تعهد بالبراءة من حماس
د. طارق ياسين
إن لم يكن جميعهم، فإن أغلب الذين اعتقلوا أو طُلبوا للمقابلة من أعضاء حماس وأنصارها، لدى الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، بعد أحداث غزة، قد أمروا بتوقيع تعهد ألا يشاركوا في أي من نشاطات حماس، وألا يقدموا إليها أي دعم لها أو لأي من المؤسسات التابعة لها، وألا يؤجروها عقاراً، أو يجعلوا تحت تصرفها شيئاً من أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، ...الخ .
ويرافق ذلك عملية مسح دماغ من خلال عملية ( شيطنة حماس) إن صح العبير، وأنها لم تعد محلاً للثقة التي أولاها إياها الشعب الفلسطيني، ولا تستحق أن يصوت لصالحها مستقبلاً.
ما سبق يعني أن حركة حماس في الضفة هي حركة محظورة، ليس عند المحتلين فحسب، وإنما أيضا لدى الحكومة المعينة في الضفة وأجهزتها الأمنية، وأن هناك سياسة ممنهجة لإقصاء حماس من المشهد الفلسطيني، وإذا كنا لا نتعامى عن الدور الأمريكي والصهيوني في هذه السياسة، فإن العوامل الداخلية المحركة للأجهزة " الفلسطينية"!! بحاجة إلى تفسير وتحليل.
بالتأكيد فإن الهزيمة القاسية لهذه المجموعة في الانتخابات البلدية ومن ثَم التشريعية، وفيما بعد الفشل الذريع للانقلاب في قطاع غزة، والذي عمق الجراح وعظّم المصاب، مما عزز الرغبة بالثأر والانتقام وأدى إلى القناعة أو الشعور بأن الحل الوحيد هو غياب حماس أو بالأحرى تغييبها، وحيث إن الحكومة المعينة لا تمتلك الشرعية الدستورية، ولأجل " شرعنة" الانقلاب في الضفة، ولأن نتيجة الانتخابات لم تكن على هواهم، فإنهم لا يملون الحديث عن موضوع الانتخابات التشريعية المبكرة، والتي يحبون أن يضيفوا إليها الانتخابات الرئاسية أيضاً للتظاهر بالنزاهة والموضوعية.
إن هؤلاء ليس لديهم الثقة بأنهم سيفوزون على حماس في أية انتخابات قادمة، لأن الفساد لم يتراجع بل يتعزز عندهم، ولأن رصيدهم النضالي يتآكل، لا بل أضحت صورتهم مرتبطة بالمحتلين والأمريكان، فضلاً عن عدم تحقق إنجازات سياسية أو اقتصادية تضفي بعض المساحيق على الصورة القبيحة، فيما رصيد حماس يتعاظم وصورتها تبدو أشد بريقاً، ولذلك فالمطلوب تشويه صورة حماس لدى أنصارها أولاً وضمان عدم قيامهم بأي نشاط من شأنه أن يحقق للحركة أي نجاح، وبهذا تفوز الجهة المقبولة أمريكياً وصهيونياً، والمتناغمة مع المحيط الرسمي العربي.
وكذلك فإن محققي الأجهزة الأمنية لديهم حرص شديد على متابعة أعضاء كتائب القسام واعتقالهم وتفكيك خلاياهم ومصادرة أسلحتهم، تنفيذاً للتنسيق الأمني وتحت ذريعة ملاحقة تشكيلات " القوة التنفيذية" في الضفة كيلا تفاجئهم بمثل انقلاب غزة؟! وفي سبيل ذلك تجري محاولات لفبركة اعترافات بهذا الخصوص، وقد ظهر بعضها على وسائل الإعلام، واستشهد الشيخ مجد البرغوثي في محاولة فاشلة.
لكن ما يدعو للدهشة في تصرف المحققين هو حرصهم الشديد على أن يدلي المعتقلون باعترافات جديدة لم يعترفوا بها أثناء اعتقالهم عند الصهاينة لتكون أدلة اتهام يعتقلون عليها من جديد ويحاكمون بسببها مدداً طويلة، وقد ووجه عدد من معتقلي حماس عند المحتلين باعترافاتهم التي انتزعت منهم عنوة لدة الأجهزة الأمنية في الضفة، وحوكموا على أساسها؟! ويعجب المرء من هذه النفسيات ودرجة حقدها وسعيها الحثيث للانتقام من خصومها وتغييبهم بأي طريقة مهما بلغت خستها.
وفي السياق ذاته جاءت الحملة على المؤسسات والجمعيات القريبة من حماس إذ جرى إغلاق العشرات منها بذرائع واهية، وحتى المؤسسات التي لم يجدوا أية مبررات لإغلاقها فإنها لم تسلم من الاقتحام ومصادرة الأجهزة والأثاث، وأغرب ما في الموضوع أنه يرافق عمليات الاقتحام "تكنيس" المؤسسات من جميع المحتويات بما فيها المكاتب والكراسي وأدوات القرطاسية وحتى الكؤوس والفناجين والمكانس وورق التواليت.
عدا عن النفسية المعبأة بالرغبة في الانتقام، والخاضعة للإملاءات الخارجية، فيبدو أن أصحاب مثل هذه التصرفات يظنون أن بإمكانهم إلغاء واستئصال حركة بمجرد إبعاد اللافتات والرموز الدالة عليها، كما أنهم يفترضون أن أعضاء هذه الحركة وأنصارها سينفرط عقدهم بمجرد إلغاء المؤسسات التي يعملون بها، ناسين أو متناسين أن وجود هذه المؤسسات هو تابع لامتداد الحركة وليس العكس، وربما هم يسقطون بعض ما في نفوسهم لأن واقعهم الأخير هو نتاج التشكيلات التي ينضوون تحتها ولا يتوقع بقاء تجمعاتهم بغياب هذه التشكيلات، كما أن انضواءهم تحت هذه التشكيلات هو من باب الارتزاق وليس مبدئياً، بعكس أنصار حماس.
لا يدري المرء هل يحمل على أمثال هؤلاء أم يرثي لحالهم، ولكن التاريخ يخبرنا أن أعوان المحتلين إلى زوال، وأنه سرعان ما يتخلى عنهم ويركلهم بعد فشل مهماتهم القذرة، ولن يضير المجاهدين من خالفهم ولا من خذلهم، فالله تعالى حسبهم وهو نعم المولى ونعم المصير، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.