 'اعتقلت الشرطة المغربية زمار، وحقق معه مسؤولون من السي آي إي في المغرب ثم نقل جواً إلى دمشق'. ولا يتضمن التقرير إشارة إلى الطائرة التي نقلته.

والسر في ذلك أن فرع فلسطين للمخابرات العسكرية في النظام الأسدي متخصص ومتفوق عالمياً في فنون التعذيب ، وفيه من الأزلام الساديين الذين يندر مثلهم في العلم أجمع ، لذلك احتاجت المخابرات الأمريكية المركزية إلى طلب المساعدة منهم .

ولفتت 'تايم' إلى أن التعاون بين 'الحليفين الاستخباريين' السوري والأمريكي لم ينته عند هذا الحد، فبعدما علمت ألمانيا أن السوريين يحتجزون زمار 'عرضت السي آي إي على الاستخبارات الألمانية فرصة تقديم أسئلة مكتوبة لطرحها على السجين'. ولا يوضح التقرير ما إذا كان محققون من 'السي آي إي' قد استجوبوا زمار في سورية بأنفسهم.

وفي حزيران/يونيو 2002 'سمح المسؤولون السوريون للمحققين الألمان باستجواب زمار في السجن'، وفقا للتقرير الذي يقع في 263 صفحة ويحمل ختم 'غيهيم' بالألمانية، أي سري.

و'في اليوم نفسه طلب رئيس الاستخبارات الألمانية 'بي إن دي' من النيابة العامة إسقاط التهم عن عملاء الاستخبارات السورية الذين كانوا أوقفوا في ألمانيا بتهمة جمع معلومات عن معارضين سوريين'.

وفرع فلسطين سيئ الصيت، هو أحد الفروع الأمنية التابعة للاستخبارات العسكرية في سورية ويعرف بالفرع 235.

وكانت منظمة العفو الدولية قد وثقت في 28 إيلول/ سبتمبر 2005 جانباً من الأوضاع السيئة في هذا الفرع، مشيرة  إلى أن 'زنازين القبور في فرع فلسطين (تعج) بالصراصير وغيرها من الحشرات، فضلاً عن الجرذان التي تمشي على أجساد السجناء وتعضهم أحياناً'. كما 'يُستخدم التعذيب على نطاق واسع في فرع فلسطين. والزنازين التي تقع تحت الأرض يقل ارتفاعها عن مترين وطولها عن مترين ويبلغ عرضها قرابة متر واحد'. وقال: 'يُحتجز بعض السجناء هناك طوال سنوات، غالباً بمعزل عن العالم الخارجي وبدون تهمة. وقد تلقت منظمة العفو الدولية أنباء حول احتجاز نساء حوامل أخريات وأطفال صغار هناك. وبحسب ما ورد تعرضت إحدى هؤلاء النساء للإجهاض نتيجة التعذيب'.

وقد نقل غراي عن سجناء سابقين لدى الاستخبارات السورية أنهم تعرضوا للتعذيب وحجزوا إفرادياً في زنزانات لا تتجاوز الواحدة منها مساحة التابوت.

2- وقال أحد المعتقلين السابقين إنه تحدث عبر ثقب في جدار الزنزانة مع مراهق أبلغ إليه أن عملاء أمريكيين نقلوه من باكستان. وأوضح السجين السابق أن عمر 'رفيقه' المراهق يتراوح بين 15و16 سنة.

 3- وجاء في التقرير أن مهندس الاتصالات الكندي من أصل سوري ماهر عرار كان معتقلاً في 'الزنزانة رقم 2 في فرع فلسطين'.

وعرار اعتقل في مطار جون كينيدي القريب من مدينة نيويورك ورحل إلى سورية على رغم أنه كان يحمل جواز سفر كندياً، ونقل جواً على متن طائرة خاصة إلى عمان، ومنها براً إلى سجن فرع فلسطين في سورية.

وبعد تعرضه للضرب وقّع عرار 'إفادة' بأنه تدرب في معسكر للإرهابيين في أفغانستان وقال لغراي إنه كان 'مستعدا للقبول بحكم بالسجن عشر سنين أو عشرين سنة في مقابل نقلي إلى مكان آخر'.

وبعدما أمضى سنة في السجن، أفرج عن عرار الذي عاد إلى كندا وبرأته الحكومة الكندية الشهر الماضي في تقرير من 1200 صفحة من 'أي شبهة'.

وقاضى عرار الحكومة الأمريكية، لكن قاضياً فيديرالياً في نيويورك رفض الدعوى قائلاً إنه لا يمكن النظر فيها لدواع أمنية. ولم يعلق الأردن على مرور عرار في أراضيه.

 هذا فرع فلسطين للمخابرات العسكرية ، المتعاون مع المخابرات الأمريكية المركزية ، في الوقت الذي يصل فيه جواسيس إسرائيل إلى دير الزور في شمال سوريا ، ويتصورون مع لافتات سورية في المنطقة ليؤكدوا وصولهم هناك ، وتنشر صورهم في الصحافة العالمية ، وفرع فلسطين مشغول جداً بتعذيب المواطنين الشرفاء السوريين .... ويردد النظام الأسدي صباح مساء أنـه الوحيـد المقاوم والممانـع للمشروع الأمريكي في المنطقة ، وأن كل من يعارضه ويختلف معـه عميل لأمريكا ...

وننتظر اليوم الذي يهجم الشعب السوري على فرع فلسطين وغيره من عشرات الفروع ، فروع المخابرات العسكرية ، التي تركت مراقبة التجسس الإسرائيلي ، وانشغلت ليل نهار بتعذيب الشعب السوري ، ننتظر ذلك اليوم الذي يهجم الشعب على هذه الفروع كما هجم الفرنسيون يوماً على سـجن الباستيل ....وليس ذلك على الله ببعيـد ... 

                

*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسيةfont>