سورية الصمود والممانعة تتباكى على الوساطة التركية

محمد فاروق الإمام

سورية الصمود والممانعة

تتباكى على الوساطة التركية

محمد فاروق الإمام

[email protected]

تصاعدت لهجة المواجهة بين تركيا وإسرائيل الاثنين 5 تموز الحالي على خلفية الهجوم الصهيوني الدامي على أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية إلى غزة المحاصرة، حيث هددت تركيا على لسان وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو بقطع علاقاتها مع الدولة العبرية المارقة إذا لم تعتذر عن الهجوم الدامي على أسطول المساعدات الإنسانية لغزة، والتي استشهد فيه تسعة من الناشطين الأتراك، وأعلنت الدولة العبرية بكل صلف وغرور رفضها الاعتذار لتركيا.

وهذه أول مرة منذ بدء الأزمة تهدد فيها تركيا صراحة بقطع العلاقات مع إسرائيل وكانت تكتفي من قبل بالتصريح بأنها ستعيد النظر في العلاقات. وجاءت التصريحات المتبادلة بخصوص العلاقات بعد أن أجرى الجانبان محادثات الأسبوع الماضي لتسوية الخلاف بينهما. وقال داوود أوغلو في تصريحات لصحيفة (حريت) التركية نشرتها الاثنين 5 تموز الحالي: أن (أمام إسرائيل ثلاثة خيارات.. إما أن تعتذر وإما أن تقبل نتائج لجنة دولية تحقق في الهجوم وإما تقطع تركيا العلاقات).

وأعلن أوغلو أن (بلاده أغلقت مجالها الجوي أمام جميع الرحلات العسكرية الإسرائيلية رداً على الهجوم الدموي)، وقال الوزير التركي بحسب ما نقلت عنه صحيفة (حريت) إن: (هذا القرار لم يتخذ لرحلة واحدة أو رحلتين فقط)، مشيراً إلى أنه (قد يصار إلى توسيع نطاقه بحيث يشمل الرحلات المدنية أيضاً).

وزير خارجية الدولة العبرية أفيغدور ليبرمان رد على تصريحات الوزير التركي بكل صلف وغرور قائلاً: (إن إسرائيل ليس لديها نية للاعتذار). وقال للصحافيين خلال زيارة للاتفيا (ليس لدينا أي نية للاعتذار. نعتقد أن العكس هو الصحيح).

في هذه المعمعة وسجال التصريحات بين تركيا والدولة العبرية أطل الرئيس السوري في نفس اليوم من العاصمة الإسبانية مدريد معلقاً على ما يجري بين العاصمتين التركية والعبرية ليعلن تخوفه من هذا السجال وتطوره قائلاً: (إن قطع العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل سيزيد من زعزعة استقرار المنطقة). وقال: (إن تركيا لاعب رئيسي وأن قطع العلاقات مع إسرائيل سيكون خسارة للوساطة من أجل السلام في المنطقة) يقصد وساطة تركيا في المفاوضات غير المباشرة التي جرت بين مبعوثين سوريين وصهاينة.

وأضاف الرئيس السوري للصحافيين في مؤتمر صحافي في مدريد عقب محادثاته مع رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو (لم يتمكن أي طرف من لعب نفس الدور الذي لعبته تركيا.. كما قلت قبل قليل..السبب هو أن هذه الدولة تعيش في منطقتنا وتعرف كل التفاصيل. بذلك أستطيع أن أقول بأن تراجع دور تركيا وتراجع عملية السلام على المسار السوري لا شك بأنه سيؤثر على استقرار المنطقة).

هذا التباكي الذي أبداه الرئيس السوري على الوساطة التركية بينه وبين الصهاينة وحمّل القطيعة التركية العبرية نتائج ما قد يحل في المنطقة من كوارث وإحن لأمر محير وبعكس ذلك فماذا يقصد الرئيس بكلامه: (إن قطع العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل سيزيد من زعزعة استقرار المنطقة)!!

الجماهير السورية صاحبة الشأن الأول والأخير تريد أن تعرف ما جرى وراء الكواليس والغرف المغلقة من مباحثات غير المباشرة بوساطة تركية بين المبعوثين السوريين الرسميين وبين الموفدين الصهاينة بشأن عملية السلام، التي يتباكى عليها الرئيس السوري اليوم وهو يرى حبال الود التي تفاءل بها ووضع كل بيضه في سلتها، والتي كانت تربط تركيا بالدولة العبرية تكاد تنقطع من كثرة الشد والتجاذب بين أنقرة وتل أبيب!!

لقد ظهر الرئيس السوري في موقفه مما يحصل بين تركيا والدولة العبرية وكأن سورية هي الضحية والخاسر الأكبر من هذا التصعيد بين الدولتين، ويظهر تشاؤم الرئيس وتخوفه من مستقبل مظلم للمنطقة إذا ما تطور هذا السجال إلى قطيعة بين أنقرة وتل أبيب.

مجدداً فإن الجماهير السورية تطالب الرئيس السوري أن يضع أمام الشعب السوري بكل شفافية وصراحة ما توصل إليه الوفد الرسمي السوري إلى مباحثات المفاوضات غير المباشرة مع الكيان الصهيوني بوساطة تركية التي يتباكى عليها، حتى يكون على بينة مما يجري ومما يُحاك له ويخطط، فالسلام مع الدولة العبرية له استحقاقاته التي لابد للدولة العبرية أن تعترف بها وتقدمها دون شروط أو انتقاص أو اجتزاء، والشعب السوري الذي دفع الثمن غالياً وتجرع المرارة من تداعيات هزيمة الخامس من حزيران 1967.. هذه الهزيمة الشنيعة التي جرها عليه الحزب القائد والموجه للمجتمع والدولة (حزب البعث) الشمولي الذي لم يعترف بالهزيمة الكارثة، واعتبرها نصراً مؤزراً لأنه أفشل المخططات الصهيونية التي كانت تريده هو بعينه وليس الجولان وسورية وبقي في الحكم رغم أنف الكارهين. وهو بعد 43 سنة لا يزال مصراً على أن بقاءه في السلطة هو النصر الذي يتحدى به الدولة العبرية ويفشل مخططاتها في المنطقة!!

نريد أن نتعاطف مع الرئيس السوري في تباكيه على القطيعة بين أنقرة وتل أبيب إذا ما وقعت، وهذا التعاطف لا يمكن أن يكون ما لم يقدم السيد الرئيس البرهان والدليل لما يعتقده من حقائق مقنعة وليست هواجس تخصه أو تخص نظامه وحزبه القائد!!