طفح كيلنا كما فاض صبرك يا سيدي

م. زياد صيدم

[email protected]

إن المراقب لرئيسنا الأخ أبو مازن يجده رجل دبلوماسي من الطراز الأول يؤمن بالسلام العادل ويتشبث بالثوابت الوطنية الفلسطينية التى تعكس آمال وطموح أبسط مواطن فلسطيني ولا يمل في  تكررها في كل المناسبات وكل المؤتمرات الدولية وآخرها كان في قمة المؤتمر الإسلامي في دكار ،يحدث هذا  حسب قناعاته التى تبلورت من خلال معرفته ورؤيته الشاملة على المستوى العربي والإقليمي والدولي في حقبة تاريخية غير متوازنة أو متكافئة كما يعلم بأن خيارات السلام كانت وما زالت أفكار إستراتيجية حيث يؤمن بالحوار والمفاوضات ويسعى لها صادقا وفى هذا المجال لا يشك أحدا في نيته الصادقة سوى بعض المشككين  بطبعهم وطبيعتهم ومرجعياتهم ومن أولائك المجهضين والمحبطين للمفاوضات.

ولكنه أخيرا وجد نفسه بين قطبي جذب لسحرة متأصلين في النفاق والكذب منذ فجر الاستعمار الأول للمنطقة حتى فاض به الكيل فَقد فُهم من تصريحاته الأخيرة وبكل صدق بأن المفاوضات مع الجار متعثرة بفعل مراوغة وكذب (اليهود) وهو يرسل بإشارات واضحة إلى الشريك ( المنحاز ) وراعى عملية السلام المزعوم واقصد أمريكا وإدارة الرئيس بوش بالذات و التى لم  تكن صادقة وصريحة معنا نحن العرب وأخص فلسطين بالذات لأن تلك الإدارة البوشية المتعاقبة من الأب إلى الابن  سارعت  بحصار شعب العراق  وغزوه  لاحقا  بالرغم من كذب كل الاتهامات التى كانت في حينه ونتذكر وزير خارجيتها كولن  باول والصور الزيتية الكمبيوترية التى عرضها في هيئة الأمم المتحدة واكتشفت لاحقا وبعد فوات الأوان بأنها زيف ونفاق وشعوذة سحرة ليس إلا... وما هي إلا مبررات واهية وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

فهذه الإدارة الأمريكية المتعاقبة تأبى أن تضع الحق نصاب أعينها وتكتفي بالكلام والأمنيات كحد أقصى تعطيه لنا كعرب وكفلسطينيين حيث نسعى بكل الوسائل في إيجاد حل عادل لقضيتنا وها هي تمنى العرب بحل قضية الشعب الفلسطيني المنكوب عبر خمسة عقود من نكبات ونكسات متتالية ومتلاحقة حتى اللحظة ولكنها مجرد أمنيات وتعهدات شفوية حيث  تعمل دوما بإبعاد واستبعاد مجلس الأمن بكل الوسائل والطرق حتى لا تتحول الوعود إلى حقائق وإنما تبقيها كلاما تذروه الرياح أو حبرا على ورق على حين تسارع بإصدار قرارات تلو قرارات من مجلس الأمن وتحت كل البنود من فصل سادس وخامس وعاشر وحسب ما تمليه مصلحتها ومصلحة ربيبتها في المنطقة هذا الكيان الغاشم والمحتل والمراوغ للحقوق كالأفاعي السامة  ؟؟.

وعندما نتساءل نحن الجماهير والشعوب المنتظرة للعدالة والصامدة رغما عن الجراح النازفة ( ويشاركنا تساؤلنا الأخ أبو مازن ) أين توصيات مؤتمر أنا بولس الذي باركناه وتأملنا فيه خيرا بأن يكون فاتحة خير على درب استقلال فلسطين وإقامة الدولة المنشودة والتي ننتظرها بفارغ الصبر فلا نجد إجابات سوى زيارات  متقطعة لكونداليزا رايس فارغة المضمون اللهم سوى مجاملات وكأننا متلهفين إلى التقاط الصور التذكارية وتبادل التحيات وإبراز واجب الضيافة والكرم العربي..!! لا يا ست أمريكا فلهفتنا ليست هذه وإنما على إحقاق واستعادة الحقوق لأصحابها.

فها هو الرئيس بعد أن فاض به الكيل ومن قلب المؤتمر الإسلامي ويشهد عليه كل الدول الإسلامية والعربية ففلسطين في النهاية تعنيهم وتخصهم عقائديا وقوميا يعلن عن اقتراب  أكل واستنفاذ مخزون الصبر كله في خزائنه التى كانت تطفح ممتلئة به ؟؟ وان كان الأخ الرئيس يعلن ذلك على الملأ فمعنى هذا أن لا شيء عملي تم على أرض الواقع أبدا فهذا المبعوث الأمريكي الدائم(فريزر)  والذي عين في أنا بوليس لمراقبة تنفيذ خطة خارطة الطريق لم يصل بعد أو أنه مازال يرتب في حقائبه ؟؟؟ بينما وكما اتفق على وقف الاستيطان في الضفة نجد أن إخطبوط الاستيطان في تسارع وتزايد وتهويد القدس العربية سائر على قدم وساق ولم يتوقف بعد ؟؟.

وها نحن الأقلام التى باركت أنا بوليس نعيد حساباتنا على أرضية الواقع المرير والمخالف كليا لتلك الأمنيات الجميلة بالاستقلال والحرية والأمن والسلام للجميع فقد تهاوت تقريبا أحلامنا وها نحن نعود إلى حالة من اليأس والإحباط من جديد ولكن ليعلموا بأننا شعب مصر على التحرر وعلى الدولة المستقلة فلسنا شعب من الغجر يقبل العيش منزوع الهوية والسيادة ولهذا يبقى لدينا خيارات أخرى في تحريض الجماهير والضغط على الحكام معا على خلع السحرة وسحرهم من تفكيرنا وسذاجتنا المعتادة والعودة كما كنا في سابق عهدنا لا نأتمن جانبهم ولا نسالم ولا نهادن أعدائنا الذين لا يخفون سحرهم وسحرتهم وعدائهم لنا فما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا وكل الخيارات مفتوحة على مصراعيها..

لقد شعر العرب أيضا بهذا الاستخفاف الأمريكي والصهيوني على السواء  فوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل (وهم أصحاب المبادرة العربية ) يترجم مخاوفه وتذمره من حالة الاستغفال واللامبالاة الأمريكية وبأنهم لن يتوسلوا ولن يتسولوا أحدا أكثر من هذا فللصبر حدود وذلك بالاستمرار في طرح مبادرتهم أكثر من  الوقت الممنوح وسيعيدون حساباتهم..!!ونتمنى ذلك   وكما أن رئيس الوفد الفلسطيني الأخ/ قريع  وكبير المفاوضين الأخ /عريقات نجدهم مؤخرا  يتخلون عن عبارات الدبلوماسية ليعلنوا بأن لا جديد على السطح حتى الآن ؟ و أن التسويف الصهيوني بلغ أشده من ضرب عرض الحائط بكل الاتفاقيات والمعاهدات والمبادرات العربية والدولية القائمة ومن الرؤية البوشية المتحوصلة أمام العنت والصلف الصهيوني ؟.

وهنا نقول لابد من موقف عربي حازم (ولتكن المرة الثانية بعد العام 73 ) لاسيما وأسعار النفط وصلت إلى حدود الجنون فلو تم التلويح بتخفيض نسبة الإنتاج فقط لتغير وجه المنطقة كلها أقول تخفيض وليس قطع نهائي..  فوالله  بدون استخدام عناصر قوة ومفاجأة لن يتغير الحال ولن تلزم أمريكا ربيبتها بأي شيء وستبقى أوروبا ممسكة بالعصا من المنتصف فهل سنرى حزما عربيا ؟؟ ولا أقول حسما فكلمة حسم نحن في غزة ما نزال نعانى منها الأمرين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا حيث تتبادر إلى أذهاننا حسم حماس العسكري وانقلابها على حكومة الوحدة من أجل وزارة هنا ووزير هناك ومنصب هنا ومنصب هناك !! أليس هذا مدعاة للسخرية ونحن نتحدث عن تعثر واستخفاف أمريكي صهيوني وتسويف فاضح واضح لنيل حقوقنا فنحن ما زلنا مكبلين بالأصفاد والمعذبين في الأرض أفلم يحن الوقت للتراجع عن الانقلاب والمصالحة بعد؟؟.

إن تمادى السحرة في الإدارة الأمريكية وربيبتها في المنطقة (دولة الاحتلال) من  الاستهتار الفاضح والتهرب من استحقاقات المرحلة ومن خيارات الرئيس أبو مازن الإستراتيجية في السلام العادل والمشرف والاستمرار في التغاضي عن جرائم الكيان بحق أبناء فلسطين في غزة والضفة  وعدم تفعيل المراقب أو المبعوث الخاص والبدء الجاد في تطبيق خطوات خطة خارطة الطريق مبدئيا على الأقل كما نص عليها اجتماع أنا بوليس  يجعلنا وكما قال رئيسنا حفظه الله بان ذلك يفتح المجال لدراسة حلول وبدائل أخرى !؟ وفى هذا الإطار فإننا ننقل لكم نبض الشارع هنا يا سيادة الرئيس بأننا مللنا السحرة كلهم (دون استثناء !) بكذبهم ونفاقهم وخداعهم  فهم يدركون جيدا بأنه طالما نحن  بلا منطق قوة أو تهديد عربي مؤثر وفعلي ولو بالتلويح له على الأقل لإحداث نوع عملي من التذمر والغضب  لن يحركوا ساكنا ولن يتقدموا خطوة أو قيد أنمله على طريق الاستحقاقات المطلوبة منهم أبدا عربيا وفلسطينيا.

لنكن يدا واحدا فامضي على بركة الله فنحن شعب فقدنا الأرض والحياة الكريمة وليس أمامنا أو أجيالنا ما نفقده أكثر من هذا فنحن والجماهير العربية  في ذل وحصار ومهانة وقتل يومي لم ينجو منه أطفالنا الرضع ولا نسائنا في داخل بيوتهن سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان فعلى ماذا نتسف ونأسف ؟؟ وعلى ماذا نتأمل وقد حرقوا ويحرقون كل أمل فينا ولأجيالنا  ويسلبونا الأرض لبناء مستوطناتهم وتكريسها أمرا واقعا على الأرض التى تضيق وتضيع يوما وراء يوم فإلى متى نبقى رافعين لواء الخيار الاستراتيجي للسلام نحن العرب والفلسطينيون؟؟

فهذه هي قناعاتنا المستجدة من واقع أليم وحزين يتدحرج أمام أعيننا دون أن نلمس أي أمل أو بريق رجاء والى أن  يغيروا ويصححوا من سياساتهم المنحازة لدولة الاحتلال والمجحفة  تجاه حقوقنا العربية والفلسطينية الشرعية لن تهادنهم أقلامنا الحرة ولن تصفح قلوب الجماهير عنهم وقد يكون بعد عودة الحقوق وتقدم جدي ملموس في المفاوضات  فقط لنا رأى مخالف .

إلى اللقاء.