من لم يساند قطاع غزة المحاصر

من لم يساند قطاع غزة المحاصر ..

فليس له أن يعيب أردوغان لأنه بادر!

الطاهر إبراهيم *

إذا كانت قافلة الحرية التي سيرها نشطاء سعوا إلى كسر الحصار على "غزة" قد انتهت على غير ما أراده منظمو القافلة، وقتل فيها تسعة أتراك وأمريكي واحد، فإن هذه القافلة وما آل إليه أمرها قد نجم عنها خلطٌ لأوراقٍ كثيرة على الساحتين الفلسطينية والإقليمية.

فقبل أن تبتلع مياه البحر المتوسط بقايا دماء شهداء قافلة الحرية ثار جدل عنيف، ليس بين القاتل وبين من شجب جريمته النكراء فحسب، بل تولى كبره أناس لا يريدون أن يفعلوا شيئا للمحاصرين في غزة،وإذا سعى أحد لكسر الحصار قال فيه أولئك ما لم يقله مالك في الخمر.

لم يعد سرا أن القيادة المصرية لا تريد زوال الحصار عن غزة ما لم ترفع حركة "حماس" رايةَ التسليم وتعود إلى بيت الطاعة. هذه الرغبة كانت محصلة إرادات توافق عليها أطراف عدة، يأتي في مقدمتهم تل أبيب وواشنطن و القاهرة. وهذه النتيجة كانت قاب قوسين أو أدنى من النجاح يوم أن حاولت إسرائيل اجتياح قطاع غزة في شهر كانون ثاني 2009 ، توطئة لكسر ظهر"حماس" واقتلاعها من غزة. لكن المظاهرات العارمة التي اجتاحت مدنا أوروبية وعربية وإسلامية جعلت الذين أرادوا شطب "حماس" من المعادلة يعيدون حساباتهم.

وإذا كانت بعض الأنظمة العربية وقفت تتفرج، بانتظار إسدال الستار على النهاية المأساوية لحكومة "حماس" التي فاجأت الجميع بإعلان تمردها على قيادة "محمود عباس" في رام الله، فإن عاملا آخر فاجأ الجميع وقلب الموازين وهو ظهور "رجب طيب أردوغان" على الساحة الإقليمية رافضا "سيناريو" تصفية قضية الفلسطينيين وإبقائهم لاجئين في الشتات و"كانتونات" معزولة في الضفة الغربية والقطاع. وأكاد أجزم أن مواقف "أردوغان" الجريئة فرضت على الجميع إعادة حساباتهم سواء منهم من تواطأ مع تل أبيب ومن وقف يتفرج. كما أعطى دعما متناميا للجماهير التي نزلت إلى الشوارع تعبر عن رفضها للمشروع التصفوي.

وقد شحذت حادثة قافلة الحرية من جديد عزم المطالبين بكسر الحصار المضروب على غزة الذي استمر أكثر من ثلاثة أعوام. هذه المرة وضعت حكومة أردوغان نصب أعينها خيارا وحيدا لا ثاني له: "إن كانت إسرائيل تريد إصلاح علاقتها التي دمرت مع تركيا فليس أمامها إلا رفع الحصار وبشكل كامل عن قطاع غزة". طبعا هذا الأمر لم تفعله أي دولة عربية تقيم علاقات مع تل أبيب، أو أن لها تمثيلا بشكل أو بآخر مع الدولة العبرية.

هذا الموقف الذي صدع به "أردوغان" حاولت أقلامٌ كثيرة النيلَ منه. بعضها كان ينطق باسم هذه النظام العربي أوذاك، فحاولت الهجوم على موقف أردوغان، وتصوير خطابه الذي ألقاه في مجلس النواب التركي غداة هجوم إسرائيل على قافلة الحرية بأنه كان أقل مما تتطلع إليه الجماهير التركية. نستعجل لنقول لهؤلاء: لماذا إذن لم تبادر أنظمتكم التي تتكلمون باسمها بالإعلان عن مواقف أفضل من مواقف أردوغان أو قريبا منها؟

بعض من الذين انتقدوا أردوغان زعموا أنه يعبر عن مواقف تتعارض مع الطرح القومي العربي. وقد عبر عن هذا الرأي النائب اللبناني "عقاب صقر" في حلقة الاتجاه المعاكس التي أذاعتها قناة الجزيرة في 8 حزيران 2010. ومع اختلافي بالرأي مع الأستاذ "صقر"، أسجل هنا أنه كان أكثر تهذيبا من كثير من الذين كتبوا أو قالوا منتقدين مواقف أردوغان.

نضرب مثالا آخر على ضيق أفق هؤلاء، أن الشيخ "حارث الضاري" أمين عام "جبهة علماء المسلمين" في العراق –وهو من هو في خصومته مع إيران- صرح في 17 حزيران 2010 إلى قناة الجزيرة يمتدح أردوغان ويصفه بأنه داعم كبير لوحدة العراق شعبا وأرضا. فلو أن الشيخ "الضاري" المطلع على كل تحركات "أردوغان" نظر إلى الأمور و: "قاس البيض على الباذنجان"، (1) كما يفعل مثقفو التيار العروبي، ما كان ليصرح بما قاله آنفا.

هناك بعضٌ آخر من أصحاب الأقلام، لا يختلفون من حيث النتيجة مع التيار الذي يزعم أنه عروبي ويقيس الآخر بمقدار قربه وبعده من إيران.هؤلاء عندهم حساسية مفرطة تجاه التيار الإسلامي في المنطقة ويلتقون في النهاية مع موقف القيادة المصرية التي تعاني معاناة شديدة من قوة حركة الإخوان المسلمين ذات الوجود العريض في مصر. هؤلاء أخذوا على "رجب طيب أردوغان" دعمه اللامحدود لحركة "حماس". وقد ربط بين إعادة تطبيع علاقة تركيا مع إسرائيل برفع هذه للحصار المضروب على غزة رفعا كاملا.

وقد ساوى هؤلاء بين حماس ذات الخلفية الإخوانية وبين "رجب طيب أردوغان". وقد حاول بعض أقلام هذا التيار أن يضعوا أردوغان وحماس في جهة، ومصر ومعها المملكة العربية السعودية في جهة أخرى. وقد أراد هؤلاء وضع المملكة السعودية في ذات الجهة لما لها من مكانة مرموقة في المنطقة. لكن نسي هؤلاء أن علاقة "أردوغان" مع المملكة هي علاقة أكثر من ممتازة. فقد منح العاهل السعودي الملك "عبد الله بن عبد العزيز" رئيسَ الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" جائزة "الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام" في آذار 2010.

إذاكانت علاقة "أردوغان" مع المملكة العربية السعودية بهذه المتانة، فقد استغرب كثيرون أن ينزلق كاتب سعودي، فيكتب في صحيفة عربية مهاجرة منسجما مع سياسة هذه الصحيفة، ومخالفا للقواعد التي تعتمدها المملكة العربية السعودية في احترامها لزعماء الدول الشقيقة. وبدلا من أن يقول هذا الكاتب "عفارم" (2) "أردوغان" على دعمه لغزة المحاصرة وقد تخلى عنها الجار والشقيق، فقد أسفّ كثيرا عندما عنون لمقاله ب "خوازيق أردوغان العثماني". على أن الكاتب لم يأت في مقاله هذا بشيء سوى أنه أساء الأدب مع زعيم مسلم. من نافلة القول أن كتابا سعوديين كثرا يخالفون نهج هذا الكاتب. وقد رد عليه في نفس الصحيفة كاتب سعودي آخر من عشيرته.

يبقى أن نقول أنه في الوقت الذي لا يخجل فيه البعض من مهاجمة الزعيم التركي "رجب طيب أردوغان"، الذي يدعم القضايا العربية والإسلامية، نقرأ لرئيس وزراء اسبانيا السابق "خوسيه ماريا أثنار" مقالا يقرع فيه جرس الإنذار بعنوان: "ادعموا إسرائيل لأنها إذا انهارت انهار الغرب"، نشرته صحيفة التايمز اللندنية في 17 حزيران الجاري، وقد طالب فيه الدول الغربية بدعم "إسرائيل، لأنها أقرب حلفاء الغرب في منطقة مضطربة". وقد وصف الأزمة الناجمة عن الحصار الإسرائيلي لغزة بأنها ليست سوى ضجة تهدف إلى تحويل الأنظار، رغم إقرار "أثنار" (أن الدفاع عن "إسرائيل" ليس بالمهمة السهلة ولا تلقى قبولا شعبيا). 

انظروا ماذا يكتب أحد زعماء الغرب وماذا يكتب بعض أبناء جلدتنا!.

       &       

* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.

(1) "لا تقيسوا البيض على الباذنجان .. أيها المثقفون العرب"! عنوان مقال لي نشر سابقا

(2) عفارم: كلمة استحسان تركية ويستعملها العرب