التمزيق الوطني .. والتمويل الطائفي

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كانت مصر مشتعلة بالغضب والحزن نتيجة لما جرى في المحلة الكبرى عقب إضراب السادس من إبريل 2008م ، وكان فقراء المدينة المدمّرة يشيعون صبياً قتله الرّصاص الحي الذي أطلقه الأمن المركزي فأصابه وهو في شرفة منزله يُشاهد مثل غيره المعارك الطاحنة في الشوارع والحواري لاستعادة السلام المفقود والهدوء الضائع .

في الوقت ذاته كان هناك نفر ممن يحملون الجنسية المصرية ، يسعون في الأرض فساداً لتمزيق الوطن ، وتدميره ، وفقا لمخطط إجرامي وضعه الصليبيون المستعمرون المتوحشون في عواصم الغرب .

وكانت نقابة الصحفيين ساحة مفترضة للفساد والإفساد ، والتمزيق والتدمير ، لولا نفر من شرفائها الذين تصدّوا للمؤامرة المجرمة ، ومنعوا عقد مؤتمر آثم يحمل اسماً برّاقاً " مصريون ضد التمييز الديني ! " يضم خليطاً من البهائيين وخونة المهجر من النصارى ، وبعض اليساريين الذين يتمرغون في أموال ما يسمى المجتمع المدني ومنظماته ؛ الآتية من الخارج ، فضلاً عن الأموال الطائفية الضخمة التي لا يعرف أحد مصدرها تحديداً ؟

هل من الحرية والمواطنة وعدم التمييز أن يشقى المجتمع المصري من أجل الحصول على عشرة أرغفة بنصف جنيه ؛ بينما السادة الأوصياء على هذا المجتمع وحرّياته يجلسون لمناقشة كتابة البهائية في البطاقة الشخصية ، واضطهاد النصارى في كرة القدم ، وأهل الذمة ؛ ودفع الجزية ، وتحريض الدولة لمواطنيها المسلمين على التمييز ضد غير المسلمين (؟) والاختراق الإسلامي للنقابات المهنية ( وكأن مصر دولة كافرة ! ) ؟

المسألة كما هو واضح بالنسبة لكل ذي عينين تكمن في الرغبة الوحشية لدى القوم لإلغاء الإسلام ، أو تجريد مصر من إسلامها في السياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم والفنون والعادات والتقاليد وحركة المجتمع بصفة عامة ، حتى يتحقق عدم التمييز الديني ، ويتم التمكين للمواطنة . وفى الوقت نفسه يُعبّر غير المسلمين عن أنفسهم دينياً وطائفياً ببناء دور العبادة على أوسع نطاق ودون حاجة إليها ، ومكافأة من يُخربون المجتمع ويهدمون الإسلام مثل البهائيين والماسون والشيوعيين ودعاة التغريب الذين ينطلقون في خطابهم من أجهزة الدعاية الرسمية والجمعيات المدعومة من الغرب ، والأندية المشتبه بها مثل الروتارى والليونز والأونرهويل وغيرها .

إن القوم يُريدون مصر الإسلامية بلداً مفتوحاً لكل الملل والنحل ، عدا الإسلام الذي يُصوّرونه كما يُصوّره الصليبيون الجدد في واشنطن : ديناً إرهابيا دموياً ، يقهر المرأة ، وغير المسلمين ، ويميز بين المواطنين على أساس ديني ؛ ويمارس أتباعه الشوفينية والفاشية ويدّعون امتلاك الحقيقة المطلقة ، ويروّجون لأفكار تنتمى إلى ما قبل القرون الوسطى !

المسلمون في مصر لا يستطيعون التعبير عن آلامهم وجراحهم ، فأجهزة الدعاية ووسائط التعبير الرسمية وغيرها سقط معظمها في يد اليساريّين الغلاة الذين يتمرغون في تراب الميرى – حسب تعبير بعضهم – والمسلمون الذين يُمثلون الأغلبية الساحقة في المجتمع هم الذين يُعانون من التمييز الحقيقي بكافة أشكاله ، ويكفى أنهم وحدهم الذين يقدمون إلى محاكم عسكرية واستثنائية ، ويُعتقلون إلى أجل غير مسمى بموجب قانون الطوارئ ، وهم في معظمهم الفقراء أو تحت خط الفقر ، بينما الأقلية غير الإسلامية تنعم بأكثر من 70 % من التجارة الداخلية ، ومن بينهم مئات المليونيرات بل المليارديرات الذين يدعمون الكنيسة بأموال طائلة لخدمة " الشعب " القبطي !

تمنيت من السادة الذين يدّعون المواطنة والحرية بلا تمييز ، أن يقولوا للحكومة التي يزعمون أنها تحرّض مواطنيها المسلمين ضد مواطنيها غير المسلمين ؛ إننا نرفض المحاكم العسكرية والاستثنائية ، وتزوير الانتخابات ، وتقييد الحريات السياسية ، وحرمان المعارضين الإسلاميين من الترشح والوظائف العامة ودخول الكليات العسكرية والشرطية ، وتمنيت أن ينهضوا بواجبهم لحثّ النظام البوليسي الفاشي على محاربة الفساد والاحتكار واللصوصية المقننة ، ومجموعة النصف في المائة التي تحظى دون جهد أو تعب بالملايين والمليارات والمناصب الكبرى ، والجاه الذي لا يزول !

تمنيت من أدعياء المواطنة وعدم التمييز أن يقفوا إلى جانب الشعب البائس ، وعمره الضائع بحثاً عن اللقمة وقطعة الجبن ومصروفات الدروس الخصوصية وتسديد فواتير المياه الملوثة والكهرباء الملتهبة والزبالة المتراكمة !

إنهم للأسف مشغولون بالبهائية ، وإلغاء المادة الثانية من الدستور ، وبناء الكنائس ، والأسلمة وحرية التنصير وحذف نصوص القرآن الكريم التي لا تعجبهم من مناهج اللغة العربية بالمدارس والجامعات ، والدعوة لتدريس ما يسمونه " التاريخ القبطي " أي المصري وكأنه لا يدرس ! والتحريض على أساتذة الجامعات الذين يتحدثون عن عقيدة النصارى من خلال نصوص القرآن الكريم ، والدعوة لتشريدهم بسبب استشهادهم بآيات من القرآن الكريم تقول أن من يعتقد بألوهية المسيح فهو كافر ومشرك بالله !

إن البهائية التي يدافعون عنها نحلة – أي عقيدة – هدامة . صنعت على عين الاستعمار الإنجليزي في إيران ، وبمساعدة اليهود ،عام 1844م ؛ لتقويض أسس الإسلام ، وصرف المسلمين عن الجهاد ومقاومة الوحشية الاستعمارية الاستيطانية ، وقد كتب عنها العديد من أعلام المفكرين والباحثين الذين أثبتوا بالوثائق خيانة هذه النحلة للإسلام والمسلمين ، وتدميرها لبنيانه ، بدءًا من تأليه " الباب " المسمى " ميرزا على محمد رضا الشيرازي " ( 1819م – 1849 م ) ، والاعتقاد أنه خالق كل شيء ، وأن الشريعة الإسلامية قد نسخت بمجيئه ، ثم الإيمان بالحلول والاتحاد ، والتناسخ ، وخلود الكائنات ، إلى القول بأن الثواب والعقاب للأرواح فقط على وجه يُشبه الخيال . وأن محمداً صلى الله عليه وسلم – ليس خاتم الأنبياء وأن الوحي مستمر من بعده ، وأن كتبهم التي وضعوها مثل " الأقدس " و " الألواح " هي بديل القرآن الكريم ، فضلاً عن تقديسهم للرقم "19" وتأويل القرآن تأويلاً باطنياً يتفق مع مذهبهم ، وتحريم الحجاب على المرأة وتحليل المتعة ، وشيوعية النساء والأموال ، وإنكار المعجزات وحقيقة الملائكة والجن والجنة والنار .. وغير ذلك ..

ومن أهم شخصيات البهائية " قرة العين " وهى امرأة منحرفة السلوك ، فرت من زوجها وراحت تبحث عن المتعة ، وأعدمها شاه إيران .. ويتوجه " البهائيون " في عبادتهم إلى " حيفا " بفلسطين المحتلة ، حيث المعبد البهائي الفخم ، وبالطبع فإن موقفهم من اغتصاب فلسطين وقتل شعبها وتشريده لا يحتاج إلى إيضاح !

ومن الأعلام الذين كتبوا عن البهائية وجرائمها بنت الشاطئ ومحمد الكاظمى ، وعلى علي منصور ، ومحب الدين الخطيب ومحمد حسن الأعظمى وأبو الأعلى المودودى وعبدا لرحمن الوكيل ومحمود الملاح ومحمد عبد الله عنان وغيرهم .

وأظن أنه من الطبيعي أن تقف الأمة ضد من يريد تخريب دينها وتقويض عقيدتها موقفاً حازماً ، وعلى من يعتنق هذه النحلة الفاسدة أن يتحمل تبعات اختياره ، فلا يشغل الناس بمطالب معينة ، لأنه رفضهم وخرج على نظامهم وتآمر على معتقداتهم ؟

وحين يأتي أشباه له ليقيموا مؤتمراً في قلعة الحرية والدفاع عن الأمة ، فهي جرأة فيها وقاحة غير عادية وتحدٍ غير مسبوق لإرادة أمة بأكملها ، وإذا كان الغرب الصليبي الاستعماري يُلاحق المسلمين في بلاده ويحرمهم من حقوقهم الإنسانية ، مع أنهم لا يقوضون عقائده ، ولا يهدمون أديانه ، فمن باب أولى أن ينهض المسلمون في بلادنا للدفاع عن دينهم ووجودهم ضد من يتآمر على الإسلام ، ويوالى أعداءه من الصهاينة والمستعمرين .

أما موقف اليسار الذي يتمرغ في الميرى والأموال الطائفية والدعم الاستعماري ، فهو موقف خيانى ليس غريباً ولا عجيباً ، فتلك شيمة أحفاد " هنري كورييل " مذ كان يعلمهم أصول الشيوعية الملحدة مع احتفاظه بصهيونيته الصارخة !