المارونية السياسية، من هستيريا الطائفية إلى جنون التوطين
المارونية السياسية،
من هستيريا الطائفية إلى جنون التوطين
أحمد الفلو /فلسطين
فلسطينيو الشتات في العالم العربي يشكلون في أماكن تواجدهم ما يُسمّى بيضة القبّان في الموازين السياسية والاجتماعية وبل وحتى الثقافية والفكرية، وهذا ما يجعل من قضية تواجدهم عرضة للاستحضار الدائم في أي مناورة سياسية داخلية لمعظم الأنظمة العربية، كما أن القوى السياسية العربية الرسمية منها أو المعارضة تدفع دائماً باتجاه التعاطي المستمر مع ذلك التواجد باعتباره قضية سياسية مرتبطة بالوضع الداخلي العام والتركيبة السكانية وفق حسابات دينية ومذهبية و قُطرية دقيقة ومجرّدة تماماً من أي بعد قومي أو إسلامي أو إنساني، وهو ما أدى إلى حالة من استحلال الدم الفلسطيني وإهداره.
إن انعدام وجود صيغة قانونية واضحة تحدد العلاقة بين السلطة اللبنانية وبين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لم يَحُلْ دون التواصل الشعبي والتقارب الفعّال بين أبناء اللاجئين الفلسطينيين وبين الأوساط الشعبية اللبنانية التي يعيشون في محيطها، حتى أن بعض البلاد العربية على الصعيد الرسمي والشعبي قد تعاملت مع الفلسطينيين تعاوناً إنسانياً وقومياً راقياً وتم منحهم حقوق المواطن كاملةً، ولا يمكننا إنكار تلك الحقيقة المشرِّفة والكريمة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في الأردن وفي سورية، ولعل النظرة السلبية النمطية النابذة والكارهة التي تبديها القيادات المارونية في لبنان ضد اللاجئين الفلسطينيين يعود لعدة عوامل أهمها :
الأول : عوامل ثقافية وتاريخية يعود تاريخها حسب الكاتب والمؤرخ البريطاني ديفيد هيرتس إلى النكبة المارونية الكبرى على يد الدروز مذبحة العام 1860التي أثارت مشاعر الشفقة لدى السير موزز مونتيفيوري وهو يهودي بريطاني ثري، وأدولف كريميو، وهو من الشخصيات اليهودية الفرنسية البارزة، اللذين كانا من بين أوائل الأوروبيين الذين استجابوا لنداءات الاستغاثة المارونية، ومن بينها التأكد من استمرار التغطية الدائمة لمأساتهم في صحيفة "ذي تايمز" اللندنية وتأسيس صندوق مالي لصالح الناجين، ومنها أيضا حث الحكومة الفرنسية على إرسال قوات لإنقاذهم من مجازر أخرى، إن عملهما الخيري وجد لنفسه موقعا ثابتا في الذاكرة المارونية الشاملة. وساهم هذا بقدر ملحوظ في ما لقيه أوائل الصهاينة من ترحيب عندما اجروا اتصالاتهم الأولى مع زعماء الموارنة، في السنوات السابقة لوعد بلفور، وقد فوجئوا في واقع الأمر بان هؤلاء كانوا على اقل تقدير حريصين على تنمية الصداقة بقدر ما كانوا هم حريصين عليها. وكان ذلك كشفا عاطفيا مريحاً ولد مجموعة من العبارات النمطية المتكررة بشأن لبنان باعتباره "جزيرة في بحر هائل للمسلمين" أو "نافذة في حائط عداء العرب".
الثاني : عوامل سياسية تتجلى في الشعور الماروني بأن لبنان هو الوطن الماروني وأنه بحاجة ماسّة للكيان اليهودي كي يكون مجاوراً له وحامياً، فمنذ ما قبل الاستقلال ظهرت الاتجاهات المؤيدة للتواجد الصهيوني في فلسطين وتجلّى بالترحيب الذي أبدته الكنيسة المارونية بذلك وكان البطريرك الماروني "أنطوان عريضة" من المدافعين عن ذلك التواجد وبالترافق مع موقف أول رئيس للبنان قبل الاستقلال "أميل إده" وهو مثقف فرانكوفوني مبهور بالحركة الصهيونية ومنجزاتها بل إنه كان يمثل الشعور الجمعي لدى أكثرية الموارنة من تحقيق الثوار الفلسطينيين نصراً على المستوطنين الصهاينة، انسجاماً مع المقولة السائدة في الأوساط المسيحية عموماً والمارونية خصوصاً "بعد السبت الأحد": أي انه بعد أن ينتهي المسلمون من اليهود فان الدور سيأتي على المسيحيين، وهي تخرصات وأكاذيب كانت تغذيها الصهيونية وقد اعتنقها العديد من القيادات الدينية والسياسية المارونية، وقد كتب أحد ثقات الصهاينة أنهم كانوا "يشعرون بالجزع من انتصار العرب في هذه الحرب". وبصفتهم رسل مجتمع اشتهر بالتجارة فقد ابلغوه بمدى "اهتمامهم الحقيقي في امن اليهود في فلسطين وازدهارهم".
الثالث : أسباب سكانية ((ديموغرافية)) وهي اعتقاد القيادات المارونية بأن التواجد الفلسطيني في لبنان قد أخَلّ بالتوازن السكاني في لبنان بحيث ترجح كفة العرب والمسلمين، لذلك سعت القيادات المارونية إلى إبعاد اللاجئين الفلسطينيين عن لبنان بشتى الوسائل بدءً من التضييق وسدّ مصادر الرزق عليهم وانتهاءً بذبحهم وبقر بطون نسائهم كما حدث في مذبحة تل الزعتر، حتى أن داني شمعون قال للضباط الإسرائيليين مشجعاً لهم "إن إمداد الموارنة بالسلاح سيمكننا من ذبح الفلسطينيين"، كما أن حزب الكتائب والقوات اللبنانية بقيادة إيلي حبيقة وسمير جعجع وأعوانهم قاموا بجرائم بشعة ضد الفلسطينيين قلّما شهد لها التاريخ مثيلا ً، ويدعّم هذه النظرة دائماً زعماء الكنيسة المارونية حتى أن البطريرك صفير عندما سُئِل في مقابلة له مع الجزيرة في تموز 2010 عن سبب رفضه منح حقوق إنسانية للفلسطينيين أجاب "إن لبنان يضيق بأهله فكيف يتسع لغيرهم"، وكأنه لايعلم أن لبنان يستورد العمالة التايلندية والفلبينية والسيريلانكية كما أنه يتناسى أن المطالب الفلسطينية لاتتعدى الأعمال الحرفية والزراعية في القطاع الخاص وأنهم لم يطالبوا بوظائف حكومية، أي رجل دين عنصري ومجرد من الإنسانية صفير هذا.
إلاّ أن هناك جوانب أخرى لمأساة الشعب الفلسطيني في لبنان لا بد أن تتضح للجميع وهي مشاركة ياسر عرفات في صنع تلك المأساة عندما فاوض السلطة اللبنانية على اتفاقية حمل السلاح في لبنان بينما لم يتحدث معها مطلقاً حول الحقوق الإنسانية وكأن الأمر لايهمه مطلقا، وحين رحل عرفات وأزلامه عن بيروت عام 1982على متن سفينة فرنسية وبحماية أمريكية، قام عرفات قبل ذلك بتسليم الأسلحة التي كانت بحوزة أزلامه إلى حركة أمل لتقوم تلك الحركة عام 1985 بمذبحة في مخيمي ((صبرا وشاتيلا)) وقتلت المئات من أبناء فلسطين مستخدمةً ذات تلك الأسلحة، وفي عام 2008 يقوم الكازانوفا الفتحاوي الحالم "عباس زكي" بحضور حفلة أزياء مارونية وبعد أن انتهى من آخر رشفة من كأس الشامبانيا الذي يحمله بيده, استرعى كازانوڤا الفتحاوي انتباه الحضور إلى كلمة ألقاها يعتذر فيها عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها أطفال و نساء فلسطين بحق الموارنة ومبدياً أسفه مما اقترفته ظهور الأطفال وبطون النساء الفلسطينيات من ألم ٍ وإزعاج لخناجر أولئك الجزارين القتلة , متمنياً أن يتقبل الأخوة الكتائبيون و القواتيون والأحرار ذلك الاعتذار.
لقد ارتبطت القيادات المارونية بفكرة الحماية الغربية والإسرائيلية لهم قائمة على أساس أنهم شعب متميز عن محيطه العربي والإسلامي وأنهم يتمتعون بخصائص عرقية مميزة ويجمعهم دين واحد،و قد وقع بعض المسيحيين اللبنانيين و بعض الموارنة منهم خاصة في مأزق تاريخي كبير فوضعوا ربما للمرة الأولى منذ الحروب الصليبية قضية المسيحية كوجود في المنطقة على المحك و الأخطر من ذلك أنهم شككوا في تراث عربي إسلامي عريق و عظيم و حضاري شارك فيها العديد من الشرفاء المسيحيين العرب في صناعته مع شركائهم في الوطن والعروبة.
وإذا كان الوزير الماروني نقولا فتوش قد وصف الفلسطينيين "بأنهم نفايات بشرية" فإن الشعب الفلسطيني يعتبر تلك القيادات المارونية بما فيها التيار العوني والبطريركية "نفايات إسرائيلية"، ونستثني شرفاء الموارنة ذوي الانتماء العربي من ذلك الوصف، ولعل السمة المشتركة بين القوى الانعزالية في لبنان والقوى الطائفية في العراق هو أن كلا القوتين تعتمدان بالكامل على القوى الاستعمارية في بقائهما واستمرار وجودهما.