هيلين توماس صفعت وجه عباس
أحمد الفلو /فلسطين
لم يشهد التاريخ قادة يعشقون الاستعراض والنجومية وحب الظهور مثلما هم قادة حركة فتح، فالقضية الفلسطينية قضية سامية فوق الجميع ولا يحق لأحد الصعود على ظهرها ويستعرض نفسه من فوقها، لقد أمضى القائد الأول لحركة فتح جُلّ حياته في مناورات يكرّس فيها كاريزما القائد المغوار الذي لا يُشقّ له غبار في أذهان الناس عرباً وعجماً، وكان القائد الرمز هو بدأ بالتفريط بالحقوق الفلسطينية التي أصدرت الأمم المتحدة فيها قرارات باعتبارها ((حقوق ثابتة غير قابلة للتصرف)) فألغى الميثاق الوطني الفلسطيني في خضم تصفيق حار لقطعان الأنذال الذين عينهم في المجلس الوطني هو وأجرى لهم الرواتب وبموافقتهم بل إنهم اعتبروا ذلك عملاً وطنياً جباراً يستحق ختيارهم التمجيد مقابله.
في 2 أيار 1989 وصل عرفات الى باريس وفي محادثاته مع الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران أظهر الأخير انزعاجه من التناقض الحاد بين الميثاق وبين قرارات المجلس الوطني الاخير الذي عُقد في الجزائر 1988، ولكن عرفات تعهد للإليزيه بحسم هذا التناقض لصالح قرارات المجلس الوطني، وفي لقاء عرفات مع وزير الخارجية الفرنسية رولان دوما طلب عرفات منه أن يبحث له عن تعبير رنان بالفرنسية يقنع السامع بأن الميثاق أصبح لاغياً، فاقترح الوزير الفرنسي على عرفات أن يقول في لقاء تلفزيوني عن الميثاق c-est caduc.وفعلاً صرح عرفات للقناة الفرنسية الأولى أن الميثاق تم التخلي عنه، ولم تعد له أية قيمة قانونية، ثم قال بالفرنسية بارتياح واضح c-est caducوسأله الصحفي ماذا تعني بـ"كادوك" ؟ أجاب عرفات باستهزاء وباللهجة المصرية: "الله صحفي فرنسي وعايزني أنا أشرح لك كلمة كادوك؟، عندها كانت فرحة الفتحاويين غامرة بقدرة زعيمهم على التكتيك وكانوا يقولون بكل بَطر "بكلمة كادوك من الختيار قدرنا نحكم فرنسا" ، يا إلهي كم هي رخيصة عندهم فلسطين وكم هو ثمين عندهم عرفات".
وإذا كان الميثاق الوطني المكون من 33 مادة قد حظي بإجماع فلسطيني لأنه يعبر عن الحقوق الفلسطينية والثوابت في التحرير الكامل وهذا جوهر الميثاق فإن عرفات قام بإلغاء ذلك الميثاق بالتدريج لصالح العدو الإسرائيلي وكانت البداية مع تغيير المرجعيات التي استند إليها الميثاق الأصلي وتحولت تلك المرجعيات كما ورد في اجتماع المجلس الوطني في غزة أنه استناداً إلى:
وثيقة إعلان الاستقلال والبيان السياسي المعتمدين في الدورة التاسعة عشرة المنعقدة في الجزائر في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1988 والتي نصت على اعتماد حل لدولتين، وأكدت مبدأ حل النزاعات بالطرق السلمية وإلى مقدمة اتفاق إعلان المبادئ الموقع في واشنطن في 13 سبتمبر (أيلول) والتي تضمنت اتفاق الطرفين على أن الوقت قد حان لإنهاء عقود من المواجهة والنزاع والاعتراف بحقوقهما السياسية المشروعة المتبادلة واتفاق إعلان المبادئ في أوسلو والاتفاق الموقع في القاهرة، ولم يشرح لنا عرفات و ورثته حتى يومنا هذا منذ متى كان للصهاينة حقوق في فلسطين؟ أم أن الختيار كان يتكتك على الإسرائيليين بكلمتين ثم يحكمهم كما حكم فرنسا وأمريكا من قبل، و بناءً على جميع المرجعيات الباطلة التي فرضها عرفات على شعبنا فقد وافق المجلس الوطني في غزة الدورة 21 على تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني في 24/4/1996، و سبق ذلك رسائل الاعتراف المتبادلة بين عرفات وشريكه اسحق رابين في 9/9/ 1993 وكان البادئ بالاعتراف هو ياسر عرفات وتنص على ( أن منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن).
وبقدرة قادر يتحول كل ذلك التلاعب على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني إلى نصر وهمي فارغ أقنعوا الشعب الفلسطيني أنه لولا الختيار لخربت الديار وأصبح الختيار بطلاً وطنياً ثم تحول إلى شهيد ورمز، بدلاً من محاكمته بتهمة الخيانة العظمى هو وأعضاء المجلس الوطني الذين وافقوا على إلغاء الميثاق وتلاعبوا على الحقوق الثابتة لشعبنا لصالح العدو الإسرائيلي وتم بذلك التنازل عن 78% من أرض فلسطين لليهود وكأن فلسطين مزرعة خاصة يملكها عرفات ويحق له التصرف بها ومنحها لمن يشاء، فهل هبط أعضاء المجلس الوطني إلى هذا الدرك من تقديس الأفراد فأصبح القائد أهم من الوطن؟ أم أن المال السياسي جعل هؤلاء يديرون ظهورهم للوطن مقابل الدولارات التي منحهم إياها عرفات؟ ألم يسأل أحدنا كيف وصل تعداد أعضاء المجلس الوطني إلى 738 عضواً أي أكثر من أعضاء البرلمان الصيني وأكثرهم تم تعيينه بقصاصة ورق من مكتب الختيار. وبعد ذلك تتالت الأحداث سريعاً وفازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية في 25/6/2006 فجن جنون الفتحاويين واليساريين والنظام المصري وأشقائهم الصهاينة، فاستخدموا كافة الوسائل لمحاربتها والقضاء عليها ومازالوا يفعلون، رغم أنها خيار الشعب.
لقد سبق زيارة البهائي عباس ميرزا إلى البيت الأبيض بثلاثة أسابيع حدث له وقع هائل على قضية فلسطين، فقد تحدثت عميدة صحافيي البيت الأبيض هيلين توماس إلى أحد الصحافيين عن الفلسطينيين والإسرائيليين، ومما قالت عن اليهود: "هذا شعب محتل، وعلى الإسرائيليين العودة إلى أوطانهم". وحين سألها الصحافي ما هي أوطانهم، أجابت: "بولندا وألمانيا والولايات المتحدة وكل مكان آخر"، وبالتأكيد فإن هذه المرأة الحرة تعرضت إلى التشويه والاتهامات المنكرة والطرد من الوظيفة، وكأن الله قد ألهمها بأن شخصاً وضيعاً يدّعي أنه يمثّل الشعب الفلسطيني سيناقض كلامها ليؤكد أحقية اليهود في فلسطين ويدوس على دماء شهدائها، عباس قال للصحفيين أمام إيباك "أنا لا ولن أتجاهل حق الشعب اليهودي في العيش على أرض إسرائيل" فيقول عن صفد المدينة التي ولد فيها أنها إسرائيلية، فمن يقدم مدينته هدية للإسرائيليين هو أولى أن يقدم بقية المدن والقرى الفلسطينية لهم، وأضاف عباس "لن أنفي أبدا حق الشعب اليهودي على أرض إسرائيل"، ولو أن تلك السيدة العجوز الرائعة سمعت عباس لقذفته بحذاء مهتريء.
إن نشوء حركة حماس وبروزها كقوة تمثل الحركة الوطنية الفلسطينية كان استجابة شعبية واقعية للرد على السلوك السياسي المتصهين لحركة فتح واليسار المنافق وتفريطهم بثوابت القضية الفلسطينية، بينما يستمر تحدي هؤلاء الخونة المارقين للإرادة الشعبية الفلسطينية باستحداث مرجعيات جديدة لقضيتنا وهي اللجنة الرباعية و مشورات أبي الغيط وعمر سليمان إضافة إلى مطالبتهم الوقحة لشعبنا بالاعتراف بإسرائيل بل إن بعض القيادات الفتحاوية ذهبت إلى أبعد من ذلك بمطالبة شعبنا بمهمة حماية العدو الإسرائيلي عبر اعتقال المقاومين وقتلهم وما زالوا يتكتكون، ويبدو أن الحل الوحيد هو قيام ثورة شعبية مسلحة ضد عباس وجنوده وإزالة سلطة العار.