ساركوزي ودبلوماسية القيم "المهتزة"
ساركوزي ودبلوماسية القيم "المهتزة"
د. ياسر سعد
[email protected]
في
حملته الانتخابية قطع نيكولا ساركوزي الوعود الجازمة بتبني دبلوماسية جديدة
لبلاده تراعي حقوق الإنسان في المقام الأساسي. وفي خطابه الأول بعد انتخابه
رئيسا لفرنسا
تعهد ساركوزي بان يجعل حماية حقوق الإنسان على قمة أولويات الدبلوماسية
الفرنسية. وحتى يبرهن ساركوزي صاحب مبدأ "دبلوماسية
القيم" على أهمية وأولوية حقوق الإنسان في سياساته, عين الاشتراكي برنار كوشنير
وزيرا للخارجية وهو من مؤسسي منظمة "أطباء بلا حدود" ومن دعاة حق التدخل
الإنساني لصالح الحريات والحقوق وإن تعارض مع سيادة الدول.
أمام
البرلمان الأوروبي قال ساركوزي
بأن كل من خاضوا تجربة التخلي عن حقوق الإنسان من اجل الاستفادة من عقود, لم يحصلوا
علي العقود وخسروا في ساحة القيم. وفي خطابه أمام الكونجرس الأمريكي في نوفمبر
الماضي قال ساركوزي "اليوم كما كانت الحال بالأمس، في تلك البداية من القرن الحادي
والعشرين، ينبغي أن نخوض معاً المعارك من أجل الدفاع عن قيم ومثل الحرية
والديمقراطية وتدعيمهما".
في زيارته الأخيرة لتونس عاد الرئيس
الفرنسي إلى بلاده بصفقات اقتصادية ضخمة فاقت ملياري يورو, وبإشادة واسعة بسجل تونس
في مجالي مكافحة الإرهاب والحريات، تاركا وراءه جدلا عاصفا في الأوساط الديمقراطية
والحقوقية. ساركوزي رد على مَـن طالبه بالتعرّض لملف الديمقراطية وحقوق الإنسان،
بقوله "لا أجد من مبرِّر يسمح لي بأن أمنح نفسي الحقّ بإعطاء الدّروس في بلد أزوره
كصديق ويستقبلني كصديق"، مضيفا بأن في تونس "تشهد مساحة الحريات تقدّما ملحوظا،
وأنه على ثقة برغبة بن علي في مواصلة توسيع مساحة الحريات". وبرر ساركوزي دعمه
للنظام التونسي بقوله "إذا أقيم غدا نظام حُـكم على غِـرار طالبان في إحدى دول شمال
إفريقيا، فمَـن يصدِّق أن أوروبا أو فرنسا يُـمكن أن تشعرا بالأمان". وقال إن
الرئيس التونسي يحارب الإرهاب "الذي هو العدو الحق للديمقراطية". وفي خطاب أمام
طلبة تونسيين, جدد ساركوزي دعمه للرئيس التونسي بقوله "استحق بن علي الثناء لأنه لم
يفسح المجال للمتطرفين والظلاميين والمستبدين الذين يحاولون جر البلاد إلى الخلف".
من جهة أخرى وفي سياق دفاعه عن زيارة
القذافي المثيرة للجدل لفرنسا في نهاية العام الماضي, قال الرئيس الفرنسي لصحيفة "لونوفيل
أوبزرفاتور" إن الرئيس الليبي لا ينظر إليه كديكتاتور في العالم العربي, فالرئيس
الليبي هو أقدم حاكم عربي في المنطقة، وهذا أمر له حسابه في العالم العربي. وفي
رده على منتقدي سياساته الذين لاموه على إتمام زيارته للجزائر ومصر, دعا الرئيس
الفرنسي لدعم الرئيس بوتفليقة وحكومته, قائلا «نعم. يجب دعم حكومة بوتفليقة، لأنه
لا أحد يريد حكم طالبان في الجزائر»، وفي السياق نفسه، طالب بدعم الرئيس مبارك الذي
زاره, وقال «نعم, يجب دعم الرئيس مبارك في مصر، هل نريد في مصر حكومة للإخوان
المسلمين؟».
ساركوزي أمام إغراء المصالح والصفقات
الضخمة والخشية من وصول تيارات سياسية للحكم في دول عربية مما
قد
يؤثر على المصالح الغربية, يعيد تعريف الديمقراطية والحريات والدكتاتورية بطريقة
عجيبة. الرئيس الفرنسي يسلك أيضا سبيل بوش في تسويق الخوف من الإرهاب كتبرير
لسياسات تفتقر للوضوح وتفتقد للمبدئية. وهو يحذر من حكم طالبان في دول عربية وكأنه
البديل الحتمي لأنظمة قائمة دون طرح التداول السلمي على السلطة بالحسبان, أو كأن
علينا الاختيار بين حكومات تضيق على الحريات وبين نموذج طالبان, وهو تسطيح للأمور
بشكل بائس!! أطروحات ساركوزي تذكرنا باقتراحات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي
ليفني والتي دعت فيها إلى آليات ومعايير عالمية تمنع الجماعات المتطرفة من الوصول
إلى السلطة عن طريق الديمقراطية. أي أن المطلوب ديمقراطيات عربية تفرز حكومات ليست
بالضرورة تمثل الأكثرية أو تدافع عن حقوقها, بقدر ما تُعنى برعاية والمحافظة على
المصالح الغربية.
سياسات ساركوزي ومواقفه تنضم إلى سلسلة
طويلة من الشواهد والدلائل على النفاق الغربي وضعف الحس الأخلاقي في السياسة
الغربية.