القرار 1929 ليس "عديم القيمة"

القرار 1929 ليس "عديم القيمة"

اسعد البيروتي

رفض الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد القرار 1929 ،ووصفه بانه عديم القيمة بالنسبة لايران ، ومثل "منديل ورقي سيلقى في سلة المهملات" . اما وزير التجارة الايراني مهدي غضنفري فقد قال : "اننا ننظر للقرار بازدراء" .

كلام نجاد غير دقيق ، وليس متفقا مع الواقع ومع المستقبل في افقه القريب . ايران تعيش بسبب قرارات مجلس الامن الدولي الستة ، واربعة منها وفق البند السابع ، ... تعيش في عزلة خارجية عن العالم . وايران وبالذات السلطة الايرانية في عزلة داخلية ،على الاقل، مع ستين بالمئة من شعبها .

   يوم واحد بين القرار 1929 وبين الذكرى الاولى لانتخابات الرئاسة الايرانية المختطفة ، والتي فجرت انتفاضة شعبية خضراء في كل ايران ، انتفاضة لم ولن تنته مفاعيلها في الراهن او القادم .

اثنا عشر عضوا بين دائم ومؤقت من اصل خمسة عشر عضوا هم نصاب مجلس الامن الدولي ؛ اقروا القرار 1929 ، وعارضته تركيا والبرازيل في الدقائق العشر الاخيرة ، وامتنع لبنان عن التصويت . هذا يعني ان العالم لم يعد يطيق السكوت على تعنت ايران ومراوغاتها حول موضوعة التفاوض مع المجتمع الدولي ، وبالذات حول تنفيذ خططها وصولا الى الذرة ، والحجة الدائمة هي ان البرنامج النووي الايراني برنامج سلمي ، والغرب والعالم يتساءل دائما ، لم العسكر هم المسيطرون على البرنامج وعلى تخصيب اليورانيوم ؟ . ايران لاتملك حتى الآن محطات قادرة على استخدام اليورانيوم المخصب ، ضعيفا كان او متوسطا كان او عاليا كان ، لاتملك محطات تحوله الى نظائر مشعة قادرة على معالجة مرضى السرطان ، والمعروف للعالم ان محطة بوشهر غير جاهزة حتى الآن ، وقد يكون المجهول اعظم وقد كشف علماء الذرة الايرانيون الهاربون والمخطوفون بعضا من هذا المجهول ! . لم الاستمرار في التخصيب الى عشرين في المئة ، وحتى التسعين في المئة حيث وآن تصنع الذرة ؟ .

الجمهورية الايرانية الاسلامية ، في عزلة خارجية مع خمس وتسعين بالمئة من العالم كله . وفي مواجهة صدامية قاسية سياسية واقتصادية وديبلوماسية مع خمس وسبعين بالمئة من اهل الارض .

المندوب التركي في مجلس الامن ، والذي صوت ضد القرار 1929 ؛ اوضح  ان تركيا تشارك العالم بالقلق الدولي ، بان ايران لم تلتزم بالتزاماتها الدولية ، ولم تجب على اسئلة طرحتها وكالة الطاقة الذرية الدولية . هذا فضلا عن ان بيان تركيا كعضو في الامم المتحدة ؛ ضمن بان تركيا ستطبق القرار 1929 ومفاعيله وتفاصيله . وهذا يؤكد حرص تركيا على احترام الشرعية الدولية ، ويؤكد على علاقتها الايجابية مع الغرب ، ولقد وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الاتهامات التي تقول ان تركيا تتحول عن الغرب بانها "دعاية قذرة" .

المندوب الصيني في الامم المتحدة لي باو دونغ قال : "ان بكين مصممة على تطبيق العقوبات الجديدة تطبيقا كاملا" .

في 11/6/2010 ومن قصر الاليزيه افاد مسؤول فرنسي ، ان رئيس الوزراء الروسي فلادمير بوتين ابلغ الرئيس ساركوزي ان موسكو لن تبيع ايران انظمة دفاع صاروخية ( اس 300 ) ، وبما يتفق مع القرار 1929 ، ولقد حيا الرئيس الفرنسي ساركوزي بوتين على ذلك . وبهذا تعتبر روسيا اول دولة في العالم باشرت فورا بتطبيق القرار الدولي الاخير . روسيا فعلت ذلك رغم ان ايران قد تعاقدت معها على شراء ال اس 300 ، ودفعت ثمنها منذ عام 2007 . الموقف الروسي مؤشر طازج وفوري ومباشر وتال لاستخفاف ايران العلني بالقرار الدولي ، والظاهر ان روسيا غير موافقة على القاء القرار في سلة القمامة كمنديل ورقي مستهلك ، بالمناسبة صواريخ اس 300 ذات اهمية بالغة في الدفاع عن المنشأات النووية الايرانية .

القرار 1929 يعني ان عالم الدول العظمى متماسك ضد ايران . ديفيد اولبرايت رئيس معهد العلوم والامن الدولي في واشنطن ، قال ل"رويترز" : " هذا انتصار كبير لادارة اوباما واضاف "يظهر هذا ان الولايات المتحدة تستطيع الحفاظ على تماسك مجموعة ال 5+1 وان الاجراآت القاسية اللاحقة بالقرار 1929 ستكون على عاتق الاتحاد الاوروبي .

ان ماقاله نجاد بحق القرار الدولي شديد الخطورة ، حتى على الداخل الايراني ، وعلى المعارضة الايرانية ، ولقد سبق وقال زعيماها مهدي كروبي ومير حسين موسوي بان " سياسات نجاد تقود ايران الى الهاوية " .

على مايبدو ان الادارة الايرانية قد تفاجأت من سرعة دعوة مجلس الامن ومن سرعة اقرار العقوبات الجديدة ومن موقف روسيا والصين . وقد عبّر رئيس مجلس الشورى الايراني لاريجاني عن ذلك في اتصال مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ، ولقد انتقدت المنظمة الايرانية للطاقة الذرية على لسان رئيسها علي اكبر صالحي الصين لتصويتها على القرار " فاجأتنا الصين لانها تكيل بمكيالين ولانها وافقت على "الهيمنة" ولانها اي الصين ستخسر تدريجيا موقعها في العالم الاسلامي . يستفاد من كل ما مضى ان المهارة الايرانية السياسية ؛ تضع نفسها امام تساؤل بالخيبة لم تتعوده .

السؤال الاكثر خطورة في مجال ازدياد احكام العزلة على ايران هو : هل تلجأ الادارة الايرانية الى اشعال المنطقة بدءاً من غزة وشاطئها ؟ . وعندها يقود الرئيس نجاد المنطقة الى الهاوية –لاسمح الله- وليس ايران فقط . ولقد توقعت صحيفة الاخبار اللبنانية استنادا الى مصادر مطلعة ان تقوم ايران بعمل امني او عسكري في الخليج او في مكان ما للتغطية على قرار العقوبات امام الرأي العام الايراني ، وقد تلجأ الى صدام بحري في حال أٌجبرت سفنها على التفتيش .

الرئيس الايراني نجاد يعرف ان القرار ليس عديم القيمة ، ويعرف ايضا ان استخفافه به ذا هدف للاستهلاك المحلي ، ودليلنا انه صرح في شانغهاي وخلافا لرأي البرلمان الايراني ؛ ان بلاده لن توقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية اذ قال : " ليس هناك سبب للمفتشين الدوليين ان يغادروا البلاد " .

القرار 1929 والذي استغرق التحضير له خمسة اشهر من المفاوضات مع الصين وروسيا ؛ قد صدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ، وهو يتضمن ثلاثة فقرات هامة . الاولى هي منع ايران من الاستثمار في الخارج ، حيث وضع اربعين بنكا واثنين وعشرين شركة والاثنان بامرة الحرس الثوري الايراني ... وضعهما على اللائحة السوداء . الثانية امكان تفتيش السفن الايرانية في المياه الدولية واعطاء الدول صلاحية اعتراض حركة الملاحة من ايران واليها . الثالثة حظر بيع طهران اسلحة ثقيلة كالدبابات والمروحيات والصواريخ .

ليس للعالم مصلحة في عزل ايران الدولة المهمة في المنطقة ، ففي ايرن شعب ممتد في التاريخ وجدير بالحرية والديمقراطية ، وشديد الحيوية فثلثاه من الشباب . والادارة الايرانية ليست على صواب عندما تعزل نفسها عن العالم وعن ثلثي شعبها .

    القرار 1929 لن يقوض فعليا وفورا برنامج ايران النووي الا انه يهدد بان مجلس الامن قادر على ذلك حيث شاء وأنى شاء . وعلى ايران ان تتذكر جيدا ان الرئيس الامريكي باراك اوباما مصر على ان يمنعها من الوصول لى الذرة .

القرار 1929 قرار عالي القيمة ولايجوز ان يوصف بعدمها لدرجة القائه كمنديل ورقي مستهلك في سلة القمامة . ما هو قادم اشد من القرار ؛ فالتركيز الامريكي الراهن والقادم ينصب على تطبيق العقوبات كاملة وبدقة ، فضلا وهذا الاهم عن التنسيق مع الاتحاد الاوروبي لتطبيق عقوبات احادية صارمة اكبر واشد مما ورد في القرار 1929 ، ومثالا على ذلك استهداف قطاع الغاز والنفط الايراني وادراج البنك المركزي الايراني على اللائحة السوداء . ان حصل ذلك او تأخر فان استخفاف الرئيس نجاد وازدراء وزير تجارته مهدي غضنفري بالقرار ليسا في محلهما الصحيح . وكان الله في عون شعب ايران وفي عون شعوب المنطقة كافة .