كذبة أميركية أَفعلُ من قنبلة نووية
د. علاء الدين شماع
[email protected]
إذا
كانت واشنطن تحقق مكاسب في العراق ,ضمن رؤية متفائلة يُشيعها بعض أركان إدارتها .كم
من السنين يلزمها لتحقيق النصر الحاسم فيه.. !
و
إذا كانت إسرائيل على ما تحققه من خلال سياسة أمر الواقع الاستيطانية.كم من الزمن
يستغرقها لتلتهم أرض الضفة وسلطة عباس معها.. ! حتى بات السؤال المطروح على مراكز
البحث الإسرائيلية : أيهما أفضل لإسرائيل بقاء السلطة الفلسطينية داخل الضفة
الغربية أو عدم بقائها . و الحال كذلك ماذا عن حساباتها تجاه غزة ..!
وإذا كان الفراغ الرئاسي في لبنان لا يضر بهذا القدر على سياسات أميركا في المنطقة
, فهل من مانع في استمراره على حاله الراهنة إلى أجل غير مسمى ..!
و
الحال هذه , و من خلال هذا التوصيف الساكن لكل الملفات الساخنة في المنطقة, و ضمن
تشخيص مُدعى يناسب الأميركي و الإسرائيلي على حد سواء , ما الداعي للتلويح مجدداً
بقيام حرب جديدة إذا ؟ حتى باتت سخونة الصيف تلفح وجوهنا ولما يحل بعد .
و
على ما يبدو أن المقاربات التكتيكية الواحدة لكل تلك الملفات على تداخل المصالح
الشديد فيها بين الإسرائيلي و الأمريكي ,وسبل معالجتها في سياق عام ومنسق بينهما ,
لا يُخفي أنها تأتي ضمن إطار استراتيجي مُهشم لا يمنع قلقاً , وان دارى مخاوف جمة
بالنسبة لكليهما ,ولعله بتوسط الكذب في تبرير تلك المخاوف المقلقة, له ما يدعمه
دوماً في تقارير وكالة المخابرات المركزية الأميركية. حتى باتت تلك التقارير , بغض
النظر عن مصداقيتها من عدمه ,تحدد مستوى الصراع في المنطقة بين حدة منخفضة و تأزيم
عالي الشدة , و الذي يبدو التهديد بقيام حرب واحد منها , وذلك متى أرادت الإدارة
الأميركية هذا وبإيعاز من إسرائيل.
و
في رصد حقيقة الادعاء الأخير عن الموقع الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية قرب دير
الزور بسوريا في أيلول الماضي على أنه مفاعل نووي قارب التشغيل , أصدق تعبير عن
بسيكيولوجيا الكذب و ما يمكن أن تحققه إن رافقتها حملة إعلامية ضخمة . وخاصة اذا
انساقت معها أجهزة مخابرات بعض الدول لتصفية حسابات قديمة و هي تمتطي مد هذا الكذب
, ونقصد هنا كوريا الجنوبية في ادعائها عن توافر تقارير لديها أن خبراء من كوريا
الشمالية فقدوا أثناء قصف المفاعل المفترض في سوريا.
ان
فقدان الخفر و الحياء و توسل الصفاقة و استمراء الكذب في العمل السياسي لهو خير
دليل عن دبلوماسية الترهيب التي تنتهجها أمريكا في العلاقات الدولية و التي صادرت
مجلس الأمن و ارتهنته لحسابها ضمن ما درجت عليه زمن بوش الصغير منذ أول لولايته الى
الآن, فصارت أن تبرر لهذا إجرامه و تمنع عن ذاك براءته رغم توافر الدليل لتكرس
نفسها شرطي العالم الأوحد و المرتشي بجدارة.
ان
دعاوى كولن باول وهو يعرض أدلته الكاذبة التي زودته بها المخابرات الأميركية في
حينه ( ذلك الأنبوب الشهير من الألومينيوم و هو يلوح به في مجلس الأمن) كشف فيما
بعد زيف حرب أمريكا على العراق و مقدار انخداعه كما العالم أجمع , و الذي كان منه
حينها أن تخفف من حمل تلك الدعاوى الكاذبة و قفز من مركب بوش التائه في بحر الترهات
مضحياً بمستقبله المهني و السياسي كوزير خارجية أمريكا. ليكون قدوة تحتذى لكثيرين
من فريق إدارة بوش لاحقاً.
ان
سعي أميركا الحالي لتكرار السيناريو العراقي مع سوريا , لم توفر في سبيله جهداً إلا
واستنفرته , من وكالة الاستخبارات الأميركية بمديرها مايكل هايدن و مدير جهاز الأمن
الوطني مايكل ماكونال و مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي و هم يعرضون خرائطهم و
صورهم المفبركة عن الموقع و المفاعل المزعوم أمام لجان التسلح و الشؤون الخارجية في
مجلسي الشيوخ و النواب. و الحجة في تبرير الأكذوبة هذه المرة ذاتها في تلك ألا و هي
تهديد الأمن و السلم العالميين. و لسنا هنا في وارد تفنيد مدى منطقية ومصداقية
الاتهامات الأميركية لسوريا و المجتمع الدولي له تجربته السابقة مع أميركا في صوغ
الأكاذيب تبريراً لشن الحروب , و إنما السؤال أين دور الوكالة الدولية للطاقة
الذرية من كل هذا وسوريا عضو فيها ؟ حتى بات تخوفنا من إساءة أمريكا في استغلال دور
الوكالة مرة أخرى سؤالاً مطروحاً على المجتمع الدولي و هو بحاجة إلى إجابة سريعة.
ان
أخطر ما في الأمر أن دلالات الحملة الأميركية في افترائها الكاذب على سوريا لاقت
استجابة من فرنسا ساركوزي و هي استجابة كربونية لصانع القرار الأميركي و كأن أرث
فرنسا الديغولية أضحى مع هذا الأخير رهن إشارة قبعة الكاوبوي في رفعها رفع و في
خفضها خفض . و لعله تناسى موقف بلاده من الحرب على العراق و الذي أدخل العلاقات
الدبلوماسية بين البلدين في سبات ردحاً من الزمن لا بأس به .
و
الثابت أن المنطق الأمريكي في تبرير المهزلة النووية الجديدة و ترتيبها على هذه
الشاكلة , يدخل ضمن منظومة من متوالية اشتراطات – إسرائيلية - ملحة أعجزت أميركا
الحيلة تجاهها ,فما كان منها إلا اجتراح هذه المهزلة, و لعل توافقها الزمني و
المتعمد مع سعي الحركة الدبلوماسية للسلام التي تقوم بها تركيا بين إسرائيل و سوريا
, و التي فاجأت أميركا , يحمل رسائل عدة و في كل الاتجاهات و أولها إلى
الإسرائيلي نفسه ,حتى باتت الاتهامات النووية لسوريا تمس عروض السلام الإسرائيلية
مع شديد الاختلاف للرؤية الأميركية وهكذا عروض. و الفارق بين الرؤيتين يكمن في
أيهما يأتي أولاً محادثات السلام بما يمثله الانسحاب من الجولان عتلة رافعة لفك
التحالفات السورية مع كل من ايران و حزب الله و هي و جهة النظر الإسرائيلية , أم
الاشتراطات المسبقة و المقيدة لأية محادثات سلام مأمول تكون فيها سورية محل
اختبار في فك تحالفاتها تلك و هي و جهة النظر الأميركية, هذا مع دراية سورية أن
متطلبات السلام العادل و الشامل ليس في مقدور حكومة أولمرت و لا إدارة بوش تقديمها
الآن .
و
لسنا نغفل هنا ما يحمله الادعاء الأمريكي بسوريا نووية من رسائل إلى الإيراني و
الكوري شمالي في آن معاً , على اختلاف ما ُيفهم منها عند كل طرف على حدة, بما تمثله
ايران من خطر نووي محتمل و كوريا من خطر نووي ناجز. و الواضح أن الغاية من هذا
الادعاء تحسين شروط المفاوضات مع هذه الأطراف بشأن ملفاتها النووية.
و
يبقى أن التعاون السوري مع وكالة الطاقة الدولية من الأهمية بمكان ليس في كشف زيف
الادعاء الأميركي و حسب و لكن في إقرار واحدة من أساليب العمل في العلاقات الدولية
التي فاتت الأميركي و هو يبرر الاعتداء للقصف الجوي الإسرائيلي و كأن الأمر مباح
لمن يريد.
وليس أوضح من زيف هذا المنطق و استعمال القوة في التعامل مع الدول , ما أنتجته
كذبة واحدة من دمار كان أفعل من قنبلة نووية راح ضحيته حتى الآن مليون و نصف عراقي
. و السؤال : من الذي تجب أن محاسبته؟