لماذا غاب العرب
عن القمة العربية في دمشق !!!؟؟؟؟
د.خالد الأحمد *
انتهت قمـة دمشق ، التي قاطعها نصف القادة العرب ، بل اسمحوا لي القول بأنه النصف موهم جداً ، ولكنه معظم العرب حقيقة ، فهل تقارن مصر بقطر !!؟ وهل تقارن الإمارات بالسعودية !!!؟ إذن في الواقع غاب عنها معظم العرب ....فلماذا غاب العرب عن القمـة العربية !!!؟؟؟
1- غاب العرب لأن النظام الأسدي منذ أواخر الثمانينات في القرن العشرين وقف مع الفرس ضد العرب ، بل وقف مع الفرس ضد حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يحكم العراق ، وسمح النظام الأسدي للطائرات الفارسية بالهبوط في مطارات البادية السورية ؛ لتتزود بالوقود والصواريخ ، وتعود لتقصف العراق الشقيق ؛ تقصف بغداد عاصمة بني العباس ، في طريق عودتها إلى إيران ...
ثم وقف مع القوات الأمريكية الصليبية الصهيونية ضد الشعب والجيش العراقي عام (1992) في حرب عاصفة الصحراء ، ولم يصدق العربي أن الجيش السوري حمل في السفن وأبحر في المتوسط مروراً بقناة السويس ؛ تحت حماية الطائرات الأمريكية للأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط ، وللعلم فإن كل أو معظم الطيارين الصهاينة هم طياريون أمريكان أيضاً ، يحملون الجنسية ، ويقودون الطائرة نفسها ، وكم كم أتمنى لو وجه هذا السؤال لحافظ الأسد ( الطيار ) كيف نميز الطيار الأمريكي عن الطيار الصهيوني ، وكيف عرفت أن الطائرات التي كانت تحمي جيشك العقائدي عندما أبحر في المتوسط وقناة السويس ، هل كانت أمريكية أم صهيونية ...!!!؟؟؟ ومن لايصدق يقرأ كتاب سمو الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز ؛ قائد ميدان العمليات في تلك الحرب في كتابه ( مقاتل من الصحراء ) ، فقد جاء فيه : أرسل حافظ الأســد قواته ( الجيش العقائدي البعثي العربي القومي ) لتقاتل جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية ( الأمبرياليةكلها ) ، هذه الدول التي يسميها حافظ الأسد الإمبريالية، وكم شتمها وعلمنا أن نشتمها، وحذرنا من مكرها وخداعها ، واتهم بعض العرب بأنهم عملاء لها ، وكان يلصق تهمة التعامل معها بكل من يعاديه ، وأولهم الإخوان المسلمون ، حيث كان يجبر تلاميذ المدارس في كل صباح خلال عقد الثمانينات على ترديد مايلي :(يسقط الاستعمار والإمبريالية والصهيونية وعميلتهم عصابة الإخوان المسلمين)، ثم هاهو يقف إلى جانب الصهيونية والإمبريـاليـة والاسـتعمار، ضد دولـة عربيـة ، يحكمها نفس الحزب وهو حزب البعث الذي أوصله إلى السلطة في سوريا.
جـاء في كتاب [مقاتل من الصحراء ]عن عاصفة الصحراء : (ص 268) :
بعد غزو العراق للكويت ، أوفد الرئيس حافظ الأسد العماد علي أصلان ليناقش معي مايمكن أن تقدمه سوريا ، ويعرف عن الرئيس السوري بغضه الشديد لصدام حسين أكثر من بغضنا له بكثير ، كما أيقنت أنه ليس من السهل على سوريا بصفتها حاملة راية القومية العربية أن تضم قواتها إلى قوات أمريكا في شن حرب على دولة عربية أخرى ، وكان شـوارتـزكـوف ينظر إلى السوريين بعين الحذر ، ولم يتصل بهم طوال المدة ، وقال لي العماد أصلان : إن القوات السورية تفضل أن لاتعمل بالقرب من القوات الأمريكية ....،
الطائرات الأمريكية تحمي القوات السورية من الصهاينة !!؟؟:
ويتابع الكاتب قوله : ثم أبحرت القوات السورية تحت الحماية الجوية الأمريكية !!أي حماية الطائرات الأميركية التي تقلع من حملة الطائرات في البحر الأبيض المتوسط ، [وهي الطائرات التي ساهمت في تدمير الطائرات العربية المصرية يوم (5/6/1967م) ، وهذه الطائرات الفانتوم نفس الطائرات عند الكيان الصهيوني ، والطيار الإسرائيلي هو طيار أمريكي أيضاً لأن كثيرين منهم يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية ].
يتابع كاتب مقاتل من الصحراء : ولفت نظري قدرة دولتين لم تكونا على وفاق من قبل على التعاون بشكل فعال لمواجهة خطر مشترك !! واستقبلت القوات السورية في ينبع وأصبت بخيبة أمل عندما عرفت أنهم أحضروا دبابات (ت 62) فقط ولم يحضروا (ت 72 )وعذرتهم لأنني أدرك أن عليهم حشد فرقتين على الحدود العراقية لمواجهة صدام !!! . وضعت السوريين غرب مشاة البحرية الأمريكية ، ثم عرفت أن الأمريكيين لايحبذون ذلك لأن دبابات السوريين تشبه دبابات العراقيين وخافوا من التباس الأمر عليهم ، لذلك استبدلت السوريين بالمصريين ، وسحبت الفرقة السورية إلى الخلف لتشكل احتياطي القوات المشتركة في المنطقة الشمالية ....
أطقم السيطرة الجويـة الأمريكية مقبولة عند الضباط الكبار السوريين فقط :
ويتابع الكاتب : وسارت عمليات التنسيق بين أطقم السيطرة الجوية الأمريكية والقوات المشتركة على مايرام ، وكانت العقبة الوحيدة هي أن السوريين لم يتحمسوا كثيراً للعمل مع هذه الأطقم الأمريكية ، ولست ألومهم على ذلك ، وبدا الضيق على شوارتزكوف وقال : سوف اسحبها فوراً ، قلت له : إننا بحاجة لها ، أرجوا أن تطلب من رجالك التحلي بالصبر ، وألا ترسلهم إلى السوريين الآن ، وفي اجتماع مع اللواء علي حبيب (قائد الفرقة السورية ) قلت له : أرجوك أن تخبرني إذا كان لديكم أوامر تمنعكم من العمل مع أطقم السيطرة الجوية الأمريكية ( وهي وحدات تميز الطيران وتتفاهم معـه ) ، فأنا أقدر موقفكم وسأدافع عنه ، أجاب : أبداً بل العكس ، ليس لدينا أية مشكلة معها ، نرحب بوجود هذه الأطقم معنا ، وأخبرني فيما بعد المقدم طيار عايض ثواب الجعيد أن السوريين في المستويات الدنيا رفضوا قبول الأطقم الأمريكية من قبل ، بينما كانت مقبولة من الضباط الكبار فقط ، واستغرقت تسوية المشكلة أياماً عدة ، ثم وافق السوريون على العمل مع الأمريكيين، كما أنهم عاملوهم معاملة طيبة وأكرموا وفادتهم ، وعندما ذهبت لزيارة القوات السورية ، تناولت الغداء مع الضباط السوريين في حضور أطقم السيطرة الجوية الأمريكية أيضاً ، وسارت الأمور بين الجانبين على نحو أفضل مما كنت أتوقع .
هكذا لم يكن يتوقع الكاتب أن يتفاهم البعثيون مع الامبرياليين ، والكاتب معذور لأن كل إنسان عاقل لايستطيع أن يفهم ذلك ، لأنـه مخالف للمنطق والمألوف ، فلماذا نغمـز على اليسـار ثم نذهب إلى اليميـن !!!؟ لماذا نربـي أجيالنا على مدى بضع عقود على كـره الامبريالية ، ثم نتعـاون معها على محاربة اشـقائنا البعثيين في العراق .
وللحديث صلة ...
لماذا غاب العرب عن القمة العربية في دمشق
2 !!!؟؟؟؟
انتهت قمـة دمشق ، التي قاطعها نصف القادة العرب ، بل اسمحوا لي القول بأنه النصف موهم جداً ، ولكنه معظم العرب حقيقة ، فهل تقارن مصر بقطر !!؟ وهل تقارن الإمارات بالسعودية !!!؟ إذن في الواقع غاب عنها معظم العرب ....فلماذا غاب العرب عن القمـة العربية !!!؟؟؟
ورأينا في الحلقة الأولى أن السبب الأول هو أن النظام الأسدي لايقف مع العرب ، فقد وقف مع الفرس طوال الحرب العراقية الايرانية ، ثم وقف مع الامبريالية الأمريكية وحلف الناتو ضد العراق البعثي العربي الشقيق عام (1991) في حرب عاصفة الصحراء ...
2- والنظام الأسدي قتل الشعب العربي في لبنان ، منذ (1976م) عندما أخذ الضوء الأخضر من ( كسينجر ) وإسرائيل من أجل ذبح الشعب اللبناني والمقاومة الفلسطينية ، فكانت النتيجة أن ذبح من المقاومة الفلسطينية أضعاف ماذبحه الصهاينة :
دخل لبنان تحت مظلة ( قوات الردع ) وصار يقف إلى جانب فئة ليقتل فئة أخرى ، فوقف مع النصارى ضد الفلسطينيين .
ونفذ مجزرة ( تل الزعتر) التي قتل فيها ألوف الفلسطينيين ، بعد أن قطع عن الحي الماء والكهرباء والطعام عدة أيام، مماجعل بعض الأهالي كما قيل يأكلون الكلاب خوفاً من الموت جوعاً .
ثم وقف مع الدروز ليقتل النصارى ، ومرة أخرى وقف مع جماعة أمل الشيعية ليقتل الدروز ، ثم وقف مع العلويين والشيوعيين ليقتل المسلمين السنة في طرابلس ، وهكذا يتضح أن مهمته في لبنان هي القتل ، ولم ينج من رصاصه أحـد ، أما الشيعة من جماعة أمل وحزب الله فقد كواهم بناره أكثر من مـرة .
موافقــة الولايات المتحدة وإســرائيل
لكن كيف يدخل لبنان ، ويتصرف فيه حسب مصالحه الشخصية والطائفية والعشائرية ؟ لابد من موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل ، وقد استطاع حافظ الأسد أن يحصل على هذه الموافقة ؛ عندما تعهد بتصفية المقاومــة الفلسطينية واللبنانية ، فقد نشـرت صحيفــة الجماهير الأسترالية أنه في يوم (12/4/ 1976م ) اجتمع في جونية كل من رفعت الأسد و(دين براون ) مبعوث الرئيس الأمريكي وعدد من قادة اليمين اللبناني ( الكتائب وأمثالها) واتفق المجتمعون على :
1ــ دعم ومساندة النظام السوري ، والسماح للمخابرات الأمريكية بتواجد أكبر في دمشق لكشف المخططات المعادية للنظام .
2 ـــ إضفاء صفة المشروعية على الوجود السوري في لبنان .
3ــ التمديد الدوري لقوات الطوارئ الدولية في الجولان .
4ــ تضع سوريا المقاومة اللبنانية تحت سلطانها ، وتضرب اليسار في الداخل والخارج .
5ــ تتعهد الولايات المتحدة بعدم تحرك إسرائيل على الجبهة السورية .
وفي ( 21/ 1 /1976م ) تحدث ناطق رسمي باسم البيت الأبيض قال إن الرئيس فورد تخلى عن معارضته لتدخل عسكري خارجي في لبنان ، وإن الولايات المتحدة كان من الضروري عليها ، أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة ومآرب سوريا ونواياها .
وفي( 29 / 1 /1976م )تحدث ناطق رسمي باسم الخارجية الأمريكية قائلاً إن الولايات المتحدة تعترف بأهمية الدور الذي تقوم به سوريا ، بالنسبة لتسوية الأزمة اللبنانية .
وفي ( 27 / 1 /1976م ) نقلت وكالة اليونايتد برس من واشنطن بأنها كانت تقوم بنقل الرسائل من الكيان الصهيوني إلى سوريا ، حول الوضع في الجنوب اللبناني ، وقال (فريدريك براون) إننا على اتصال مع حكومات إسرائيل وسوريا ولبنان ، وإننا نراقب الوضع عن كثب ، واعترفت الصحف الإسرائيلية بأن اتصالات من هذا النوع قد جرت ، وأوضحت أن سوريا أكدت لمسؤولين أمريكيين أن وجود قواتها في الجنوب إنما يستهدف المقاومة واليساريين اللبنانيين . ولهذا وقف اليهود والأمريكان إلى جانب التدخل السوري في لبنـــان .
ونقلت رويتر في (15 / 4 /1976م ) قول كيسنجر إن الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في لبنان ، وإننا شجعنا البادرة السورية هناك ، وإن الوضع يسير لصالحنا ويمكن رؤية خطوط تسوية .
ونقلت الشرق الأوسط في ( 18 / 8 /1977م ) في تعليق لها على اجتماع الأسد بكارتر في جنيف تقول :
إن عملية إخضاع المقاومة اللبنانية والفلسطينية في لبنان ، كانت جزءاً من استراتيجية كبيرة ، لإضعاف المقاومة ومعارضي التسوية،وقدم كارتر للأسد مكافأته بالاستجابة إلى طلبه والاجتماع به في جنيف بدلاً من واشنطن ، كما كان يفعل مع غيره من الرؤساء العرب .
وصرح موشي دايان لوكالة الصحافة الفرنسية في ( 5 / 6 /1976م ) قائلاً إن على إسرائيل أن تظل في موقف المراقب ، حتى لو غزت القوات السورية بيروت واخترقت الخط الأحمر ، لأن غزو القوات السورية للبنان ، ليس عملاً موجهاً ضد أمن إسرائيل.
ونقلت إذاعة إسرائيل عند بداية التدخل السوري في لبنان تصريحاً لرئيس وزراء إسرائيل (إسحق رابين ) قال : إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان ، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين ، وتدخلنا عندئذ سيكون بمثابة تقديم دعم للفلسطينيين ، ويجب علينا أن لانزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة بالنسبة لنا .
ونشرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في العدد ( 12)تاريخ (30/ 6/1980م ) عن صحيفة ها آرس الصهيونية مايلي :
يتوقع رئيس شعبة الاستخبارات الصهيونية اللواء (يهو شاع ساغي )، تصعيداً في عمليات المقاومة من الأردن ، لأنهم يواجهون مصاعب في لبنان ، ولأن الجولان مغلقة أمامهم ، وإن أخطار نشوب حرب في العام القادم ضئيلة ، إلا في حال حدوث تغيرات مفاجئة مثل انقلاب في سوريا ، أو تدهور الوضع في لبنان .( انظر محمد عبد الغني النواوي ـ الصراع العربي الإسرائيلي ) .
عمليات جيـش الأسـد في لبنـان
هب المسـلمون صفاً واحداً بعد مجزرة ( الكارنتينا ) التي دبرها حزب الكتائب ضد المسلمين ، وانضم المسلمون يقاتلون في إطار منظمة التحرير أو الحركة الوطنية أو جيش لبنان العربي ، وتمكنت القوات الوطنية من احتلال شتورا ، وزحلة ، وزغرتا ، والدامور ، والسعديات ، ودارت الدائرة على الموارنة ، وأخذت مدفعية جيش لبنان العربي تدك قصر الرئاسة في بعبدا ، فهرب رئيس الجمهورية سليمان فرنجية إلى زغرتا ، وسيطر الجيش العربي على معظم لبنان بقيادة الضابط أحمد الخطيب ، وبات مؤكداً أن الوضع سينتهي لمصلحة الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية ، وفي هذا الظرف الحرج تحرك حافظ الأسد لينفذ الأوامر التي صدرت إليه من تل أبيب وواشنطن .
وبمجرد وصول القوات السورية بعد موافقة جامعة الدول العربية التي تكفلت بتغطية نفقات قوات الردع السورية ، تخلت الصاعقة عن منظمة التحرير ، كما تخلى حزب البعث اللبناني عن الحركة الوطنية ، وهكذا شق الأسد المنظمة والحركة منذ اليوم الأول ، كما تخلت أمل الشيعية عن جيش لبنان العربي والحركة الوطنية ، بعد أوامر موسى الصدر لهم ، ووقف الدروز على الحياد يتفرجون على ذبح المسلمين،وهاهي النتائج العسكرية :
1ــ انتصرت القوات السورية انتصاراً ساحقاً على القوات المشتركة في سهل البقاع وعكار والجبل وصيدا ، وفرضت حصاراً في البر والبحر والجو ، ومنعت وصول المؤن والذخائر إلى المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية ،واستولت القوات السورية على مواد غذائية أرسلت من الفلسطينين في الخليج إلى القوات المشتركة .
2 ــ تركت القوات السورية ميناء جونية الذي يسيطر عليه حزب الكتائب ، ليتنفس منه الموارنة والصليبيون ، والتجار من الضباط السوريين الكبار .
3 ــ طارد الجيش السوري كل معارض سوري أو لبناني، واعتقله أو قتله إن لم يتمكن من الفــرار .
4 ــ ساهمت القوات السورية في حصار تل الزعتر ، بالتعاون مع الكتائب ، وبدأ الحصار في أواخر حزيران ، وسقط المخيم في (14 / 8 / 1976م ) بعد حصار أكثر من شهر ونصف ، ومنعت القوات السورية وصول الطعام والماء والذخيرة إلى المخيم ، كما شاركت في الإعدامات وهتك الأعراض والنهب تحت قيادة العقيد علي مدني [ قائد الشرطة العسكرية ، ومن رجال الحركة التصحيحية 1971م] .
5 ــ فعلت منظمة الصاعقة وقوات الردع السورية الأفاعيل في لبنان من نهب المصارف، والسيارات والمخازن والمستودعات .
قـال الفلسطينيون عن الأســد
يقول كمال جنبلاط في كتابه ( هذه وصيتي ) في الصفحة ( 105) : نقل عن ياسر عرفات قوله للأسد عند اجتماعه به في (27/3/1976م) إن قلب المقاومة ومستقبلها موجود في لبنان ، وإن إرهاب الجيش السوري والصاعقة لن يفيد ، وإنه يعز علينا أن نصطدم بالجيش السوري ونحن على مرمى مدفعية العدو الصهيوني والأسطول السادس الأمريكي . فكان رد الأسد ( ليس هناك كيان فلسطيني ، وليس هناك شعب فلسطيني ، بل سوريا وأنتم جزء من الشعب السوري ، وفلسطين جزء من سوريا ، وإذن نحن المسؤولون السوريون الممثلون الحقيقيون للشعب الفلسطيني).[ أقول : هذا هو منطق الحزب القومي السوري المنقرض ، والذي يتناقض أساساً مع عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي ، والذي يطل برأسـه اليوم ليدخل الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا ] .
ويقول صلاح خلف ( أبو إياد يرحمه الله ) في مجالسه الخاصة أرسل ياسر عرفات اثنتي عشرة رسالة إلى حافظ الأسد يطالبه بفك الحصار المفروض علينا في بيروت ، وعندما لم يتلق جوابـاً أرسل مبعوثاً خاصاً، وبعد أن سلم رسالة عرفات ، وعرض عليه سوء الأوضاع وصلف العدو أجاب الأسـد :
(أنـاأريـد أن تهلـكوا جميعـاً لأنكم أوبــاش)
يقول صلاح خلف ( يرحمه الله ): عندئذ أدركنا تآمر أسد علينا ، وأن له أوثق العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة وحزب الكتائب .
وفي حزيران (1982م) اجتاحت إسرائيل لبنان ، ووصلت إلى بيروت وحاصرت الفلسطينيين،ولم يستطع حافظ الأسد أن يحميه منهم ، وعندما حاول استخدام السلاح الجوي السوري تساقط كالعصافير بالصواريخ الإسرائيلية، وخسرت سوريا معظم طائراتها يومذاك .[ أقول : وسرذلك أن النظام السوري سـرح الطيارين الأكفاء ، وأبعدهم عن سلاح الجو السوري خوفاً منهم ، وترك أزلامه ومؤيديه فقط].
ثم ترسخ الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان ( الحزام الأمني ) ، كما ترسخ الوجود السوري في شمال لبنان ووسطه ، وكانت هناك خطوط حمراء معترف بها سراً بين سوريا وإسرائيل بواسطة الولايات المتحدة . وصارت إسرائيل تقتل اللبنانيين والجيش السوري يتفرج عليهم ، كما في مذبحة ( قـانـا ) عام( 1996م ) ، وقانا تبعد عشرات الكيلومترات عن تمركز القوات السورية في لبنان وعددها قرابة أربعين ألف جندي [حدثني زميل أثق به أدى خدمته العسكرية في الجيش السوري في لبنان يقول : كنا متمركزين في عمارة (غير جاهزة ، على العظم ) بالقرب من البقاع ، وكانت المدفعية الإسرائيلية تقصف المنطقة دوماً ، وتدمر مواقع للفلسطينيين والمقاومة اللبنانية بالقرب من مواقعنا ، ولما امتلأت العمارة التي نسكنها بالأوسـاخ ، وطلب الضباط الصغار أن ننتقل منها إلى عمارة مجاورة أخرى رفض قائد الكتيبة طلبنا ، وبقينا عدة شــهور في هذه العمارة ، وقد امتلأت بالأوساخ ؛ مع وجود عمارات أخرى فارغة ، واستنتجنا فيما بعد أن هذه العمارة محملة عند إسرائيل ؛ على الخرائط العسكرية عندهم ، كي يتحاشونها أثناء القصف المدفعي .
وذات يوم كنا ثلاث دوريات على حدود الحزام الأمني ، دورية سورية ، والثانية فلسطينية ، والثالثة للمقاومة اللبنانية ، وكان على الدوريات أن تمر بفاصل زمني قرابة نصف ساعة بين الدورية والأخرى ، يقول مرت الدورية الفلسطينية ، في سيارة جيب صغيرة ، ومع ذلك قصفها الأسرائيليون وأصابوا السيارة وهرب الفلسطينيون منها ، ثم جاء دورنا بعد نصف سـاعة ، وكررت الشهادتين لأنني أيقنت بالموت عندها ، ومعنا سيارة شاحنة ( زيل ) كبيرة جداً ولها هوائي طويل ويشاهد من مسافات بعيدة ، ولما وصلنا إلى السيارة الفلسطينية المحترقة ترجلنا وأزحنا ها عن الطريق ؛ ثم عدنا إلى سيارتنا الكبيرة ، وتابعنا المسير بسلام ، ولم تطلق علينا إسرائيل أياً من صواريخها ؛ كما أطلقته على الدورية الفلسطينية ، ولما جاء دور دورية المقاومة اللبنانية الذين اطمأنوا نوعاً ما لأن الإسرائيليين لم يقصفونا ، ووصلوا إلى المنعطف الخطير قصفهم الإسرائيليون وأعطبوا سيارتهم ..
يقول باترك سيل ، ص (450) من الطبعة الأولى (1992) :
كيسـنجـر هو المخطط :
بعد أن تحالف الفلسطينيون والدروز واليسار والمسلمون ضد المسيحيين في لبنان ، وحقق هذا التحالف تقدماً سياسياً وعسكرياً .. يقول سيل :
[ وعندما كبر خطر الأزمة اللبنانية واستطار في ربيع عام (1976) أصبح هم كيسنجر أن يكسر حدة هجوم الوطنيين والفلسطينيين التي انتشرت كالمد تكتسح أمامها كل شيء ... ولم يكن كيسنجر يستطيع أن يتجاهل انتصارات اليسار ، فالاتحاد السوفياتي هو الطرف الرابح منها ، وكان هناك هم مستعجل أكثر : هو ما الذي ستفعله إسرائيل وسوريا . فكلاهما كانتا تريان لبنان ضرورياً وحساساً لأمنهما ... ثم خطرت لكيسنجر فكرة أكثر دهـاء لعلها هبطت عليه وهو متجـه إلى المطار في واشنطن (29 /3 / 1976 ) لاستقبال الملك حسين ملك الأردن .
كان الخط المعروف في أميركا وإسرائيل هو تخويف الأسد كي يبقى خارج الحلبة اللبنانية ، بينما يترك الفلسطينيون واللبنانيون يتذابحون حتى النهاية ، كانت هذه غريزة إسرائيل ، وكيسنجر أيضاً ، ولكن فكرته البارعة المفاجئة هي قلب هذا المفهوم رأساً على عقب ، فقد خطر لكسينجر أن السياسة الصحيحة ليست تخويف الأسد من دخول لبنان ، بل تخويفـه من عدم دخول لبنان ، وبدلاً من القول له : إذا دخلت فسوف تدخل إسرائيل فإن الرسالة الأكثر دهاء هي أن يقال له : إذا لم تدخل ؛ إذن إسرائيل ستدخل بالتأكيد .
وقد استطاب لكيسنجر موقف يضطر فيه الأسد إلى ســحق الفلسطينيين بدلاً من حمايتهم ، لمنعهم من التسبب في الغزو الإسرائيلي .
إن الفوائد لأمريكا وإسرائيل يمكن أن تكون عظيمة جداً ، فالفلسطينون سيتم قهرهم وضبطهم ، واليسار يتم احتواؤه ، والأسد سوف يتلوث وتنسف مكانته بسسب فعلته الشنعاء عند العرب .
ولكن على كسينجر إقناع إسرائيل بقبول دخول جيش سوريا إلى لبنان ، وتطمين سوريا أيضاً أن إسرائيل لن تعارض دخولها لبنان ...
وجادل كيسنجر الإسرائليين منطلقاً من قوله أنه يعرف مصلحة إسرائيل أكثر من الإسرائيليين أنفسهم ، وحصل على موافقة ( مدرخاي غور رئيس الأركان ، و( شلومو غازيت ) رئيس المخابرات ، ,أخيراً تم إقناع رابين بأن دخول الجيش السوري لبنان سوف يضعفه ، ويبعده عن التفكير في الجولان ...
اتفاقية الخطوط الحمـر :
وهكذا وضعت اتفاقية الخطوط الحمر الشفوية القاضية أن إسرائيل تقبل وجود قوات سورية في لبنان شريطة أن لاتتجاوز مرابض الصواريخ السورية (سام ) جنوب طريق دمشق بيروت ، وشريطة أن يكون الانتشار في البحر والجو محدوداً . وهذا الفهم الشفوي للخطوط الحمراء بعث بهل وزير الخارجية الاسرائيلي ( أيغال آلو ن ) إلى كيسنجر الذي نقلها بدوره إلى دمشق ... وهكذا صار بإمكان السوريين أن يتحركوا ضد الفلسطينيين في لبنان دون تدخل إسرائيل ..
وفي (27 /3 /1976 ) اجتمع حافظ الأسد سبع ساعات متتالية مع كمال جنبلاط ، خرجا من الاجتماع متخاصمين ، ولم ير أي منهما الآخر بعد ذلك ( حيث تم اغتيال كمال جنبلاط في 16 /3 /1977 ) ... فقد اعترض مسلحون سيارته وطلبا من الحراس الخروج من السيارة ، ثم أطلقوا الرصاص على رأس كمال جنبلاط .
ويتابع باترك سيل : غير أن الأسد قد ملأه الفزع من احتمالات وجود لبنان متشـدد مغامر عند خاصرة سوريا ، يستفز إسرائيل ، ويجعل الغرب يجفل من إطلاق العنان للفلسطينيين .
وفي ( 31 /5 /1976 ) عبرت الطوابير السورية المدرعة الحدود السورية اللبنانية بقوة ، وعلى الفـور فكـت حصـار الفلسطينيين اليساريين عن المعاقل المسيحية ، ولاسيما مدينة زحلة الهامة في سهل البقاع ، وفيما بعد عندما رفضت القيادة الفلسطينية انذاراته ، أرسل المدفعية والطيران لدعم تحرك قواته أعمق فأعمق في لبنان ، ووقعت اشتباكات حادة على طريق بيروت دمشق وفي ميناء صيدا في الجنوب وحوله ، وفي أرض فتح على سفوح جبل الشيخ وحول ميناء طرابلس في الشمال . وفي أواخر حزيران (1976) كانت القوات السورية تحاصر المعاقل اليسارية والفلسطينية ، وخطوط إمدادها وتموينها في البـر والبحـر وتيسطر على ثلثي لبنان تقريباً ، وتركت القطاع الساحلي الآهل بالسكان .
جعل التدخل السوري الفلسطينيين واليساريين يتحولون من الهجوم إلى الدفاع ، كما مكن المسيحيين من التحول إلى الهجوم ، وخاصة في مخيم تل الزعتر الكبير الواسع في ضواحي بيروت الشرقية ، فحاصروه وفيه ثلاثون ألفاً من الفلسطينيين ، حتى سقط في (12 /8 /1976 ) بعد حصار دام اثنين وخمسين يوماً من الحصار الوحشي ، وقد مات فيه حوالي ثلاثة آلاف مدني معظمهم ذبحوا بعد سقوط المخيم في أيدي ( النمور ) جيش كميل شمعون .
وفي تلك الأثناء كانت إسرائيل تراقب الأسد وهو يتقلب في المستنقع اللبناني دون أن تخفي سرورها ، وقال رابين ساخراً إنه لايرى حاجة للتشويش على الجيش السوري في قتلـه ( لإرهابيي عرفات ) . وقد أثبتت حسابات كسينجر صحتها ..
وعلق صلاح الدين البيطار في مقال نشرته اللوموند يقول فيه : كيف أمكن لسوريا ، قلب العروبة النابض ، أن تشترك مع الانعزاليين المسيحيين في نهج غريب عن تقاليدها ؟ ثم أجاب عن السؤال بطريقة مؤذية بأن السبب هو طبيعة السلطة في دمشق ، فهي منعزلة منقطعة عن الشعب ، وتخنق كل ديموقراطية . [ واغتالت مخابرات الأسد صلاح الدين البيطار بعد ذلك بشهور قليلة ] .
وبحلول شهر تشرين أول (1976) كانت هناك ميلشيا مسيحية مؤدية لإسرائيل على حدود لبنان يقودها الضابط الماروني سعد حداد ، وتعمل كجهاز إنذار مبكر على طول الحدود .
وأخيراً عاثت وحدات أمن النظام الأسدي في لبنان مايخجل من ذكره التاريخ ، نهبوا البيوت ، والبنوك ، و(شطبوا ) بنك المدينة جميعه ، على يد اللواء رستم غزالي ، ولما فكر الرئيس رفيق الحريري بالبحث ومعاقبة اللصوص قتلوه مع مرافقيه ، وقتلوا قبله وبعده عشرات اللبنانيين من صحفيين ووزراء ونواب وكل من عارض سياسة النهب والتسلط الأسدية في لبنان ...
وللحديث صلة ...ونحن نبحث عن جواب للسؤال لماذا غاب العرب عن القمة العربية في دمشق !!!؟؟؟
*كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية