صغر الاهتمامات يولد الانهزامات

 إبراهيم حسين أبو صعلوك

 إبراهيم حسين أبو صعلوك / اللد

يتحدد في كثير من الأحيان مدى وعي الأمم وحرصها على مصالحها ومستقبلها بنوع اهتمامات وهموم قادتها وزعمائها حيث يشكل هؤلاء في كثير من الأحيان القدوة للناس والنماذج التي يحتذون بها لأنهم هم أهل الحل والعقد وكل واحد منهم يعتبر وصي ومؤتمن على مستقبل شعبه وهم جميعا أوصياء على مصالح الأمم ومستقبلها.

لقد توالت خلال الفترة الأخيرة بعض الصور التي تبين حجم اهتمامات بعض القادة العرب وحجم اهتمامات وهموم قادة إسرائيل وأولياؤهما وحلفاؤهما حيث يمكن لهذه الصور أن تعلل ما ألت إليه الأوضاع العربية التي تكاد توشك على قيام الشعوب بثورة جياع قد تأكل الأخضر واليابس حتى في دول الخليج على غناها وذلك لان قادتها غارقون في اهتماماتهم التي لا تمت إلى هموم هذه الشعوب وكرامتها بأي صلة كانت.

ولنبدأ بصورة لاهتمامات قادة العرب حرصا على كرامتهم فهم أهل حساسية زائدة لكل ما يخص الكرامة حيث تكشف الصورة عن أن بعض أفراد العائلة الحاكمة في دبي قد قاموا في النصف الأول من شهر نيسان هذا العام بتنظيم وتمويل مهرجان لاختيار ملك جمال للجمال شارك فيه حوالي سبعة عشرة الف جمل من كل من: السعودية، عمان، قطر، والبحرين ويهدف هذا المهرجان إلى الحفاظ على حياة البداوة على حد زعم منظميه وقد حصل الفائزون الثلاثة الأوائل على جوائز تقدر بمليوني دولار بينما اشترى ولي عهد دبي 16 جملا بمبلغ 4.5 مليون وبلغ ثمن واحدا منها فقط لا غير 2.7 مليون دولار أمريكي ولا غرابة أن يكون جميع المشاركين أو أغلبهم من العائلات المالكة ما دامت المبالغ باهضة بهذا الشكل ويأتي هذا المهرجان في الوقت الذي يموت فيه أطفال غزة والعراق بسبب قلة الدواء والعلاج وفي المقابل لهذه الصورة وفي نفس الفترة الزمنية تقريبا تحدث صورا مغايرة تماما لهذه الصور تكشف عن مدى الوعي والحرص على المصالح حيث  أصدر مجلس النواب الأميركي، طبعا باسم وضغط الجالية اليهودية هناك  قرارا بالإجماع، صنف اليهود الذين قدموا من الدول العربية إلى إسرائيل على أنهم «لاجئين» وطالب بإدراج قضيتهم ضمن أي اتفاق لتسوية مشكلة الشرق الأوسط، كتمهيد للمطالبة بتعويضات من الدول العربية أو دفعها إلى التراجع  عن الإصرار على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وهناك صور أخرى تدل على التفاني في خدمة الإنسان لشعبة وقضيته وان لم يكن قائدا أو زعيما تتمثل في ادعاء كاديش بن عامي الذي اعتقل في الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الماضي للاشتباه به للتجسس لصالح إسرائيل حيث قال لمحققيه أنه لم يتقاض أي أموال بل عمل إيمانا منه بأنه يساعد إسرائيل، والصورة الثالثة والأخيرة هي ما جاء في كلمة وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني في منتدى الدوحة الذي عقد قبل عدة أيام بحضور قادة العرب أصحاب الاهتمامات الرفيعة  بأن إسرائيل ليست طرفا في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، بل أن الصراع هو بين "المتطرفين" و"المعتدلين " على حد زعمها أمثال هؤلاء القادة أصحاب الاهتمامات الرفيعة "والمتطرفين" أمثال إخوانهم المحاصرين في غزة الذين يموتون جوعا ومرضا أن لم يموتوا قتلا على يد جيش ليفني.

ولكن رب قائل يقول أن في أوروبا هناك مسابقات لجمال القطط والكلاب، نعم لكن يجب أن لا ننسى أن هناك اختلاف كبير وفرق شاسع فالأوربيين يمكنهم فعل ذلك إلى جانب اهتماماتهم الأخرى التي ترمي إلى تقدم شعوبهم والحرص على راحتها ومستقبلها مما يحول الاهتمام بمثل هذه المسابقات إلى نوع من الهواية التي من شأنها أن تسلي وتروح عنهم وتذهب عنهم عناءهم الناتج عن انشغالهم في الاهتمامات المفيدة الأخرى  في حين يعتبر القيام بهذه المهرجانات التي تقام في الدول العربية في الظروف التي تمر بها امتنا شيء من اللهو والعبث وعدم الإحساس بما يجري حول من يجب أن يكون همهم الأمة وهمومها لأنهم اقدر من غيرهم على حمل هذه الهموم ولو بحكم امتلاكهم للمال الذي يرد إليهم من عائدات النفط الذي قدمت الولايات المتحدة الأمريكية حليفتهم إلى المنطقة العربية من اجله لتكمل صورة الحفاظ على حياة البداوة التي ينشدونها حين تعيدهم قصرا إليها بعد أن تستحوذ على نفطهم وحينها لن تدع هذه الصور المتناقضة تماما أمام  المتأمل فيها خيارا لا أن يقف مهما صغر فهمه وقل إدراكه مذهولا حين يربط بين اهتمامات قادة العرب وأوضاع شعوبهم وبين اهتمامات قادة غيرهم وأوضاع شعوبهم فيدرك يقينا أن صغر الاهتمامات يولد الانهزامات.