العرب وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

قبل 1400 سنة اجتمع كبراء قريش وائتمروا أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوا في صحيفة ما اتفقوا عليه، ثـم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم. فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو عبد المطلب إلى أبي طالب بن عبد المطلب فدخلوا معه في شِعْبه فاجتمعوا إليه، فأقاموا على ذلك ثلاث سنين حتى جهدوا، لا يصل إليهم شيء إلا سراً متخفياً به من أراد صلتهم من قريش.

وأصاب ما أصاب المؤمنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب من الـحـصـــار لا يبايَعون ولا يناكَحون. وجهد المسلمون جهداً كثيراً حتى كانوا يأكلون الخبط وورق الشجر، فقد روي عن سعد بن أبي وقاص قوله: خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعـة تحت البول فإذا قطعة من جلد بعير يابسة أخذتها وغسلتها ثم أحرقتها ثم رضضتها وسففتها بالماء فقويت بها ثلاثاً. وكان المسلمون إذا قدمت العير مكة يأتي أحدُهم السوقَ ليشتري شيئاً لعياله فيقوم أبو لهب وهو أقرب الناس إلى رسول الله (عمه) فيقول: يا معشر التجار! غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئاً. فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى يرجع إلى أطفاله وهم يتضاغون من الجوع وليس في يديه شيء يُطعمهم به.

ولم تقتصر معاهدة قريش وأذاهــا على النبي وأصحابه بل شملت كل من يعطف عليهم أو يدافع عنهم أو يمدهم بصـلـة ولو سراً.. وهذا ما يُفعل بقوافل المساعدات إلى غزة اليوم، ليس فقط على يد الصهاينة، كجريمة تصديهم لقافلة سفن الحرية، بل على يد الإخوة والأشقاء الذين يحولون بين هذه المساعدات ووصولها إلى الجياع والمرضى والمحتاجين في غزة، بحجة أنها مخالفة لاتفاقيات السلام مع العدو الصهيوني!!

واليوم ما يحدث في غزة بعد 1400 سنة هو نفس ما حدث مع النبي وصحبه في شعب بني هاشم.. فالحصار هو حصار من الأهل والعشيرة.. فهل تخلف العرب إلى هذا الحد ورجعوا بعقارب الساعة إلى ما قبل 1400 سنة؟!

واليوم وبعد ثلاث سنين جحاف يقوم الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بزيارة قطاع غزة. زيارة هي الأولى له بصفته الرسمية.. وكان لا بد لإتمامها من أيام من التنسيق والإعداد والإجراءات التي بدأت منذ مجزرة (أسطول الحرية). لكن موسى لم يجد سوى التمنيات بفك الحصار، من دون أن يميز عن أي حصار يتحدث: العربي أو الإسرائيلي؟
فقد قال موسى، لدى اجتيازه معبر رفح، إنّ (حصار غزة يجب أن يُكسر)، مذكراً بأنّ (قراراً عربياً صدر بهذا الشأن يجب تنفيذه). وأكد أنّ (قرار الجامعة العربية واضح في كسر الحصار والمطالبة في رفعه وعدم التعامل معه). وأشار إلى أن (شعب فلسطين لا يستحق أن يقف بجانبه العرب فقط، بل العالم كله الآن يقف معه ضد حصار غزة وضد ما يحدث في الأراضي المحتلة وعلى رأسها القدس الشرقية).

كلام عمرو موسى جميل ونتمنى أن يفعّل على الأرض، فمن المعيب وبل من العار على العرب أن تأتي قوافل المساعدات إلى غزة من كل أنحاء العالم متحدية الحصار الصهيوني ودافعة الثمن من حياة المتطوعين لإيصال هذه المساعدات كما حصل في السفينة التركية (مرمرة) حين تصدى الناشطون الأتراك بلحم أجسادهم للوحشية الصهيونية ونار غدرهم، ليحولوا دون وصول هذه المساعدات إلى المحاصرين في غزة.

فإذا جاء المئات من المتطوعين الأجانب من نحو أربعين بلداً على ظهر سفن أسطول الحرية بهدف كسر الحصار على غزة، فما هي الأسباب التي حالت دون وصول عمرو موسى إلى غزة وزيارتها بعد فرض الصهاينة الحصار الجوي والبحري والبري عليها قبل ثلاث سنوات، وقد أعلن العرب في مؤتمر القمة بعد قرار الدولة العبرية حصار غزة بكسر هذا الحصار ورصد مئات الملايين من الدولارات لتنفيذ قرار كسر الحصار الذي ظل وبعد ثلاث سنين من إصداره حبراً على الورق.. أقول لماذا لم يقم عمرو موسى بتنفيذ ذلك القرار وهو المؤتمن على تنفيذه بصفته الأمين العام لجامعة الدول العربية ومكتبه لا يبعد عن غزة سوى ثلاث ساعات براً؟!