أزمة الغذاء العالمية والدور الأمريكي

أزمة الغذاء العالمية والدور الأمريكي

د. ياسر سعد

[email protected]

الولايات المتحدة تقود العالم وعلى الأخص في ما بعد مرحلة الحرب الباردة حين تصدرت المسرح الدولي والذي شهد عصر القطب الواحد بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار الكتلة الشرقية. أمريكا تقدم نفسها على أنها حاملة لرسالة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, وحكومتها تصدر دوريا تقارير عن الديمقراطية والحريات والحقوق وتجارة البشر, فتندد بحكومات ودول وتشيد وتثني على أخرى. الخطر الرئيسي على العالم اليوم حسب القراءة الأمريكية هو الإرهاب, والذي لا تمتلك دول العالم حياله أن تقف على الحياد, فإما أن تكون تحت الراية الأمريكية في حربها على الإرهاب أو تكون مع الإرهاب حسب رؤية جورج بوش الشهيرة. 

الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية مباشرة وغير مباشرة عما يعانيه العالم اليوم من أزمة غذائية طاحنة  قد تؤدي لمجاعات مهلكة. المسؤولية غير المباشرة تتجلى في القيادة الأمريكية للعالم والتصرف فيه كشرطي ومشرع, يحدد الرؤى ويفرض على دول العالم خصوصا ما يسمى بالعالم الثالث ما ينبغي فعله وما يتوجب تركه, بالإضافة للحروب الطاحنة والتي شنتها في العراق وأفغانستان والمبالغ الضخمة التي تستهلكها تلك الحروب والتي كان من الممكن أن تساهم في التخفيف من معاناة الجوع الإنسانية. أما الدور المباشر لأمريكا في الأزمة الغذائية العالمية فقد جاءت عبر اتهامات وجهها جان زيغلر المقرر الخاص للأمم المتحدة من أجل الحق في الغذاء, من خلال حوار مع صحيفة ليبراسيون الفرنسية في 14 أبريل الجاري, والذي أشار فيه إلى لا مبالاة بأزمة الغذاء العالمية من طرف قادة العالم والفاعلين البارزين, وقال زيغل حين تقوم الولايات المتحدة بضخ ستة مليارات دولار للاستثمار في سياسة الوقود الحيوي مستنزفة 138 مليون طن من الذرة خارج السوق الغذائية، فإنها بذلك تقوم بجريمة ضد الإنسانية, مضيفا قد نفهم رغبة حكومة بوش في التخلص من سيطرة الطاقة النفطية المستوردة، لكن تحقيق هذه الرغبة يوشك أن يهدد بقية العالم.

وحذر المسؤول الأممي من اتجاه العالم نحو فترة اضطرابات طويلة ونزاعات مرتبطة بارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية وقال إن بواكير نتائج الأزمة الغذائية الراهنة بدأت تظهر, فالجيش التايلندي يحرس حقول الأرز وهناك أزمة الخبز في مصر وقتلى بالسلاح في هاييتي, فالعالم أمام فتن متعلقة بالمجاعة مستمرة وأمام صراعات وموجات عدم استقرار إقليمية لا يمكن السيطرة عليها تجسد كلها خيبة أمل الناس, حسب تصريحه. وأوضح زيغلر أنه قبل ارتفاع الأسعار كان يموت طفل تحت عشر سنوات كل خمس ثوان، أما الآن فهناك 854 مليون شخص يعانون من سوء التغذية بشكل خطير. وقال زيغلر إنها كارثة ومجزرة معلنة, فالأسر في الدول الغربية تخصص من 10 إلى 20% من ميزانيتها للغذاء في حين تخصص الأسر في الدول الفقيرة من 60 إلى 90% من ميزانيتها للغذاء. وأشار جان زيغلر بأن الدول الفقيرة تسدد ديون البنك الدولي، والخطط الهيكلية التي يطالب بها البنك تفرض دائما إنجاز زراعة للتصدير تمكن من الحصول على عملات صعبة تسمح للدول الفقيرة بتسديد فوائد ديونها، وتمويلات هذه الزراعة التصديرية تضر الأسواق الزراعية المحلية، ولذلك وصلنا إلى هذه الأزمة المتفجرة.

 الولايات المتحدة وحلفاؤها يدعون لإمتلاك حق التدخل في الدول وانتهاك سيادتها بحجة حماية حقوق الإنسان كما حدث في العراق وفي دارفور وفي غيرهم, وفي نفس الوقت يديرون ظهورهم لأزمة عالمية تسببوا هم في صناعتها. فالسعي المحموم لامتلاك وسائل إنتاج الطاقة قد يدفع لأزمة غذائية دولية, وسياسة البنك الدولي والتي يضعونها دون اعتبار للحاجات الإنسانية الأساسية تساهم في تعميق تلك الأزمة وتهدد ملايين البشر في أقواتهم. العالم اليوم تحت القيادة الأمريكية لا يشتكي نفاقا صارخا ومعايير أخلاقية متناقضة فحسب, بل وأكثر من ذلك مجاعات وصراعات صنعتها سياسات مغرقة بالأنانية, وكوارث طبيعية نتجت عن احتباس حراري جراء التعامل مع البيئة بلا مبالاة والرفض القاطع على التوقيع على المعاهدات الدولية كمعاهدة كيوتو لمعالجة الآثار البيئية المدمرة.