كلية للإعلام في جامعة دمشق

محمد فاروق الإمام

الإعلام السوري بعد أربعة عقود من الموت السريري!!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

مقالي اليوم سيدور حول الوضع الإعلامي في سورية بعد استيلاء حزب البعث الشمولي على السلطة في دمشق في 8 آذار عام 1963، وما دفعني للكتابة عن هذا المعلم الهام والخطير والذي توليه الأمم المتحضرة كل اهتمام وتقدير وتشجيع ودعم وحماية، ما تناقلته بعض وسائل الإعلام، ومنها صحيفة القدس العربي التي ذكرت في عددها الصادر يوم الثامن من تموز الحالي أنه (مع بداية العام الدراسي القادم أي بعد أشهر قليلة ستزاح لافتة تعرّف مبنى الإعلام بجامعة دمشق على أنه قسم تعليمي وتستبدل بلافتة أخرى انتظرتها أجيال كثيرة تعرّف هذا المبنى على أنه كلية مستقلة).

وأضافت الصحيفة: أن (القرار السياسي كان قد اتخذ منذ زمن حتى أصدر الرئيس السوري يوم الأربعاء 7 تموز مرسومه القاضي بإحداث كلية الإعلام في سورية لأول مرة بعد ما يقرب من ثلاثة عقود على إنشاء قسم الإعلام).. وهذا يعني أن سورية – مقارنة مع دول عربية عرفت الإعلام والصحافة حديثاً – قد تخلفت بعقود عنها في المضمار الإعلامي بكل أشكاله وألوانه المرئي والمسموع والمقروء.

وهذا يبدو واضحاً عندما لجأت سورية إلى دولة قطر لدعم كوادرها الإعلامية الحالية والقادمة بجرعات تدريبية ترفع قدراتهم العملية، وقد وقعت جامعة دمشق اتفاقية في هذا المجال مع شبكة (الجزيرة) الفضائية، وقبل ذلك كان مركز (الجزيرة) قد درب مجموعة كبيرة من كوادر التلفزيون السوري في مجالات التقديم والإخراج والمونتاج والإعداد وغيرها.

ولو رجعنا قليلاً إلى الوراء إلى العهد العربي (الفيصلي) لوجدنا أن الإعلام في سورية في ذلك العهد كان متقدماً بأشواط بعيدة عما عليه في عهد حزب البعث الشمولي ونحن في القرن الواحد والعشرين. فأثناء الحكم العربي ما بين عامي 1918-1920 صدرت في سورية أربع وخمسون صحيفة ومجلة، أما في عهد الانتداب الفرنسي الذي دام 26 عاماَ فقد صدرت 183 صحيفة ومجلة منها 114 في دمشق، أما بعد الاستقلال فقد حدد المرسوم التشريعي رقم 50 الصادر بتاريخ 17 تشرين الأول 1946 بأن تصدر الصحف السياسية بمعدل صحيفة واحدة لكل 50 ألف شخص، توزعتها المحافظات السورية على الشكل التالي: في دمشق صدر 48 صحيفة و30 مجلة، وفي حلب 19 صحيفة و10 مجلات وفي حماة صحيفة وثلاث مجلات، في حمص 8 صحف و4 مجلات وفي اللاذقية 12 صحيفة و7 مجلات، وفي الجزيرة جريدة واحدة، وفي الحسكة مجلتان، وفي السلمية مجلة واحدة،.

وفي عام 1963 أصدر انقلابيو الثامن من آذار 1963، البلاغ رقم (4) بإيقاف الصحف والمطبوعات ومنع صدورها إلا بإذن مسبق، وصدر مرسوم آخر بإلغاء الصحف التي كانت تصدر نهائياً، ولا يزال هذا الإلغاء ساري المفعول بعد 47 سنة على صدوره.

والآن، ونحن نمضي في القرن الحادي والعشرين، وحتى اللحظة هناك في سورية ثلاثة صحف رسمية رئيسة هي: (تشرين) و(الثورة) و(البعث)، إضافة إلى خمس صحف مناطقية تصدر في المحافظات هي (العروبة) و(الوحدة) و(الفداء) و(الجماهير) و(الفرات) إضافة إلى صحيفة تصدر بالإنكليزية هي (سيريا تايمز). وهذه الصحف تعبر عن وجهة نظر الحكومة والدولة وحزب (البعث) الحاكم في البلاد. وتستقي أخبارها في شكل رئيس من (الوكالة السورية للأنباء) (سانا) الحكومية.

ولو سلمنا جدلاً أن هذه الصحف تمثل الرئة التي يتنفس من خلالها الشعب لوجدنا أن هناك لكل ثلاثة ملايين سوري رئة (صحيفة) يتنفسون من خلالها – مرغمين - هواء ملوثاً بكل نظريات الاستبداد والشمولية والعبودية والتملق والتدليس والنفاق والكذب والقهر والإذلال والفقر والجوع والفساد، فهل سيغير إنشاء كلية للإعلام في جامعة دمشق الصورة النمطية للإعلام الذي اعتادت عليه الجماهير السورية التي دُفعت للتعامل معه – مرغمة – منذ ما يزيد على سبعة وأربعين سنة، وأن خريجي هذه الكلية سيجدون أمامهم أبواب وسائل الإعلام مشرعة دون تضييق أو ابتزاز أو تمييز أو انتقائية أو شروط تعجيزية، من خلال هامش للحرية واحترام الرأي الآخر، بعكس ما تعرض ويتعرض له زملاؤهم في هذه الأيام من سوق إلى المحاكم العسكرية وصدور الأحكام الظالمة والجائرة بحقهم على مقال كتبوه أو لقاء صحفي أجروه أو رأي أبدوه؟!