ضد خطاب الفتنة الدينية
ضد خطاب الفتنة الدينية..
حتى لا تخدعنا الشعارات البراقة والكلمات الكبيرة..
فتحي بالحاج
كثيرا ما تخفي الكلمات الكبيرة الأفعال النقيضة عندما تصدر من أصحاب النفوس الضعيفة..عندما يطبق الجهل على العقول وتتحول أدوات تنفذ برامج تتوهم أنها تواجهها....وعلى امتداد التاريخ مارست أتعس الديكتاتوريات حكمها باسم الديمقراطية وسيادة القانون ونفذت الدول الاستعمارية جرائمها في حق الشعوب تحت شعار تحضير الشعوب ونشر قيم حقوق الإنسان والعدل....أولم تمارس الهتلرية جرائمها العنصرية تحت شعار القومية والاشتراكية .. ويتم الآن تدمير العراق وتمزيق نسيجه الاجتماعي تحت شعار تطهيرها من أسلحة الدمار الشامل وتطبيق الديمقراطية .. و تنتشر على طول وطننا العربي الكبير والحزين العديد من الدويلات لا حول لها ولا قوة..لا ننكر عليها أنها تمتلك كل مظاهر الدول الحديثة من علم ونشيد وطني ودساتير..ولكن بعضها هي أقرب إلى الشركات العائلية الخاصة منها إلى مفهوم الدولة الحديث، "دويلات" بعضها يدعي أنها مملكة وبعضها الآخر يقول أنها بين المملكة والإمارة لكن يقودها "الحكم الرشيد"..وأخرى ترفع شعار الجمهورية..و يسرع الاستبداد بوعي الجميع ليكتشفوا أنها لا ملكية ولا جمهورية..ولا حتى جملكية كما قال البعض...
لذلك رفع الشعارات لا يعني بالضرورة تبنيا ذات معنى..وأن اللافتات المعلقة التي نراها هنا وهناك لا تعبر عن حقيقة ما يمارس..وأول أخطر هذه الكلمات وهذه الشعارات هو شعار المقاومة..فبالرغم من نبل هذا الشعار فإننا ندعو إلى الاحتياط حتى لا يتحول هذا الشعار النبيل غطاءا لبعض الجهلة الذين يدفعهم اليأس والظلام..
لذلك ندعو إلى ضرورة الانتباه إلى ناطقي الكلمات إلى مضامينها..
المقاومة ظاهرة إنسانية نبيلة صاحبت البشرية منذ بداية الصراعات صراع الإنسان مع الطبيعة وهولها وصراع الإنسان مع الظروف..و يصحّ القول أن الحياة الإنسانية مقاومة يومية لما هو كائن بحثا عما هو أفضل....الحياة حلقات متسلسلة من حالات الدفاع عن النفس ضد قسوة الطبيعة وضد ظلم وقع ولاسترجاع حقوق ضاعت..كل الشعوب والمجموعات تستعد دائما لمقاومة محتملة، قد تفرض عليها.. فتجدها تختزن من قوتها وتوفر من دخلها وتقتطع من محصولها لتنظيم دفاعاتها ومواجهة اعتداءات محتملة.. حقب تاريخية طويلة ودامية قطعتها الإنسانية لتصل أخيرا إلى مرحلة الاعتراف بهذا الحق.. يوم دخلت الإنسانية مرحلة متقدمة من تطورها..ويوم تقدمت وتطورت الإنسانية اعترفت به كل لكل الذين تعرضوا لعدوان.. وسمحت للمعتدى عليهم باستعمال كل الوسائل المتاحة من أجل دفع الظلم ورد العدوان..المقاومة حق إنساني أصبح من المبادئ الإنسانية متجاوزة بذلك حق الفتح الذي خضعت له العلاقات الدولية.. وفي الوطن العربي احتلال مباشر هنا وهناك حركات مقاومة تظهر وتختفي هنا وهناك لكن كلها ترفع شعار تحرير الأرض من سيطرة القوى الهيمنة الأجنبية..
الخطورة أن هناك من بين من يرفع شعار المقاومة من يعمل لتشويهها وتحويلها حركة تدمير ذاتية.. وأول هذه الحركات التي تلتحف شعارات التفرقة الدينية وتخلط عمدا بين الانتماء الوطني القومي والانتماء الديني، وتستخدم التفرقة الدينية بين أبناء الوطن الواحد..وهي بهذا تقدم مقدمة خدمة للمحتل..وتتأكد كل يوم الدور المشبوه لهذه الجماعات في نشر الفوضى الخلاقة في هذا الوطن..مافتئت هذه المنظمات تبث خطاب الفتنة الدينية والتفتيت الطائفي والقبلي والعنصري..إنهم دعاة تعصب ديني لا يهمهم خروج الاحتلال ولا تحرير الأرض العربية هدفهم هو تقوية فرق الموت وتنفيذ جرائمها على امتداد الوطن العربي لتعم الفوضى الخلاقة...فتجد بصمات جرائمهم في تونس في المغرب في الجزائر في العراق وفي لبنان.. بضاعتهم تكفير وتغذية لروح الاقتتال والتعصب بين أبناء الشعب الواحد. وضحايا هذا التوجه الخطير هم أبناء الشعب العربي الأبرياء والعزل...إن عملية القتل على الهوية والدينية ليس جريمة فقط بل هو خيانة للأمة ولتاريخها ولتراثها الإنساني.. إن أمتنا العربية تتميز عن كل الأمم الأخرى أنها كانت موطن نزول الديانات..إن هذه الديانات جزء مكون من شخصيتها وهويتها..هذا التعدد الديني هو ثراء ثقافي وفكري..في قلب هذه الأمة جاءت الرسالة اليهودية والرسالة المسيحية والرسالة الإسلامية..وفي قلب هذه الأمة تعايشت الأديان الثلاثة وغيرها وأصبحت جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي العربي.. الأمة العربية هي هذا الكل النامي المتطور إلى رحاب الإنسانية..وإن انتقاء عامل دون آخر هو اعتداء على هذه الأمة يجب أن يرد....ولا يمكن تحت أي شعار قمع أو تدجين أو عزل أي أقلية دينية لذلك لا نفهم الخطابات التي تحض على قتل النصارى واليهود والكفار إلا خطابات فتنة تهدف إلى خدمة عدو يريد التفتيت على أسس دينية وطائفية..
إن هذه الشعارات التي تسعى إلى دغدغة الشعور الديني وإخراجه في أتعس مظاهره تخدم بوعي أو بدون وعي أجندة أجنبية. وإنهم إذ ينتصرون لهذا الخطاب لا يفعلون سوى تفتيت الأمة العربية..الأمة العربية مكونة من يهود ومسيحيين ومسلمين الخ.. وليس للعرب مشكلة مع الديانات المنتشرة على الكرة الأرضية..تفتخر الأمة العربية أن على أرضها نشأت الديانات الثلاث الكبرى وعاشت وتعايشت وساهمت في تكوينها القومي..فمن غير المعقول أن يقبل الخطاب التفرقة الدينية..إن محاولة تصوير الصراع فوق الأرض العربية على أنه صراع بين المسلمين من جانب وبين اليهود من جانب أو مع المسيحيين من جانب ينتهي إلى منطق تفتيت الأمة وتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير..لذلك نرفض عملية الخلط بين الانتماء الديني والانتماء القومي. إن الأمة العربية انتماء تاريخي اجتماعي بينما الدين عقيدة فردية تلعب دورا غير منكور في التكوين القومي لكن الولاء هو للانتماء القومي..
إن الدعوات التي تنطلق بين الحين والآخر لتصوير الصراع على الأرض العربية على أنه صراعا مع النصارى واليهود هو تشويه للمقاومة العربية..وتساهم في تأجيج نار الفتنة التي أشعلتها قوى الهيمنة الأجنبية..إن العرب من مسيحيين ويهود ومسلمين وصابئة وملحدين..الخ مطالبون اليوم بالعمل مع بعض لمقاومة الغزو الخارجي إن الوطن العربي يتسع لكل أبنائه..أما الذين خذلوا أمتهم العربية وتنكروا لها فهم أيضا من المسلمين ومن اليهود ومن المسيحيين.
فلمصلحة من تبث هذه الغربان الناعقة خطابها المسموم من خلال الشاشات المدفوعة الأجر..