الإخوان المسلمون
بين السيارة الجيب وعسكرية 2008م
عبده مصطفى دسوقي
باحث تاريخي وطالب ماجستير في التاريخ الحديث
[email protected]
ستون عاما هي عمر الفترة التي تفصل بين أكبر قضية هزت الرأي العام في وقتها وهي قضية السيارة الجيب والتي اكتشفت في 15 نوفمبر 1948م، والتي كشفت عن أكبر تنظيم عسكري منظم للإخوان متمثل في النظام الخاص، وبين المحاكمات العسكرية التي أحال فيها رئيس الجمهورية أربعين من قيادات الإخوان المسلمين بدون تهمة واضحة.
غير أن ما استوقفتني هي ظروف وملابسات هاتين القضيتين، فالسيارة الجيب سقطت في العهد الملكي الذي اشتهر –كما يقال بالفساد فجاءت الجمهورية فطهرت البلاد منه- كما انها سقطت في وقت في وقت اندلاع الحرب في فلسطين وكانت الأحكام العرفية مفروضة وقائمة بحكم الحرب والتوترات، وقدم لهذه المحاكمة 32 فردا من التنظيم الخاص ممن تيقنت النيابة أن لهم دورًا في النظام الخاص بالرغم من ورود أسماء أخرى غير أن الأدلة كانت ضعيفة نحوهم، كما كانت كمية المضبوطات كثيرة داخل السيارة الجيب من أوراق تكشف عن منهج ومبادئ وأهداف وتدريبات وتشكيلات وشفرات النظام، كما كان من ضمن هذه المضبوطات بعض الأسلحة التي كان يتدرب عليها الإخوان المتجهون لفلسطين للدفاع عنها، ولقد تركزت أسئلة النيابة حول الموال التي كان ينفقها النظام ومن أين يحصلون على الأسلحة وكيف كان الأستاذ أحمد حسنين –عليه رحمة الله- كان يحصل على السلاح من الصحراء وظلت المحاكمة قائمة لمدة ثلاثة سنوات بلغت عدد أوراق القضية لآلاف الأوراق فقد كانت التهمة واضحة وهي العمل على قلب نظام الحكم بالقوة وامتلاك أسلحة تضر بالصالح العام، وإيجاد تنظيم مسلح يعمل على زعزعة البلاد وكانت هذه التهم كفيلة بإعدام الـ 32 متهما كما ذكرت النيابة- هذا ناهيك عن اعتقال كل من ينتسب لهذه الجماعة بسبب ما ضبط وبالرغم من كونها جماعة محلولة في 8/ 12/ 1948م بالرغم من أن النقراشي حاول حل الجماعة بعد مقتل الخازندار لكنه عدل عن ذلك لأن الحادث فردي كما قيدت المحاكم ذلك.
غير أن ذلك لم يحدث بل لم يحاكم سوي من جاء اسمه صريحا في أوراق السيارة الجيب، ومن المفارقات العجيبة أن بعضا ممن جاء اسمهم صريحا وأثبتت النيابة والتحقيقات أنه العضو رقم (1) وانه محرك هذا النظام وهو عبد الرحمن السندي إل أنها أخلت سبيله فورا لعلمها بأنه مريض بالقلب ومع ذلك عاش الرجل حتى عام 1963م.
لكن ما يحدث اليوم في محاكمات عسكرية 2008م عجب العجاب، فقد قبض على معظمهم على خلفية عرض رياضي لطلبة الأزهر (أفرج عنهم لعدم ثبوت تهمة)كما اعتقل باقي الناس على فترات حتى وصل عددهم (40) وأعجب من ذلك أن ضم لهذه المجموعة أعداد تعيش في الحاج منذ الستينات كيوسف ندا وآخرون منذ عشرات السنين كتوفيق الواعي وأحمد عبد العاطي كل هؤلاء قدموا للمحاكمة عن طريق محضر من ضباط وليس مضبوطات، وعن طريق نيابة أمن الدولة العليا .. والسؤال هل هذه النيابة مستقلة؟ أم تابعة لوزارة العدل أم تابعة لوزارة الداخلية لتنفيذ أوامرها؟
وقدمت هذه المجموعة للمحاكم الطبيعية بتهمة غسيل الأموال والعرض العسكري الذي قام به الطلاب غير أن القضاء المصري برأهم عدة مرات وأطلق سراحهم غير أن الداخلية والنظام كان لهم رأي آخر فتم اعتقالهم، ولا أدري أهذه المحاكم تعمل في دولتنا أم هي محاكم مستوردة من جزر القمر؟ وهل النظام يحكم مصر أم أنه يحكم وطن أخر؟ فما الحكمة من عدم قبول أحكام قضاة الوطن، إلا أن يكون للنظام رأي آخر في الاستعانة بالقضاء الأجنبي فهذا حال الوطن في كل شيء الاستعانة بالأجانب في كل أمورنا.
وبعد ذلك فوجئ الجميع بقرار جمهوري بتحويل هذه المجموعة للمحاكم العسكرية – المشكوك في مشروعيتها- بنفس التهمة وهي التهمة التي لم تستطع المحكمة ولا دفاع النظام إثباتها على الإخوان ومن ثم عادت التهمة القديمة وهى العمل على إحياء تنظيم محظور وهي جماعة الإخوان المسلمين –بالرغم من مشروعيتها باعتراف الجميع في البرلمان الذي يمثل 88 عضو منها داخله- وليس ذلك فحسب بل صودرت أموالهم ووضعت تحت الوصاية غير الشرعية وكان القاضي في هذه المحاكمة ودن من طين وودن من عجين لأنه لا يهمه ما يقال إنما الحكم جاهز كما يمليه عليه النظام.
ناهيك عن عدم استشعار المحكمة لظروف المرض كما فعلت محكمة النظام الملكة بل أجريت لكثير من المحاكمين عمليات جراحية والحديد ممسك أيديهم بحديد السرير، بل منع الكثير من التداوي ولم تشفع هذه الأمراض لدى النظام، ففي العهد الملكي برأ القضاء الشامخ بحق ساحة الإخوان من تهمة الترحيب بروميل ومعاونته على الإنجليز في القضية رقم 883 جنايات عسكرية لسنة 1941م، وفي القضية التي هزت الرأي العام وهي السيارة الجيب برأ القضاء ساحتهم أيضا فلم يحكم سوي على خمسه بثلاث سنوات كانت قد انقضت في المحاكمات وأعلن أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة تعمل للصالح العام وأن غرضها مصلحة الوطن وذلك كما جاء في الحكم.
أما محاكمات 2008م فلا توجد تهمة غير أنها تهمة سياسية لكون هؤلاء ينتمون لأكبر فصيل سياسي يظن النظام أنه يهدد أركان ملكه ويقف في وجه توريث البلاد ونسى الجميع انه فصيل لا يهمه سوى الصالح العام.
والسؤال المحير حقا؟؟؟؟
كيف ينام الرئيس والقاضي ورئيس النيابة والضابط عاطف الحسيني الذي أعد التقرير المزور وهؤلاء دون تهمة في السجون وأولادهم معذبون؟
وكيف ينعم هؤلاء وهم مسئولون عن رعيتهم وفي رعيتهم أفراد يعاقبون دون ذنب؟
كيف ...كيف؟؟!!!!!