خسرت جنوب أفريقيا بتعادلها ولكنها كانت الفائزة... فأين سورية؟
خسرت جنوب أفريقيا بتعادلها ولكنها كانت الفائزة
فأين سورية؟
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
هذا البلد الذي يقع في أبعد نقطة من الجنوب الذي يصلح للسُكن البشري فيه ، لأنّ مابعده المُتجمد ، بعد ان كانت جنوب أفريقيا مطمع الغُزاة لاعتبارات إستراتيجية ، لكونه يقع في رأس الرجاء الصالح ، منطقة العبور الدولية إلى شرق الكرة الأرضية ، وبعد أن مزقته الخلافات العنصرية ، بعد أن جيء بالبيض ليستوطنوا الأرض ويستولوا عليها ، ويقودوا البلاد الى الهلاك والتدمير ، بسبب تسلّط القلّة الحاكمة والاستئثار بالبلاد والقرار ، وإذلال شعوبها التي قاومت الظلم والبطش والاستبداد والتعسف بكل ما أُوتوا من قوّة وعزيمة ، كما ظهرت همتهم اليوم في مُباراتهم مع المكسيك ، وبعدما قدموا مواكب للشهادة ، حتى اضطر العسكر ومن والاهم للانسحاب من أمامهم ، ليعود إلى البلد العريق حريته وكرامته ، وينعم بالعيش الأكرم والتداول السلمي على السلطة ، لنرى حركة الحياة قد تغيرت هناك ، واليوم وبعد بضع سنوات ، نرى هذا البلد يستضيف أهم إنجاز عالمي دولي رياضي عرفته البشرية في تاريخها الحديث
وبالمُقارنة مع سورية التي كانت تنعم بالحكم الوطني والحريات والتجربة الديمقراطية الرائدة التي انقلب عليها العسكر الذين لوثوا كُلّ شيء فيها ، وحتى الهواء والشجر والحجر لم يسلم من شرورهم ، فكان يُنظر إلى سورية على أنها محور أساسي في ميزان القوى ، ووزن ثقيل لمن تميل إليه ، وكانت حينها الحياة راغدة ، وكانت الصناعة السورية مصدر فخار لكل سوري وعربي ، إلى أن جاءت سلطة العسكر وأممت المصانع والحياة ، لتبدأ الهجرة الكبيرة من حينها للعقول وأصحاب رؤوس الأموال والخبرات ، لتصير سورية حضيضاً متآكلاً مُتهالكاً ، ولولا همّة الشعب وإصرارهم رغم مُحاربة الحكومات العسكرية المُتعاقبة ، لأي رأسمال خاص ، لرأيناها اليوم عالماً آخر
وبما أنّ القطّاع الخاص يعمل بجهود ذاتية ، ودوافع وطنية صادقة ، سأستثني التعرض إليه مؤقتاً والصعوبات التي لاقاها ، وسأتكلم عن المؤسسات الحكومية والتصنيع الحكومي والفساد باختصار طوال فترة من يُسمونه بالزعيم الخالد ، لأنتقل بالحديث عن العهد المُستمر من خلال فهم وعقلية القديم بوجوه جديدة
فسورية المُنتجة لكل شيء سابقاً ، تم فرض نظام الاستهلاكيات على المواطنين فيها ، ليُستبدل الإنتاج المحلّي العالي الجودة ، بالإنتاج المُستورد الذي لايصلح للإستتخدام الآدمي ، ولا زلت استرجع الذاكرة للزيت النباتي المفروض علينا ، والسكر والشاي وكل الأساسيات التي كُنّا مضطرين لبيعها ، وجلب حاجاتنا من لبنان على الغالب ، او من منطقة العريضة تهريباً ، واستمر الحال إلى يوم خروجي وأنا أحيا هذا الواقع الأليم بكل مرارته ، وقد استمرّ هذا الأمر على هذا النحو ، إلى ماقبل بضع سنوات ، أما عن الإنتاج والتصنيع الحكومي والمؤسسات العامّة فجميعها عشعش فيها الفساد ، والخسائر كانت كبيرة ، لايستفيد منها إلا ذوي النفوذ والمُقربين من الأسرة الحاكمة ، وحتى فيما يخص المؤسسة العسكرية التي جُلّ اهتمام النظام فيها للسيطرة على مقاليد الحكم ، أسلحتها في مُعظمها صدأة ، وأكل عليها الدهر وشرب ، وهي لاتصلح إلا للاستعمال الداخلي وقمع الشعب ، والدليل كان بعد عدّة اعتداءات على الأرض السورية دون أن تلقى أي رد يُذكر ، وبدعوى عدم التوازن التسليحي مع الكيان الصهيوني ، الذي واجهته حماس بالأسلحة البدائية ، وبتلاحم الشعب معها ، وليس عبر المُزايدات الفارغة
واليوم سورية كما هي بالأمس ، فقد فُتحت الجيوب والبطون لحاشية السلطان على مصراعيها ، وارتفعت البطالة إلى ما يُقارب 45% ، ونسبة مادون خط الفقر إلى 65% ، وأعيد ملئ السجون بعد أن تمّ تفريغها من نُزلائها إثر التصفيات الواسعة لمُعتقلي الرأي والضمير فيها ، وأعدادهم بعشرات الآلاف ، ولازال أهاليهم ينتظرون عودتهم ، وزادت المُحاكمات العسكرية لكل فئات الشعب شباباً وشيباً ونساءً ، لم تشهد سورية لمثل هكذا حال مثيلاً منذ فترة الثمانينيات ، ولا حتّى على عهد الاستعمار الفرنسي ، الذي لم يكن يجرؤ على اعتقال امرأة ، بينما نشهد اليوم اعتقالات واسعة في صفوفهن ، ومن حديثي السن ، من وحوش بشرية ، دون أن يتلقى أهاليهن أي إشعار عن مكان وجودهن ، في خرق واضح وخطير لقيم المجتمع السوري المُحافظ ، وتعد صارخ ومفضوح ومُستمر منذ عقود على حقوق الإنسان بحدها الأدنى ، هذا عدا عن مئات الآلاف السوريين من المنفيين قسراً عن بلادهم ، في وضع خطير لايُبشر بخير ، ويضع البلاد على حافة الهاوية
بينما جنوب أفريقيا، هذا البلد الأفريقي الناشئ في المجال الديمقراطي ، يشهد ثورة علمية وصناعية وتنموية في غضون سنوات من الانفتاح وأجواء الحرية ، وهو يضع رجله على طريق التقدم ، عندما أُتيحت له أن يُعبر عن نفسه ، لينهض من ثُباته العميق ، ويُحقق الإنجازات الضخمة واحدة تلوى الأخرى ، وليقول للعالم اجمع اليوم بأنه موجود ، وأنه لم يعد خارج الزمان والمكان ، بل هو رقماً صعباً يصعب تجاوزه ، بينما في سورية هناك النظام الذي فرض على البلد حالة الطوارئ منذ نصف قرن ، والقوانين الاستثنائية الخطيرة مثل القتل للانتماء الفكري ، وقوانين حماية القتلة من العسكريين والمُحاكمات التعسفية وو.. بقصد نصرة القضية ، فلا انتصرت القضية ، والخسائر المادية والمعنوية في ازدياد كبير ، والوضع لايُبشر إلا بنذير شؤم على كل الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولا زال النظام يُكابر في التعامل مع شعبه ، ويرفض أي حوار أو تفاهم
أنت في قلوبنا يامنديلا وعلم سورية الأشم القاضي المحامي الحقوقي هيثم المالح ..، لن ننساك أيها الشيخ الجليل الثمانيني ، واعتقالك يُمثل انتكاسة أخلاقية وإنسانية تُضاف إلى سجل هذا النظام ، قلوبنا معك أيها الحبيب الصامد ، أيها الرجل المقدام ، لم تنل من عزيمتك الشيخوخة ياسيدي ، وأنت سيد الرجال ، ولنُسطر اسمك في التاريخ رمزاً من أعظم الرجال ، فاق مانديلا وغاندي ، بل ولُنسمي انتفاضتنا الفكرية والثقافية والأخلاقية لإطلاق سراح أصحاب الرأي والفكر وعلى رأسهم قادة اعلان دمشق باسمك أيها العملاق ، بوركت وبوركت البطن التي أنجبتك ياسيد الأحرار ، ياسيد الشجعان يارمز الرجولة والعلو والافتخار ، وبورك أبناءك وبناتك الذين غرست فيهم قيم التضحية من طل الملوحي الى آيات عصام أحمد الى كل الأحرار والأبرار
*باحث وكاتب وناشط سياسي وحقوقي سوري