الطفولة في غزة و الضفة

ميزوني محمد البناني

تنزف دما !

ميزوني محمد البناني* - تونس

[email protected]

الصور التي تصلنا هذه الأيام ، من قطاع غزة ، و الضفة الغربية ، ضمن النقل التلفزي الحي ، أصدق إنباء من كل المعاهدات ، و حفلات المصافحة ، و خطب السلام ، و أحلام التسوية.

لن يجد لها مجمع اللغة العربية، و لا المواثيق العالمية لحقوق الإنسان و الحيوان، و لا مجلس الأمن، و لا الشرعية الدولية، و لا النظام العالمي الجديد ذي الناب الواحد عبارات تتسع لها، وتفي بغرضها، و توفيها الكيل و الميزان..

ماذا حدث لهذا العالم المتمدن ؟ غارات جوية بطائرات أف 16 ، و قنابل ذكية نشيطة ، وصواريخ عمياء موجهة بالأحقاد و أمراض التاريخ و الجغرافيا ، تستهدف الأطفال - و لا تستثني الرضع – في الملاعب ، و المهاد ، و الفرش، و أحضان الأمهات ، و الحصيلة استشهاد أكثر من عشرين  طفلا و عشرة نساء و قرابة  المائة شهيد وإصابة ما يفوق  الثلاثمائة  مدني …

   هل فقد العالم رشده ،ومناعته، وأصيب بالصّرع ؟

   ماذا سيقول الضمير العالمي الجديد لأرواح أطفال فلسطين، و لهذه الأرواح قاموس ملائكي لا يطيع لسانه الملتهب في عصر تلوث المشاعر البشرية و احتضار ضمير الإنسان المتقدم المتوحش ؟

   ماذا سيقول الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للشهيد الرضيع: محمد ناصر البر عي ابن الستة أشهر ولغيره من رضع فلسطين ؟

   ماذا سيقول لغيرهم من أطفال فلسطين الذين تحصد الآليات الصهيونية أرواحهم الطاهرة و تهدم مدارسهم و رياضهم ، و مصانع حليبهم ، و تدق عظام أهلهم  ، وتعتدي على الزرع و الضرع و الأرض و العرض و النسل ، تحت أنظار الأقمار الصناعية و الفضائيات و عيون التجسس العالمية ، و عدادات الأنفاس و الدورات الدموية ؟

   هل مازال أطفال العرب في العراق و فلسطين و لبنان يثقون في كلام المجتمع الدولي، و كل المواثيق المختومة بأختام الأمم المتحضرة ؟

   هل مازالت الطفولة التي تنزف دما في أرض العرب و ينتهي ربيعها إلى ثلاجات الموتى تصدق أجدا ؟

ضال هو كلام العالم << المتقدم >> في توحشه ! كاذب ! منافق ! مريض ! مصاب بعقد التاريخ و الجغرافيا و الحسابات القديمة !

لن يقبل الأطفال اعتذاراهم –إن اعتذروا ولن يعتذروا- ولن يسمحوا لأحد بتقبيل أيديهم الطاهرة الباردة في ثلاجات الموتى، و لا حتى أرجلهم الصغيرة، وسوف يغلقون آذانهم في وجه همسات الندامة المعلبة –إن ندموا - و الرسائل الإلكترونية العابرة للقارات !

ما عادوا يصدقون نشرات الأنباء العربية و العالمية، و لا برامج الأطفال، و لا منظمات أطفال بلا حدود و لا دموع التماسيح أو العاجزين أو المتواطئين.

يعلم أطفال فلسطين و لبنان العراق أن العالم المتمدن القاسي قد خذلهم…   

يعلمون أن الدم العربي صار رخيصا أرخص حتى من دم الحيوانات..

يعلمون أن جمعيات الدفاع عن حقوق الحيوان قادرة – إن هي أرادت – على نصب المحاكم الشرعية للمتسببين في << عذابات نفسية >> لأي حيوان ،وأنها غير قادرة – حتى و إن هي أرادت – على محاسبة أو معاتبة المتسببين في ضياع أرواح الأطفال العرب و ربيعهم ..

سقط قناع هذا العالم المتجبر المتنطع . سقط فتلاشى الكلام، و انعقد اللسان، وضاقت العبارة، حتى صارت بلا خرم و لا أخلاق، و ضمير.. أما إنسانية الإنسان فسوف يظل صوتها باقيا.

سيأتي اليوم الذي يخرج صوتها من تحت الأنقاض  و الرماد و الدماء …

سيحاسبنا التاريخ على صمتنا، و على عجزنا، و على تواطئنا و على شراهتنا الاستثنائية في الطعام و الشرب و غزة تذبح، و الطفولة تنزف دما، و ربيعها بارد ساكن في ثلاجات الموتى …

آه …يا أطفال غزة و الضفة …يا أطفال فلسطين و يا أطفال لبنان و يا أطفال العراق…

ماذا سنقول للتاريخ يوم الحساب ؟ و ماذا سيقول التاريخ عنا بعد الحساب ؟

               

* ميزوني محمد  البنّاني

* مولود في 05/09/1962 بولاية القصرين – تونس.

* حاصل على الأستاذية في اللغة والآداب العربية  .

* رئيس اتحاد الكتاب التونسيين بولاية القصرين

* متفقد المدارس الابتدائية بولاية القصرين .

* نشر مجموعتين قصصيتين للكبار و 12 قصة للأطفال.

* كتب الرواية والمقالة والدراسات النقدية والبحوث التربوية .

* مهتم بثقافة الطفل العربي عامة وبأدب الطفل خاصة وله بحوث ودراسات وأنشطة في الغرض.

* يعّرف بأدباء الغد من الأطفال واليافعين ويشّجعهم  ويساهم في تنظيم أيام لأدب الطفل  ومسابقات في الأدب التلمذي ولقاءات أدبية مع الأطفال في المدارس والمعاهد والمكتبات الجهوية ودور الثقافة والشباب .

* حائز  على الوسام الوطني للاستحقاق الثقافي ( الصنف الرابع في 02 جوان 2007 ) .

* حائز على جائزة الإبداع الجهوي  لأدب الطفل بالقصرين سنة 1999 .

* حائز على جائزة ثقافة الطفل العربي في القصة. أبو ظبي سنة 2001.

* قام برنامج الأطفال  التلفزي : " كتابي أنيسي" ( القناة التلفزية تونس 7 ) بمسرحة قصته  : ً نجحتُ يا ولدي" سنة 2006 .

* ساهم بشهادة بعنوان: " هّيا نكتب للأطفال" في كتاب: " تجربتي في الكتابة للطفل. شهادات لكتاب تونسيين من أجيال  مختلفة"   نشر المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة  على التراث بولاية بن عروس – تونس 2005 .