"جبهة النصرة" ليست فوق القانون
"جبهة النصرة" ليست فوق القانون
مجاهد ديرانية
توهّمَ أنصار النصرة أن الذين استنكروا تصرفها المنفرد في إدلب إنما يدافعون عن جمال معروف بشخصه أو عن جبهة ثوار سوريا التي يقودها، ففسَدَ الغرضُ الذي من أجله كتبنا ودعونا إلى المحكمة والتحكيم، ومن أجله استنكرنا ورفضنا استخدامَ القوة لفضّ النزاعات.
أولاً كنا نتمنى عدم شَخْصَنة الموضوع، والاتفاق على أن كل فصيل ثوري في سوريا، بل كل مؤسسة ثورية، مدنيةً كانت أم عسكرية، أن هؤلاء جميعاً تحت القانون لا فوقه. فإذا لم نتفق على هذا المبدأ الجوهري فلنَنْقُض الخيامَ ونَفُضّ المولدَ وليَعُدْ كل واحد إلى حيث كان، فلا حاجةَ بنا للثورة على نظام قديم اغتال القانون لتأسيس نظام جديد لا يبالي بالقانون.
لقد كان مبدأ خلافنا مع داعش -قبل أن تجري بيننا وبينها أنهارُ الدم ويُقطَع كل طريق للصلح- هو استعلاؤها على القانون، وتجاهلها لوساطات الفصائل المجاهدة المحايدة في الخلافات، واعتمادها على القوة لفرض الأمر الواقع. تلك التجربة المريرة حرّكت عقلاء الثورة وعلماءها فراحوا يسعَون جاهدين لتكريس سلطان القضاء ولفصله عن القوة العسكرية، ليصبح مؤسسة مستقلة قوية مهيمنة على الثورة وحامية وضامنة لحقوق الجماعات والأفراد. هذا المشروع من أهم الضرورات الثورية في الوقت الحاضر، وسوف تنشأ عن تعطيله أخطار وأضرار لا تُحصى.
* * *
الأمر الذي نريد أن يكون واضحاً للجميع: لسنا مع الخطأ، ولكننا لسنا مع معالجته بخطأ آخر مجهول النهايات والمآلات. هذا جرسُ إنذار قرعتُه أولَ مرة قبل سبعة أشهر لمّا اعتقلت جبهة النصرة العقيد أحمد النعمة في درعا في تصرف منفرد مستقل عن سائر كتائب حوران. لم أكن في أي يوم من محبّي النعمة وكان يسرني القبض عليه ومحاكمته ومحاسبته في محكمة عادلة مستقلة محايدة، ولكني أنكرت (وسأستمر في الإنكار) ورفضت (وسوف أستمر بالرفض) أن يحتكر أيُّ فصيل ثوري السلطةَ القضائية ويمارس دور القاضي والجلاد. إن أي فصيل يمارس هذا العدوان على القانون سيفتح الطريقَ لغيره من الفصائل لتكريس قاعدة "البقاء للأقوى"، فتتحول سوريا إلى غابة تُحكَم بقانون الغاب وشرع الذئاب.
لقد وصفت في تلك المقالة جبهةَ النصرة فقلت إنها "فصيل من الفصائل المجاهدة بحقّ، وهي تُبلي بلاء حسناً في الحرب ضد نظام الاحتلال الأسدي الطائفي، ولكنها لا تخلو -في الوقت نفسه- من ارتكاب أخطاء كالتي ترتكبها الفصائل المقاتلة كلها. ولها علينا أن ننصرها كما نصرَتنا وأن ننبّهها إلى أخطائها وتجاوزاتها، ولنا عليها أن تستجيب لكل نصيحة في الحقّ، وأن لا تنفرد بأي قرار في الحرب أو السلم، وأن لا تنقل إلى أرضنا "مشروع القاعدة" الذي يختلف فيه السوريون اختلافاً كبيراً، فتقبله قلّةٌ منهم ويرفضه الأكثرون".
ما زلت على ما قلته قبل سبعة أشهر، إلا أنني كتبت السطر الأخير حينها باللون الأسود، وأعيد اليوم نشرَه باللون الأحمر: "ولنا عليها أن تستجيب لكل نصيحة في الحقّ، وأن لا تنفرد بأي قرار في الحرب أو السلم، وأن لا تنقل إلى أرضنا "مشروع القاعدة" الذي يختلف فيه السوريون اختلافاً كبيراً، فتقبله قلّةٌ منهم ويرفضه الأكثرون".
_________________
ملاحظة: بعد كتابة هذه الكلمة وقبل نشرها علمت أن أبا محمد الجولاني أذاع تسجيلاً صوتياً جديداً، فحرصت على سماعه قبل نشرها، وبقيت مقتنعاً بضرورة نشرها بعد سماعه.