رسائل عملية القدس !!
رسائل عملية القدس !!
د. ياسر سعد
[email protected]
عملية القدس الغربية والتي استهدفت
مركز هاراف ييشيفا-
مدرسة بيت الرب- وهي بالمناسبة ليست مدرسة دينية وكلية تخرج حاخامات الجيش
الإسرائيلي فحسب, بل وتعتبر من معالم الحركة الصهيونية الدينية, تأسست عام 1924,
تؤمن بإسرائيل الكبرى وبالاستيطان الديني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة,
العملية حملت الكثير من الرسائل والدلالات. فهي تعتبر اختراقا كبيرا للأمن
الإسرائيلي وإجراءاته فالقدس الغربية تشهد في العادة إجراءات أمنية استثنائية ،
كونها تضم مقرات
الحكومة الصهيونية بما فيها وزارة الحرب، فكيف ستكون الاحتياطات الأمنية في ظلال
الأحوال المتوترة في فلسطين المحتلة والتي أستطاع منفذ العملية من تجاوزها؟ لم ينفع
الدولة العبرية قوتها الغاشمة ولا جدارها المشيد؟
العملية توسع دائرة المجابهة وتنقله من قطاع غزة
لتخفف الضغط الكبير ولو مؤقتا على القطاع والذي يتعرض لحملة عسكرية إسرائيلية شرسة
تنتهك فيها القوانين الدولية وتقترف فيها جرائم حرب وبشكل علني, كما تظهر أن هناك
تحديات للدولة العبرية غير صواريخ المقاومة الفلسطينية بل وربما أكبر منها.
المنظمات الفلسطينية لجأت لتكتيك جديد, فلم تعلن أي منها مسؤوليتها عن الحادث, حتى
لا تعطي الحكومة الصهيونية ذريعة لتصعيد قصفها واستهدافها لقطاع غزة, كما أن عدم
معرفة من يقف وراء الحادث يحرج الدولة العبرية ويساهم في تشتيت جهودها الأمنية
ويزيد من إرباكها.
حزب الله لم يكن ليسارع للإعلان عن مسؤولية كتائب
مغنية عن الحادث إلا بعد تلقيه تأكيدات من أن الجهة المنفذة لن تعلن مسؤوليتها عن
الحادثة, وهي محاولة من الحزب أيضا لاستثمار الحدث في سياق المواجهة التنافسية بين
حزب الله وإيران وبين الولايات المتحدة والدولة العبرية من جهة أخرى. أكثر ما يخيف
الإسرائيليون أن يكون منفذ العملية قد تحرك بدافع فردي ردا على مجازر الصهاينة في
غزة, فالتصرفات الإسرائيلية والدعم الغربي وضياع الموازيين الأخلاقية تحول كل
فلسطيني وربما عربي ومسلم إلى مشروع جهادي.
عملية مدرسة بيت الرب أوقعت أكبر عدد من القتلى
الإسرائيليين منذ ابريل 2006 عندما قتل 11 شخصا في هجوم تفجيري عيد الفصح في تل
أبيب, وهي تأتي بعد عملية الشتاء ألساخن الإسرائيلية والتي أوقعت يوم السبت الأول
من مارس عدادا غير مسبوقة من الضحايا الفلسطينيين في يوم واحد. الرسالة تقول هنا أن
الفعل الصهيوني عنفا وقتلا وبالجملة سيؤدي لرد فعل فلسطيني مقاوم يطور من أساليبه
ووسائله ليواكب التصعيد الإسرائيلي.
الحكومة الإسرائيلية سارعت -وعلى غير ما توقع بعض
المراقبين- لتعلن أنها ستواصل محادثات السلام التي "ترعاها" الولايات المتحدة مع
الفلسطينيين رغم العملية. الدولة العبرية تستغل المفاوضات المطاطية مع السلطة
الفلسطينية لتعميق الخلافات الفلسطينية ولتحول بين أي لقاء فلسطيني ولتوظيف أجهزة
أمن السلطة في ملاحقة المقاومين والتنكيل بهم ولحمايتها أمنيا ولشراء الوقت
لاستكمال مشاريعها الاستيطانية وجدارها العنصري وللانتهاء من تهويد القدس. الخيارات
الإسرائيلية في التعامل مع المقاومة الفلسطينية بعد فشل عمليتها في غزة في تحقيق
أهدافها المعلنة وظهور الدولة العبرية كدولة فاشية تقترف المجازر والانتهاكات أصبحت
محدودة ومكلفة الأثمان سياسيا وبشريا.
الولايات المتحدة أخفقت في استصدار
سريع لبيان من مجلس الأمن شديد اللهجة يدين بشدة عملية القدس, الفشل السياسي
الأمريكي يظهر استياء دوليا متناميا من سلوكيات الدولة العبرية والدعم الأمريكي
لتصرفاتها وانتهاكاتها للقوانين الدولية ولحقوق الإنسان الفلسطيني. الإدارة
الأمريكية سارعت لتقديم تعازيها لإسرائيل ولإدانة الحادث بأشد العبارات واصفة إياه
بالبربري والهمجي وغير المتحضر في الوقت الذي ترفض أن تندد بأي صيغة بالتجاوزات
الصهيونية ولا أن تظهر أي نوع مع التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين من النساء
والأطفال ولو كانت باردة أو شكلية.