هل تشهد دمشق حراكاً سياسياً

محمد فاروق الإمام

كالحراك الذي شهدته تونس؟!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

في بادرة هي الأولى من نوعها عاشت العاصمة التونسية السبت الماضي 10 تموز الحالي على وقع اختتام ممُيّز للسنة السياسية، إذ دعا الحزب الديمقراطي التقدّمي أحد أبرز التشكيلات القانونية المعارضة إلى (ندوة وطنية) تبحث في مستقبل النظام الجمهوري في تونس في أفق العام 2014 موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.

وشارك عدد كبير من السياسيين والإعلاميين والنقابيين والمحاميين (باستثناء الإسلاميين الذين منعتهم عناصر الأمن من الاقتراب من مكان انعقاد الندوة) في الاجتماع الذي ترأسته الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدّمي السيدة مية الجريبي، وخُصّص للبحث في مستقبل الجمهورية في تونس مع ما يتردّد من غموض يكتنف سيناريوهات التغيير في أفق العام 2014 وسط تعتيم حكوميّ مبالغ فيه حول هذه القضايا التي تعتبرها المعارضة مصيريّة.

وقالت مية الجريبي الأمينة العامة للديمقراطي التقدمي في كلمتها الافتتاحية إنّ (الحكم في تونس دأب على استغلال مناسبة عيد الجمهورية التي توافق الخامس والعشرين من تموز من كل عام، للتمجيد وتعداد الانجازات، أما المواطنون التونسيون فإنهم لا يحتفلون بأعيادهم الوطنيّة كسائر شعوب العالم).

 وقالت الجريبي: (الجمهورية في تونس لم تحقّق للشعب لا الكرامة ولا الحرية ولا العدل ولا المواطنة ولا إفساح المجال أمام المشاركة السياسيّة، إنّ التونسي لا يتمتع بإعلام حر ولا قضاء عادل، ولا شفافية في إدارة الحكم ولا يُحاسب مسؤوليه وليس هنالك فصل بين السلطات ولا إدارة محايدة).

السياسي المعروف أحمد نجيب الشابي الذي سبق أن ترشح للانتخابات الرئيسية في 2004 و2009، قال في مداخلته: (إنّ المجتمعين في ندوة اليوم يطرحون سؤال ما العمل بعد أن تأكد الجميع أنه لا جمهورية في تونس بل فقط رئاسة مدى الحياة وقمع وتسلط واحتكار للحكم من قبل الحزب الواحد).

ودعا الشابي الحضور إلى ما سمّاه (خوض المعركة المرتقبة من أجل رفض مستنقع الحكم الوراثيّ المطلق بعد إن انقلب النظام على وعوده الديمقراطية التي تقدم بها في العام 1987).

وقال الإعلامي والمحلل السياسي رشيد خشانة الذي شارك في الندوة وتلا البيان الصادر عنها، (إنّ الانتخابات الرئاسية والتشريعية لشهر تشرين الثاني الماضي، كالانتخابات البلدية التي تلتها، جرت جميعها في مناخ من مصادرة حرية الترشح والتعبير والاجتماع، وبإشراف إدارة متحزبة ومنحازة، ووفق قانون انتخابي جائر، فجاءت عنوانا لتواصل الإقصاء والاحتكار واستمرار الحكم الفردي والرئاسة مدى الحياة، ولهيمنة الحزب الحاكم كليا على المجالس التمثيلية).

ويرى رشيد خشانة (إن الطريق الذي ستسلكه المعارضة في تونس وكافة القوى الحية في الفترة المقبلة، يفرض تعبئة كل القوى السياسية وهيئات المجتمع المدني على اختلاف أصنافها حول ميثاق جمهوري يضمن، تحديد عدد الولايات الرئاسية بدورتين لا غير، ويقرّ حرية الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بإلغاء كل الشروط المجحفة المُعطلة لهذا الحق، والفصل الفعلي بين السلطات بما يعيد للهيئة التشريعية ومؤسسة القضاء دورهما في إحداث التوازن والمراقبة المتبادلة بين السلطات، ضمانا للحرية).

وتابع خشانة يقول: (على الجميع الالتفاف حول مطلب انتخابات حرة ونزيهة بإشراف هيئة مستقلة وتعددية ومحايدة ووفق قانون عادل يضمن التنوع في الهيئات التمثيلية، علاوة على ضمان حرية الإعلام والصحافة والإبحار على الانترنت، وحرية الاجتماع والتجمع وتأسيس الأحزاب والجمعيات وختاما، سن قانون للعفو العام يفرج عن كل المساجين السياسيين ويعيد لكل من تعرض للملاحقة من أجل نشاطه أو معتقداته السياسية حقوقه المدنية والسياسية كاملة غير منقوصة).

كم هي سورية بحاجة إلى لقاء للمعارضة في دمشق لتضع النقاط على الحروف حول أبجدية الحكم وعناصر ديمومته وبقائه لأكثر من ثلاثة وأربعين سنة متتالية متنقلاً بين ديكتاتوريات استبدادية متخلفة بغيضة سبقت الحالة التونسية بأشواط، فالوراثة في سورية تحققت، وهي لا تزال حلماً يراود بعض الرؤساء العرب، وحالة الوراثة في سورية لم يسبقها إليه أي جمهورية في العالم تقوم على النظام الدستوري الجمهوري.. اللهم إلا جمهورية كوريا الشمالية، فكانت القدوة للنظام في سورية، التي كان الأجدر بسورية - وهي تستحق - أن تكون هي القدوة في الديمقراطية والحرية والتداول السلمي للسلطة وفق المعايير الدستورية الجمهورية التي ضحى الآباء والأجداد لانتزاع الاستقلال من المستعمرين الفرنسيين لأجلها.

الحالة التونسية تدعونا نحن كمعارضة سورية أن نسير على خطا المعارضة التونسية في موقفها الجريء وحالتها هي بعض ما عندنا، في لم شمل كل أطياف المعارضة السورية، لنضع النظام السوري وحزب البعث أمام مسؤولياتهم التاريخية والأخلاقية تجاه سورية ومستقبلها الجمهوري المهدد، بعد الانتقال إلى الحكم الوراثي، من الانتقال إلى الحكم الملكي الذي رفضته القوى الوطنية السورية التي ناضلت وكافحت وجاهدت وانتزعت الاستقلال عام 1945، فلم يعد من المقبول تغييب الشعب السوري وإبعاده عن المشاركة في اختيار حكامه بأسلوب حضاري تعارفت عليه كل الجمهوريات في العالم، من خلال انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تخضع لمراقبة دولية ويشرف عليها قضاء مستقل، وقد مجت الجماهير السورية لعبة الاستفتاءات المسرحية التي تفرض مرشح واحد يحوز على 99,9% من أصوات الأحياء والأموات داخل سورية وخارجها، ومثل ذلك انتخابات مجلس الشعب الأراجوزية التي تأتي بأنصاف الرجال الإمعات والتي تنحصر مهمتهم في التطبيل والتزمير للسلطان والبصم بالعشرة على ما يصدر من قوانين ومراسيم، ولدينا الكثير والكثير من الشواهد على ذلك.

ومع اعتقادي الجازم بأن النظام في سورية لا يجرؤ على إتاحة الفرصة لأطياف المعارضة، حتى في غياب الحركة الإسلامية، من عقد ندوة كتلك التي عقدتها المعارضة التونسية يوم السبت الماضي، بدليل أن النظام الحاكم في سورية لم يحتمل وجود منتديات ربيع دمشق التي أزهرت على استحياء بعد وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم عام 2000، وقد تفاءل الجميع بخطاب القسم الذي بشر بالديمقراطية والحرية والتعددية والفصل بين السلطات، فكانت كلمات خطاب القسم حبر على ورق ثم الغرق في مستنقع الماضي الذي قام عليه حكم البعث والذي لا يريد أي منافسة عادلة تقف في مواجهته.