صفقة أمريكية إيرانية 11

مقالة رقم (11)

صفقة أمريكية إيرانية لإسقاط

نظام صدام حسين مقابل تسهيلات غربية لإيران

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

تابع البرنامج النووى الإيرانى:

( 1 )

تقاطع المصالح الغربية والإيرانية

حميد رضا أصفى

على الرغم من أن الدلائل تشير الى عقد صفقة أمريكية إيرانية حول إسقاط نظام صدام حسين (لأنهما اكثر دول العالم استفادة )الا أن الخارجية الإيرانية نفت ذلك تماما على لسان حميد رضا أصفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية صبيحة يوم 7 ابريل 2003 الذى قال: لم نبرم اى اتفاقات ، كما لم نجر اى تنسيق مع الادارة الامريكية أو ما شابه. لكن الدلائل أشارت الى قيام الادارة الامريكية بالتعرف على موقف قادة طهران خاصة المتشددين منهم  حول إسقاط نظام صدام حسين قبل الغزو الامريكى للعراق فى 20 مارس 2003 بحوالي تسعة أشهر حيث كانت هناك لقاءات بين أجهزة استخبارات الدولتين فى عدد من الدول الأوربية منها سويسرا حيث عقد لقاء بين إستخبارات الدولتين فى جنيف ، وقبل ذلك عقد عدد من اللقاءات بين إستخبارات إيران وكل من إستخبارات ألمانيا وفرنسا ولندن ، وبدأت تلك اللقاءات فى يونيو 2002 وحتى نهاية مايو 2003 ، لكن حتى الآن لم يتم كشف الكثير حول تلك اللقاءات والصفقات التى أبرمت فى هذا الخصوص .

واشنطن تتهم ايران بالتدخل فى شئون العراق:

فور سقوط بغداد فى 9 ابريل 2003 فى أيدى الحلفاء أخذت الادارة الامريكية تلوح بإتهام ايران بالتدخل فى الشئون العراقية وإثارة الفوضى داخله مستغلة فى ذلك ورقة الشيعة بالعراق. وقد بدا واضحا أن إتهامات الإدارة الأمريكية كان هدفه  تحييد التيار الإيراني المتشدد وذلك أملا فى تغيير سلوكه سلميا ، وقد إستخدمت واشنطن فى ذلك تفاقم الخلافات بين التيارات السياسية الإيرانية المتباينة (خاصة بين التيارين الإصلاحي والمحافظ حيث يسعى كل منهما الى بسط نفوذه على السلطة). فى الوقت نفسه تسعى واشنطن لتطوير ذلك الخلاف ليأخذ أشكالا أبعد واكثر عمقا مما هو عليه الآن مثل: (1) الإحتجاجات الشعبية.. أو (2) ربما حرب أهلية إذا اقتضت الضرورة . وترى واشنطن انه إذا كانت هناك إمكانية لانهيار الحكومة الإيرانية من الداخل فليس هناك داع لضغوط خارجية لا يمكن توقع نتائجها، بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لذلك.

بصفة عامة كان يتضح شكليا أن خطة واشنطن تجاه ايران بعد سقوط نظام صدام كان يتمثل فى الآتي: (1) الضغط على ايران من جميع الاتجاهات للكشف عن نشاطها النووي فى محاولة للسيطرة عليه أوالعمل على تدميره.  (2) أيضا التركيز على الخلافات الداخلية وتوسيع دائرة الصراع بين الجبهات المتنافسة أملا فى إحداث تغيير النظام الإيراني المتشدد ليحل محله تيار إصلاحي حقيقى وليس فى الشكل كما هو الحال مع محمد خاتمى.

كيف استفادت ايران من سقوط نظام صدام حسين؟:

فى 10 ابريل 2003 اجتمعت القيادة السياسة الإيرانية لبحث تطورات الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط وأثر سقوط نظام صدام حسين على المنطقة بصفة عامة وإيران بصفة خاصة ، وقد تبين للقادة الايرانيين من خلال تقارير الاستخبارات الإيرانية أن طهران  حققت مكاسب عديدة بسقوط نظام صدام حسين منها: (1) التخلص من نظام لم يخف عداءه لإيران.   (2) أن الحرب الامريكية قضت على أسلحة الدمار الشامل العراقية المحتمل وجودها بالعراق وهو ما يخدم المصلحة الأمنية الإيرانية خاصة وان صدام حسين استخدم الأسلحة الكيماوية ضد إيران  فى حرب الثمانينات .    (3) أن تغيير النظام فى العراق سوف يعزز من مكانة ايران داخل العراق وذلك بإتاحة فرصة اعظم للشيعة العراقيين للمشاركة فى السلطة العراقية التى ستصبح بالتبعية موالية للنظام الإيرانى الشيعى .     (4) أن وجود القوات الامريكية فى العراق سوف يعزز من فرص التقارب بين ايران وكل من مصر والسعودية عن طريق الضغط الأمريكى على هاتين الدولتين الأخيرتين.     

(5) اضافة الى ما تقدم العمل على تنامي التقارب السياسى بين طهران والنظام العراقي الجديد خاصة وان النظام الإيراني يتمتع بمرونة غير عادية وقد ظهر ذلك فى تعاملها مع حكومة قرضاي الأفغانية، وهو ما يؤكد زيادة فرص تطور العلاقة الإيرانية العراقية مستقبلا.

وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني فقد أكد وزير الخارجية الإيراني كمال خرازى أن ايران سوف تستخدم الطاقة النووية فى الأغراض السلمية ، وأنها ستسمح لمفتشي هيئة الطاقة النووية الدولية بزيارة مفاعلاتها ، كما ان ايران لم تفعل ما يخرق القواعد الدولية الخاصة بالبرنامج النووي ، اضافة الى أن طهران وافقت على إعادة الوقود المستنفد الى روسيا حسب الطلب الذى تقدم به خبراء أمريكيون .  واضاف خرازى : لقد أعلنا انه من حق أي دولة الدخول فى المناقصات التى تطرحها ايران لبناء المفاعلات الخاصة بالبرنامج النووي ومنها الولايات المتحدة الامريكية .

تصعيد إسرائيلي شكلى ضد ايران:

شيمون بيريز

مستغلة الظروف التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط أعلنت الحكومة الإسرائيلية فى أوائل مايو 2003 على لسان شيمون بيريز وزير الخارجية اتهام قادة طهران بالسعي لإبادة اسرائيل عن طريق تزويد حزب الله بصواريخ متوسطة المدى يمكنها إصابة مناطق داخل اسرائيل. فى نفس الوقت قامت حكومة اسرائيل بعقد اجتماع خاص بمشاركة شارون وعدد من رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لبحث تهديدات كل من حزب الله وإيران ، وخلص الاجتماع الى ضرورة تكثيف جهود اسرائيل حيال هذا التهديد وذلك بسرعة العمل لكسب تأييد دولي ضد ايران وحزب الله .

روسيا تتراجع شكليا لحساب واشنطن:

الكسندر روميانتسيف

في 8  مايو 2003  أكد بعض المسئولين الروس أن  روسيا  لن تزود مفاعل بوشهر بالوقود الا إذا وقعت ايران على البروتوكول الذى يسمح بفرض رقابة دولية مشددة على المفاعل .  فى نفس التوقيت  خرج  وزير الطاقة النووية الروسية الكسندر روميانتسيف ينفى ما أعلنه المسئولون الروس ويؤكد على أن المساعدة النووية الروسية لإيران غير مشروطة بتوقيع البروتوكول السابق الإشارة إليه.   لكن مع بداية شهر يونيو 2003 عاد وزير الطاقة النووية مرة ثانية وصرح بربط مساعدة موسكو الى دولة ايران فى مجال الطاقة النووية وتوفير ما يلزم لتشغيل مفاعل بوشهر بشرط  توقيع ايران على اتفاق إعادة الوقود المستنفد الى روسيا ( وهو ما اتفق عليه من قبل ) ، وأضاف وزير الطاقة الروسي: أن روسيا سوف تؤخر تسليم مفاعل بوشهر الى ايران لمدة عام بحيث يتم تسليمه عام 2005  بدلا من 2004 وذلك لعدة أسباب منها ضرورة توقيع الاتفاق الخاص بين روسيا وإيران وهو الاتفاق الخاص  باستعادة الوقود المستنفد ، اضافة الى ضرورة البدء أولا فى استبدال المعدات الألمانية القديمة التى قدمتها شركة سيمنز فى عام 1995بأخرى روسية متطورة . وشدد الوزير الروسي على أن القوانين الروسية الجديدة تفرض ان تأخذ فى الإعتبارعواقب إستخدام الطاقة النووية على البيئة حيث يدرج ذلك فى  الاتفاقيات المبرمة مع الدول الأخرى .

ولكن لماذا هذا التراجع الروسي المفاجئ ؟:

حول هذا التراجع فى الموقف الروسي إزاء ايران أشارت معلومات فرنسية تم تسريبها فى ذلك الوقت الى حدوث تطور فى العلاقات الامريكية الروسية يصل الى حد عقد صفقة بين الطرفين حول منطقة وسط آسيا . وتشير تلك التسريبات الى أن روسيا تسعى الى الاعتراف بها كقوة عظمى ، وان الرئيس الروسى بوتين يسعى الى استعادة بعض الجوانب التى كان يتمتع بها الاتحاد السوفيتي فى الماضى مثل إرساء قوة عظمى وسلطة مركزية ومجتمع مستقر ، اضافة الى توطيد العلاقة بين روسيا وشركائها الإقليميين مثل الصين والهند وإيران . وهو ما يعنى ان روسيا تسعى لاستعادة مكانتها باعتبارها القوة الأولى فى المنطقة ( وهو ما يتعارض مع المشروع الامريكى ) .

**************

(2)

مناورات دبلوماسية إيرانية نحو الغرب

ايران تمد يدها الى واشنطن : فى 3 يونيو عام 2003 أعلن حميد رضا أصفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية : انه إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قلقة بشأن البرنامج النووي الإيراني فلتشارك واشنطن فى استكمال المفاعلات النووية  . جاء ذلك التصريح فى الوقت الذى شعرت فيه القيادة الإيرانية بحدوث نوع من الضغوط الروسية على النظام الإيراني ، خاصة وان روسيا بدأت تستجيب لبعض مطالب الولايات المتحدة الامريكية . فى نفس الوقت قصد النظام الإيراني بتلك التصريحات تفويت الفرصة على الأمريكيين وذلك عن طريق تقديم عرض لمشاريع صناعية عملاقة للشركات الأمريكية تشارك بها فى البرنامج النووي الإيراني وفى مجال الطاقة بصفة عامة.

اضطراب فى الرؤى الامريكية:

أما عن رد الفعل الأمريكي إزاء المقترح الإيراني الخاص بمساهمة واشنطن فى بناء البرنامج الإيراني فقد جاء فى البداية متباينا بين السياسيين الأمريكيين مما احدث نوعا من الجدل الواضح والغير متوقع داخل الإدارة الأمريكية بين مؤيد ومعارض وغير متوقع ، وفى النهاية رفضت واشنطن الاقتراح الإيراني . ولعل ذلك المأزق الذى وقع فيه الأمريكيين لبعض الوقت جعل ساسة ايران يلتقطون أنفاسهم ويبحثون عن مخرج  آخر  خاصة بعد  الرفض الأمريكي والعودة الى  سياسة الضغط مرة ثانية على النظام الإيراني مع احتفاظ واشنطن بورقة التدخل فى بناء المفاعلات الإيرانية .     كما يلاحظ أن الرفض الامريكى غير المتوقع يعنى ان الأمريكيين يشككون فى حقيقة نوايا قادة ايران خاصة وان الجبهة الداخلية الإيرانية مازالت منقسمة على نفسها تجاه العلاقات مع واشنطن ، وان الطرف الرافض لتطوير العلاقات مع واشنطن هو الطرف الأقوى على الساحة والذي بيده سلطة اتخاذ القرار فى ايران ( زعماء الثورة الإسلامية والحوزات الدينية التى لها تأثير كبير فى المجالس الإسلامية المحلية والمجالس الكبرى والجيش والسلطات القضائية ..).

تعاون فرنسي ألماني أمريكي:

فى 10 يونيو 2003 سربت معلومات تشير الى وجود تعاون فرنسي أمريكي يتعلق بكشف غموض البرنامج النووي الإيراني ، وان الاستخبارات الفرنسية أوضحت فى تقرير لها الى وجود برنامج إيراني سرى يعمل بالتوازي مع البرنامج السلمي . وشدد التقرير الفرنسي على توجه ايران نحو البرنامج العسكري النووي الذى يستخدم تقنية الارتكاس التى تعمل على تخصيب اليورانيوم الى الدرجة المطلوبة لتصنيع السلاح النووي . كما أكد التقرير الفرنسي على أن ايران حاولت الحصول على معدات نووية خاصة بإعادة معالجة الوقود النووي خلال عام 2000 . وأوضح التقرير أيضا أن ايران قامت باستيراد نحو 1000 كيلو جرام من اليورانيوم الطبيعي فى بداية التسعينات دون إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية التى لا تدرى عن ذلك شيئا ، اضافة الى قيام ايران بإنتاج الماء الثقيل بعد حصولها على تلك التكنولوجيا من السوق السوداء فى مطلع التسعينات وان لديها منشأة تقوم بذلك فى مدينة أراك.    فى نفس الوقت توصل التعاون الاستخباراتى الألماني الفرنسي الذى يعمل داخل الأراضي الإيرانية الى معلومات هامة عن طريق بعض عملائهم ، وقد أشارت تلك المعلومات (سربت بعضها لوسائل الإعلام ) الى أن ايران قامت بترسيب اليورانيوم الطبيعي الموجود فى أراضيها بالقرب من منطقة يازد ، وان ايران فى هذا الصدد تستعين بخبراء وعلماء أجانب فى بعض برامجها النووية خاصة من باكستان وكوريا الشمالية وبعض دول أوربا الغربية ، وشددت تلك المعلومات على أن ايران تمتلك فى موقع ناتانز النووي وحدة لانتاج اليورانيوم المخصب .  وان كلا من إنتاج البلوتونيوم والماء الثقيل قد تجاوز بكثير حاجات البرنامج المدني الخاص بالصناعات الكيمائية وهو فى طريقه الآن لانتاج القنبلة.

إيران ترفض الاتهامات الأوربية الأميركية :

غلام رضا أغا زاده

فى 12 يونيو عام 2003 رفضت الخارجية الإيرانية فى بيان لها اتهامات واشنطن والدول الأوربية بمحاولة قيام ايران بإنتاج قنبلة نووية .   وشدد بيان الخارجية على ان ايران ملتزمة بتعهداتها في ظل قوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،  وأن البرنامج النووي الإيراني يستخدم فى الأغراض السلمية  تماما، ويهدف إلى تعويض النقص في الطاقة مستقبلا. جاء ذلك الرفض الإيراني بعد أن وجهت مجموعة دول الثماني الصناعية الكبرى ومنها روسيا الاتهامات الى النظام الإيراني  بمحاولة إنتاج أسلحة  نووية مما يهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا ، خاصة وان واشنطن طالبت بضرورة منع النظام الإيراني من إنتاج أسلحة الدمار الشامل .    وقد أكد غلام رضا أغا زاده رئيس الطاقة الذرية الإيرانية أن ايران ملتزمة بتعهداتها في ظل قوانين الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وطالب الوكالة بإيقاف المحاولات الأميركية بمنع إيران من الحصول على المزيد من التكنولوجيا النووية.  وقال إن البرنامج النووي هو سلمي تماما ويهدف إلى تعويض النقص في الطاقة الإيرانية في المستقبل.

وكالة الطاقة تحث إيران على فتح منشآتها النووية للتفتيش عليها:

فى 19 يونيو عام 2003 أصدر مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكون من 35 دولة والذي كانت ترأسه الكويت فى ذلك الوقت بيانا عن عدم التزام إيران باتفاق الأمان النووي الذي يهدف إلى منع استخدام المواد النووية المخصصة لأغراض مدنية في تصنيع أسلحة دمار شامل . وطالب مجلس الوكالة من السلطات الإيرانية بضرورة منح الوكالة الدولية للطاقة الإذن لدخول المواقع المشتبه فيها وذلك لوضع حد للشكوك التى تحوم حول طهران بشأن سعيها لامتلاك أسلحة نووية . فى نفس الوقت طالب رئيس المجلس من السلطات الإيرانية بالموافقة الفورية وغير المشروطة وتطبيق بروتوكول إضافي يلحق بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ويسمح بإجراء التفتيش على جميع المواقع بما فيها تلك التى لم تبلغ عنها طهران .    وذكر تقرير الوكالة أن إيران اشترت 1.8 طن من اليورانيوم عام 1991 وبدأت فى إقامة محطات لتخصيب اليورانيوم دون إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة ، ومع ذلك ذكر التقرير أن إيران تتخذ خطوات لتصحيح هذا الوضع.

وطالب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي فى بيان للوكالة بضرورة قبول إيران لعمليات تفتيش أكثر دقة وغير مشروطة للمنشآت النووية الإيرانية . واكد البرادعى على أن الوكالة الدولية توصلت في اجتماعها بفيينا(النمسا) إلى أنه على إيران أن تقبل بروتوكولا جديدا للتفتيش دون أي شروط ، وحث حكومة طهران على استمرار الشفافية فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

ايران ترفض ضغوط الوكالة الدولية للطاقة:

على صالحي

فور تصريحات رئيس مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الكويتي الجنسية فى 19 يونيو 2003 أعلن على صالحي مندوب ايران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفض دعوة رئيس المجلس ، وقال :   لم يكن هناك إجماع بمجلس حكام الوكالة المكون من 35 دولة بشأن ما إذا كان يجب على إيران أن تقبل دون شروط إجراء تفتيش أكثر صرامة على المنشآت النووية . وأوضح على صالحي أن عددا محدودا من  الدول فقط هي التى كانت تؤيد ذلك . وشدد مندوب ايران لدى الوكالة الدولية على أن الولايات المتحدة فشلت فى استصدار قرار من مجلس أمناء الوكالة يدين طهران بشأن برنامجها النووي .

فى نفس الوقت أعلن مدير الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية غلام رضا أغا زاده بأن مجلس حكام الوكالة الدولية توصل الى ان الأنشطة الإيرانية شفافة . وفيما يتعلق بتوقيع البروتوكول الإضافي فقد أعلنت الخارجية الإيرانية إنها لن توقع على البروتوكول إلا إذا رفع الحظر المفروض على ايران والخاص باستيراد التكنولوجيا النووية الغربية السلمية. الا ان رضا اغا زاده أكد ان ايران لم تطرح اى شروط مسبقة  لتوقيع بروتوكول إضافي على معاهدة الحد من الانتشار النووي والذي يتيح لمفتشي الوكالة الدولية القيام بزيارات مفاجئة لأي منشأة نووية . فى نفس الوقت شدد أغا زاده على شرط الشفافية من جميع الأطراف وليس ايران فقط . ثم عاد واكد على استمرار التعاون مع الوكالة الدولية وذلك لتبديد اى قلق من قبل الأطراف الأخرى .

روسيا تدعم الموقف الإيراني: فى نفس الوقت 19 يونيو 2003 رحبت روسيا التي تشرف على بناء مفاعل بوشهر النووي في إيران بالبيان الذى صدر عن مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة وذلك عندما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي يوري فيدوتوف إن موسكو مسرورة لأن الوكالة الدولية للطاقة لم تدن إيران في بيان مجلس أمنائها . في نفس اليوم صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الرئيس الإيراني محمد خاتمي أكد له مؤخرا أن إيران ليس لديها أي خطط لتطوير أسلحة نووية.

*****************

(3)

العودة إلى سياسة الشد والجذب

فى 20 يونيو 2003 أعلنت الادارة الامريكية ان بيان مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يرق إلى حد يتفق مع المطالب الأميركية. وطالبت واشنطن  بضرورة استخدام لهجة شديدة في مطالبة إيران بقبول عمليات تفتيش أكثر صرامة . وشددت واشنطن على أن المجتمع الدولي لن يقبل قيام ايران بتصنيع سلاح نووي. فى نفس الوقت دعا الرئيس الأميركي جورج بوش المجتمع الدولي إلى العمل سويا من أجل منع طهران من تطوير أسلحة نووية.

تحذير أوروبي للنظام الإيراني:

فى نفس اليوم (20 يونيو 2003 ) وجه الاتحاد الأوروبي تحذيرا إلى إيران بشأن برنامجها النووي، وأعربت مسودة البيان الختامي للقمة الأوروبية التى عقدت باليونان عن قلقها البالغ إزاء بعض الجوانب في البرنامج النووي الإيراني . ودعا البيان الاوربى حكومة طهران إلى اعتماد الشفافية التامة بغية إعادة الثقة التي تفتقرها ايران في الوقت الحاضر.  كما دعا القادة الأوروبيون حكومة طهران إلى سرعة التوقيع والتصديق أيضا ودون شروط على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يجيز القيام بعمليات تفتيش مفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية.

تشدد إيراني:

فى 21 يونيو عام 2003 وإزاء تجدد الضغط الأمريكي جاء الرد الإيراني اكثر عمقا عندما أعلن غلام رضا اغازاده مدير وكالة الطاقة الذرية الإيرانية بأنه لن يسمح لمفتشي وكالة الطاقة الدولية الذرية بأخذ اى عينات من المنشآت النووية الإيرانية او من شركة ( كلايه اليكتريك ) فى طهران بغرض إجراء فحوص عليها . وشدد أغازاده على ان بلاده أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن موقع ( كلايه ) غير نووي وأنه لا توجد مشكلة تتعلق بفحص العينات البيئية هناك  خاصة وانه لم يتم اختبار اى مواد نووية فى تلك المنطقة،  وقال اغازاده: ان المنشآت المطلوب تفتيشها هي غير نووية وان طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية غير قانوني فى هذا الخصوص. واضاف أغازاده : انه إذا قبلت ايران العمل بمبدأ  التفتيش المفاجئ فلن يكون لذلك نهاية . وقد اعتبر موقف اغازاده يمثل تغيرا فى الموقف الإيراني الرسمي بعد ان كانت ايران قد أعلنت فى 19 يونيو 2003 عن عزمها فى التعاون مع الوكالة الدولية ( والمعروف ان غلام رضا اغازاده كان وزيرا للنفط فى الفترة من 1988 الى 1990 ، وهو من مواليد تبريز ، ويحظى بثقة مرشد الجمهورية الإسلامية على خامنئى).

تأييد أميركي لإستخدام القوة العسكرية ضد إيران:

فى 24 يونيو 2003 أشار استطلاع للرأي العام بصحيفة الواشنطن بوست أن 56% من الأميركيين يؤيدون استخدام القوة العسكرية ضد إيران وذلك لحرمانها من حيازة أسلحة نووية ، فى حين عارض نحو 38% من الأمريكيين هذا التوجه . ويتزامن هذا الدعم الذي أبداه الأميركيون في الوقت الذي يتزايد فيه عدد قتلاهم في العراق ،  حيث اعتبر 50% ممن تم استطلاعهم أن نسبة القتلى والجرحى من الأميركيين في العراق مقبولة, بعد أن كانت هذه النسبة 67% في أوائل أبريل 2003.

الصفقة:

فى 25 يونيو عام 2003تصاعدت التصريحات النارية الامريكية من قبل صقور البيت الابيض الامريكى أعقبتها صيحات أخرى مماثلة على الجانب الإيراني ،  ثم فجأة ودون سابق إنذار خفتت تلك الأصوات تماما نتيجة تطور أحداث مجاهدي خلق المعادية للنظام الإيراني والتى احتضنتها فرنسا عام 1980 ثم الجناح العسكري لمجاهدي خلق المتواجد بالأراضي العراقية (تحت السيطرة الامريكية)والتى دارت حولها الشبهات . ويبدو ان واشنطن أخرجت ذلك الكارت الحرج ضد النظام الإيراني . تشير بعض التقارير الى حدوث تعاون مكثف بين  عناصر المخابرات الامريكية ونظيرتها الفرنسية وذلك لبحث استغلال ملف مجاهدي خلق !!!. ( والمعروف أن مجاهدي خلق هي المعارضة الإيرانية بالخارج والتى تنادى بعودة النظام الملكي العلماني الإيراني وإلغاء نظام الدولة الإسلامية ). وبالفعل بدا واضحا ان هناك صفقة ما فى سبيلها الى التنفيذ وقد تمثلت فى الآتي: (1) قيام حكومة طهران بتسليم بعض العناصر من تنظيم القاعدة للولايات المتحدة الأمريكية . (2) أيضا أحداث تغييرات داخلية تتعلق بالإصلاح السياسى داخل ايران . (3) ثم التوقيع على البروتوكول الإضافي لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية .  وفى المقابل تقوم واشنطن بتهدئة الجناح العسكري لمجاهدي خلق الموجودين بالعراق ، كما تقوم باريس بالضغط على  رموز معارضة مجاهدي خلق الموجودين بفرنسا أيضا.

ضغوط أوربية على طهران:

تلت مرحلة الصفقة الفرنسية-الامريكية مع ايران ضغوطا مكثفة من قبل فرنسا والمانيا وانجلترا على حكومة طهران كى تقوم الأخيرة بالتوقيع على البروتوكول الإضافي لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية الا ان جدلا عميقا قع داخل المؤسسة الإيرانية كاد يؤدى الى حدوث انقسام يهدد أمن البلاد خاصة وان التيار المحافظ يرفض كلية التوقيع على البروتوكول حيث يرى ان عملية التوقيع هى مجرد بداية ليس لها نهاية وسوف تؤدى حتما الى إذلال ايران وتعريض أمنها للخطر بل وستعرض أسرارها للإفشاء ، وعليه فيرى المحافظون ضرورة ان يتولى العسكريون أمر هذا الموضوع . بل والأكثر من ذلك ان طالب المحافظون من الحكومة بضرورة الخروج من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية .

ضغوط أمريكية على الحكومة اليابانية:

فى 29 يونيو 2003 قامت أجهزة الاستخبارات الإنجليزية بتسريب معلومات الى الإعلام الإنجليزي تشير الى وجود ضغوط حادة تمارسها الإدارة الأميركية على الحكومة اليابانية لثنيها عن توقيع صفقة عقود نفطية مع الحكومة الإيرانية تصل قيمتها إلى ملياري دولار أميركي من المفترض أن يتم التوقيع عليها خلال أيام فقط . وأوضحت تلك المعلومات ان المفاوضات بين الطرفين الياباني والإيراني قد بدأت فى هذا الخصوص منذ عدة سنوات من اجل إبرام هذه الصفقة. وقد أشارت إحدى الصحف الإنجليزية إلى أن ذلك التدخل الامريكى يعد أول تدخل مباشر في الشئون اليابانية التجارية الخاصة بالعلاقات اليابانية الإيرانية .

بريطانيا تحذر إيران بشأن برنامجها النووي:

جاك سترو

فى 30 يونيو 2003 بحث وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أثناء زيارته طهران مع نظيره الإيراني كمال خرازي عددا من القضايا الهامة على رأسها الملف النووي الإيراني إضافة إلى الأوضاع في العراق وعملية السلام في الشرق الأوسط والحرب العالمية على الإرهاب والتعاون مع الاتحاد الأوروبي. يذكر ان زيارة سترو لإيران تعد الرابعة في غضون عامين في أجواء من التوتر تسود إيران بسبب مطالبة الولايات المتحدة لحكومة طهران بمزيد من الديمقراطية والانفتاح ، إضافة إلى إعلان صريح من واشنطن بأنها لن تسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية خاصة بعد ان صنفها بوش فى خانة محور الشر. وقال سترو خلال لقائه مع نظيره الايرنى كمال خرازى : إن امتناع إيران عن إخضاع مواقعها النووية لعمليات تفتيش أوسع نطاقا قد يقوض الثقة الدولية في نظام طهران ويلحق الضرر بالتعاون التجاري والاقتصادي بين ايران والاتحاد الأوروبي . وشدد سترو على ان تعاون ايران مع الاتحاد الاوربى مرهون بمسائل أسلحة الدمار الشامل وحقوق الإنسان.  وطلب وزير خارجية بريطانيا من الحكومة الإيرانية بضرورة  التوقيع فورا ودون قيد أو شرط  على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل . فى نفس الوقت أوضح سترو أن بلاده لا تعارض البرنامج النووي الإيراني طالما كان للاستخدامات المدنية .

ايران ترد:

وفى 30 يونيو 2003 أعلن كمال خرازى وزير الخارجية الإيراني أن البرنامج  النووي الإيراني مقصور على الأغراض السلمية . وشدد وزير الخارجية على أن طهران تريد الاطلاع على تقنيات نووية قبل التوقيع على البروتوكول الإضافي ، وأن إيران ملتزمة بالشفافية،  إلا أنها تطالب فى نفس الوقت بالتزام الأطراف الأخرى بالشفافية بنفس القدر.

وفيما يتعلق بالبروتوكول الإضافي : يرى التيار الإصلاحي الذى يتزعمه الرئيس محمد خاتمى ان البروتوكول الإضافي يتضمن جوانب إيجابية تعطى إمكانيات جديدة فى مجال إنتاج الطاقة والحصول على تقنية نووية متطورة . لكن التحفظ الوحيد على هذا البروتوكول يتمثل فى ضرورة توقيع كل دول العالم على البروتوكول ليكون آمنا وموثوقا فيه.

الاتحاد الاوربى يعيد النظر فى سياسته تجاه ايران:

فى 14 يوليو 2003 اصدر الاتحاد الأوروبي بيانا أكد فيه على ضرورة  إعادة  النظر في المفاوضات التجارية الجارية مع إيران بسبب تمسك الأخيرة بموقفها إزاء التنازلات التي طلبها الاتحاد من ايران والتى اعتبرها شرطا للتوصل إلى اتفاق مشترك والمتمثلة فى:

(1)        تحديد موقف طهران من شفافية البرنامج النووي الإيراني.  (2) تحديد موقف الحكومة الإيرانية من دعمها للجماعات الإرهابية .  (3) عدم وضع العقبات أمام عملية السلام بالشرق الأوسط.  (4) ثم تحديد موثق طهران من مسألة حقوق الانسان .

وقد شدد بيان الاتحاد الأوروبي على أهمية تلك التنازلات من أجل تقدم المفاوضات مع ايران.   ويذكر انه بعد  مرور عام على بدء المفاوضات التجارية توصل الأوروبيون الى أن جهود طهران لطمأنة العالم حيال الطابع السلمي لبرنامجها النووي فقدت قيمتها خاصة بعد قيام طهران بإجراء تجربة ناجحة على إطلاق صاروخ بعيد المدى قادر على الوصول الى عمق الأراضي الإسرائيلية.

يوشكا فيشر

فى نفس الوقت أعرب وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر ونظيره البريطاني جاك سترو عن خيبة أملهما لتناقض التصريحات الإيرانية مع الواقع  خاصة فيما يتعلق بالتوقيع على البروتوكول الإضافي . واعتبر فيشر رفض إيران فتح منشآتها النووية للتفتيش ناجما عن عدم تحقيق تقدم في الملفات الأخرى. كما أشار بيان الاتحاد الاوربى إلى أن المشاكل التي سجلت في الجداول الزمنية لمباحثات اتفاق التعاون التجاري مع ايران ، قد تؤدى الى إلغاء ذلك الاتفاق  ، وهو ما يعنى أن الاتحاد الاوربى سيعيد النظر كلية فى استراتيجية تعامله مع النظام الإيراني .