نُذُر الانفجار
د. محمد بسام يوسف*
ما نشهده في سورية هذه الأيام، من واقع الاستبداد واستخدام مختلف وسائل القمع والاستفزاز، بعد تمكّن الوريث الدكتاتور ابن الدكتاتور ونظامه الفاشيّ الطائفيّ البغيض.. يشبه على حدٍ كبيرٍ ما شهدته البلاد خلال مرحلة حكم الدكتاتور الأب، قبيل تفجّر الصراع بين الشعب السوريّ والنظام الأحاديّ المتخلِّف. فالطائفيّون قاموا بخطواتٍ استئصاليةٍ ضد مختلف فئات الشعب السوريّ، لاسيما الحركات الإسلامية المختلفة، إذ بدأت حملات التصفية، وفُتحت المعتقلات لأبناء الحركات الإسلامية والإسلاميين. وقد كانت حالة الطوارئ والأحكام العرفية المفروضة على البلاد منذ عام 1963م، وأساليب القمع ومحاولات استئصال الآخر التي اتّبعها النظام.. كانت السبب الأول والأهم، الذي أسّس للاحتقان داخل المجتمع السوريّ، كما أنّ الحرب المعلَنة على الحركات الإسلامية والوطنية، وعلى الإسلام والإسلاميين، وعلى الوطنيين الذين استنكروا الاستبداد، واستمرار الاعتقالات والتصفيات في السجون، وتنفيذ الإعدامات الظالمة من غير محاكمات، وفرض قانون العار رقم (49) لعام 1980م، واستمرار الملاحقات داخل الوطن وخارجه، وتنفيذ المجازر الجماعية العديدة التي باتت معروفةً للناس.. ذلك كله، قاد إلى حالة الاحتقان القصوى، ثم إلى تفجّر الصراع بين النظام الطائفيّ والشعب السوريّ!..
لقد أدخل الطائفيون البلادَ –خلال فترة السبعينيات من القرن المنصرم- في نفق الحكم الطائفيّ القمعيّ، فقُمِعَ الإنسان السوريّ على نحوٍ لم يسبق له مثيل في تاريخه، وأُدخِلَت سورية في مرحلة تدمير البنية التحتية الأساسية للمجتمع، عبر صراعاتٍ طبقيةٍ اتخذت فيما بعد الصبغة الطائفية الواضحة، وبدأت تظهر الحالة العدائية السلطوية للإسلام، عبر تحدّي قِيَمِه وعقيدته، وإكراه الناس على عقائد وسلوكياتٍ علمانيةٍ معاديةٍ لعقيدة الإسلام، وعبر منهجٍ تدميريٍ ثابتٍ أصيل.. إذ عمد النظام الأسديّ إلى مصادرة الحريات العامة، وقَمْعِ الأحزاب السياسية، وإغلاق الصحف والمجلات ومنابر الرأي، وفَرْضِ الأحكام العرفية، واحتكار وسائل الإعلام، وإلغاء كل دورٍ للمعارضة السياسية!.. وتأسّس في سورية حكمٌ فرديّ، عطّل الحياة السياسية، ولاحق الأحرار وأصحاب الرأي المخالف وطاردهم، وأعلن قوائم طويلةً للإقصاء المدنيّ، كان ضحاياه مئات رجال الفكر والدين والسياسة.
* * *
لقد قام الدكتاتور (حافظ الأسد) بخطواتٍ مشبوهةٍ لصياغة المجتمع السوريّ صياغةً مخالفةً لدين الشعب وعقيدته وتوجّهاته الفطرية الإسلامية، باتجاه التغريب والضلال والفساد والانحراف عن الإسلام، فكرياً وثقافياً وعقدياً وتعليمياً وإعلامياً وتربوياً واجتماعياً وأخلاقياً، وسخّر أجهزة الدولة وأجهزة حزب البعث كلها لسلخ الأمة عن قِيَمِها وإسلامها!.. كما قام الدكتاتور بالتضييق على الإسلاميين من أبناء الشعب، وفق خطةٍ منهجيةٍ استفزازية، كان هدفها الأساس: تفجير الوضع الداخليّ للمجتمع، لإجهاض أي نشاطٍ أو نجاحٍ يمكن أن يحقِّقَه معارضو النظام الاستبداديّ الطائفيّ.. وأمام شدّة الهجمة القمعية، وتحت وطأة الاستبداد الدمويّ.. تفجّر الصراع، ودخلت سورية في مرحلة ليلٍ طويل. وها هو ذا الدكتاتور الوريث ينهج نهج أبيه، ليُدخِلَ البلادَ في عام 2010م، إلى روح المرحلة التي شهدتها سورية في بداية سبعينيات القرن الماضي، متسلِّحاً هذه المرّة، بتحالفٍ طائفيٍّ شعوبيٍّ فارسيٍّ صفويّ، حامياً تمدّده المشبوه في مفاصل سورية: الدولة والشعب، متنكِّراً لسورية العروبة والإسلام، مُستَخِفّاً بتاريخها الحافل بإبادة كل الخونة المجرمين الذين تآمروا عليها وعلى شعبها الأبيّ.
إنّ ما يقوم به النظام الأسديّ الطائفيّ هذه الأيام، من حملات القمع والاعتقال، والإخفاء القسريّ، والتآمر على دين سورية وهويّتها العربية الإسلامية.. وإنّ ما يمارسه هذا النظام، متسلِّحاً بالأحكام العُرفية وقوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية، وبالسلوك الاستئصاليّ البغيض.. سيُفضي -لا محالة- إلى تفجّر صراعٍ مريرٍ ستحرق نارُهُ –أول ما تحرق- أوكارَ الطاغوت الجائر المتسلِّط ورعاديده ومجرميه وحلفائه وأزلامه، وهو الأمر الذي حذّر منه العقلاء منذ أربعين عاماً، والنظام يتحمّل -سابقاً وحالياً- المسؤولية التاريخية الأخلاقية الكاملة عن كل ما يمكن أن يؤول إليه الواقع السوريّ، وطناً وشعباً وحاضراً ومستقبلاً.
* * *
إنّ اشتداد حملات العدوان الطائفيّ القمعيّ على فتياتٍ مؤمناتٍ مسلماتٍ من مثل: الأسيرتان طَلّ الملّوحي وآيات أحمد.. والعدوان على حرية الطاعنين في السنّ من مثل: القاضي والمحامي الأسير هيثم المالح.. والعدوان على حجاب المرأة السورية المسلمة بالقوانين الجائرة، كما وقع مع ألفٍ ومئتيّ مُدَرِّسَةٍ محجّبة.. واستمرار العدوان على مثقّفي سورية وشبابها وأحرارها ومفكِّريها وأدبائها وعلمائها، حمايةً للمدّ العدوانيّ الشعوبيّ الصفويّ الفارسيّ داخل المجتمع السوريّ.. وإنّ استمرار كل ما يجب ألا يستمرّ من ظاهرة القمع والاستبداد الطائفيّ المنظّم.. إن ذلك كله.. يمثّل نُذُر انفجارٍ قادمٍ يتحمّل النظام الطائفيّ الأسديّ وحده مسؤولية جرّ البلاد إلى أتونه، خدمةً لمخطّطات التفتيت الصهيونية الأميركية والصفوية الفارسية.. يتحمّل مسؤولية ذلك كله، مسؤوليةً تاريخيةً أخلاقيةً تامّةً كاملة!.. اللهم هل بلّغنا؟.. اللهم فاشهد.
* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام.