أولاد ... آدم

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

عرض مسلسل مصري قديم في الثمانينات من القرن الماضي , وكان بعنوان أولاد آدم

تدور فكرة المسلسل و الدراما حول رجل , عنده أمانة وهذه الأمانة بمثابة كنز من الذهب , وهو بسيط وفقير , وعنده ثلاثة أولاد

أحب المخرج أن يصل لنتيجة تستقر قي ذهن المشاهد , في الترابط الوثيق بين أجندة ثلاثة :

القوة , والمال , والعقل

ولا يمكن الوصول للفائدة المرجوة من القوة , مالم تكن مرتبطة بالعقل الواعي , ليكون المال مفيدا في جوانبه المتعددة ,و وسيلة  يقود صاحبه للخير .

لم نكن نحن الشعوب العربية في يوم من الأيام إلا أولاد آدم عليه السلام ,والذين سبقونا في الحضارة والتقدم هم كذلك من أولاد آدم

هم إخواننا في البشرية ,ونختلف مع شرارهم ونتفق مع خيارهم , كما نتفق مع خيارنا ونختلف مع شرارنا

ولكن هم تعلموا من دروس الحياة , ووصلوا لنتيجة مفادها:

حاربوا الإستبداد عندهم , ووصلوا لمفهوم واضح وطبقوه , لااستبداد ولا حروب بين الدول تلك , وتوجه الموارد للناس كافة

لقد عانت أوروبا كثيرا من الإستبداد بصورتيه الإستبداد الديني , والإستبداد السياسي , وبذلت شعوبها الوقت والجهد الكبير والدم الغزير  حتى وصلت لمعادلة تقول

القوة تكون ضعيفة بدون المال والمال يكون أثره سلبيا بدون عقل يديره , ولا بد من البحث عن توظيف القدرات الثلاثة لتكون كتلة واحدة , لايمكن تجزئتها أبدا

في واقعنا الذي نعيشه كأمة ,ألم يحن الوقت لنا حتى نعرف أننا بشر قبل كل شيء , وثانيا نحمل تراثا قل نظيره في العالم أجمع , ونمتلك موقعا جغرافيا يتوسط العالم  , وتحت أرجلنا أكبر كنوز الأرض

وعندنا من الشجاعة والقوة يحسدنا عليها الكثيرون من البشرية جمعاء , ولذلك لصقت علينا تهمة الإرهاب

مالذي ينقصنا إذا؟

فلسنا مجانين , ولا نملك تخلفا عقليا , ولا انفصام في الشخصية , ولا نعيش في جزر نائية بعيدة  كل البعد عن الإتصال بالبشرية جمعاء

الذي ينقصنا فقط هو:

أن تتجه العقول لإدارة دفتي القوة والمال , لتكون كتلة ماسية تضيء ولو كانت في زاوية ظل أو في غسق الظلام

فالإستبداد في وطننا العربي هو الذي حطم ذلك العقل , وهو الذي حطم قوة وخير المال , وبالتالي كانت النتيجة ضعف القوة واضمحلالها

بحيث أصبح قوة شخص إسرائيلي واحد , تفوق قوة ألف شخص منا , وقس على ذلك أشر وأدهى:

 بثلاثة دبابات تسقط أكبر عاصمة في العالم من حيث المساحة , بوجود الملايين من المسلحين فيها

حتى نعلو لمصاف البشر , ونكون مع إخواننا من أبناء آدم عليه السلام.

ولن يتحقق ذلك حتى نصل لقناعة في ذاتنا وفي عقولنا وتفكيرنا ونمط حياتنا :

أن أمنا حواء قد ولدتنا أحراراً ,ولم تلدنا عبيدا للحكام وأجهزتهم القمعية والمحسوبين عليهم مصداقا لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)

بعد أن عرفت شعوبنا كذب وفساد أنظمتهم وخمولهم وعجزهم أمام أقل المشاكل , وهم في واد ومصلحة البلاد والشعب في واد آخر, فقد آن الأوان للتحرك والمواجهة بثورة تطيح بالعقول العفنة لتحل محلها العقول المندمجة مع القوة والمال

قد يسأل سائل ولكن كيف؟

قرأت مقالا سابقا للمفكر والمعارض السوري ميشيل كيلو (يدافع فيه عن المعارضة في الدول العربية أنها ضعيفة , ويربط هذا الضعف بضعف الدول العربية ذاتها وضعف أنظمتها , والمعارضة القوية تكون قوية في الدول القوية )

علينا بداية أن نبدأ من منطلق أعم وأشمل من المعارضة القطرية ,فالمعارضة العربية والمعارضة للأنظمة عندها مبدأ مشترك واحد , في جميع الأقطار العربية , الموجودة في الداخل والخارج , هذا المبدأ يقع تحت بند محاربة الإستبداد , والأنظمة المستبدة

والأنظمة المستبدة هذه , تبنت منهجا واحدا هو:

إطلاق يد الأمن في كل مسالك الحياة , مع عدم محاسبة الأمن في الجرائم التي يقوم بها , وتغييب القانون واقعا ونصا

وسيطرة الأحكام العرفية وقوانين الطواريء وملحقاتها

والمحاكم العسكرية , والسجون والمعتقلات المختصة بأصحاب الرأي والفكر , ونهب المال العام وانتشار الفساد بشتى أشكاله

في مصر الآن حراك شعبي , تمتد جذوره يوما بعد يوم ,لاتقتصر المعارضة فيها على طرف أو تنظيم معين

بعد أن بلغت فيها القلوب الحناجر , من جرائم النظام فيها على المستوى السياسي , والإقتصادي والإجتماعي , والتعبير الشعبي فيها يمكن أن يختصر بجملة واحدة عن طبيعة النظام (باعوا مصر كلها)

هذا الحراك المعارض للنظام لابد من وقفه حقيقية مع هذا الحراك , ودعما من كل حر في وطننا العربي الكبير

وعلينا التذكير دائما بحرب السويس عام 1956 عندما وقفت الجماهير العربية مع مصر كلها

الذي يعنيني في الأمر هو:

بما أن الأنظمة العربية تلتقي بنقطة واحدة ,تتمثل في الإستبداد , والقهر والطغيان , والذي نتج عنه حالنا الذي لانحسد عليه أبدا

فلما لاتلتقي المعارضة العربية كلها على نقطة واحدة هي:

الثورة على مرتكزات وقواعد وأسس التخلف في البلدان العربية

فالأنظمة في وطننا العربي الآن في عز مجدها , فقد أوصلت الشعوب العربية إلى الهدف من وجودها , في التخلف والتفرقة والفساد والضعف , وهو المطلوب منها , وحتى أنها فاقت المتوقع من فعلها في تحطيم الإرادة التي تمتلكها شعوب المنطقة كلها

ومما يريحها أكثر هو:

أن المجتمع قد دجن واستعبد , والمعارضة لتلك الأنظمة تنازلت عن الكثير من عناصر وجودها , وأخذت تنادي بالإصلاح البطيء ,وطمأنت الأنظمة بعدم المقاومة , وتكتفي بالنقد والحراك السلمي من بعيد , أو سكتت بالكامل آملة أن يسعى النظام نفسه للإصلاح

فلست مع العمل المسلح , والذي يعطي ذريعة للأنظمة بالقمع والذبح والتدمير , ولكن مع الدعوة لنفض الغبار عن المجتمع , وتعريفه بحقوقه , وشن حملات إعلامية متواصلة , وتركيز النشاط على الحقوق والفساد وعلى التغيير ,لنصل بالمجتمع لموقف لايمكن أن يرضى فيه التنازل عن أي حق مهما قل شأنه , فعندها يستطيع الإطاحة بالأنظمة الفاسدة.