ثلاث وأربعون سنة على ضياع الجولان وقمة جبل الشيخ

محمد فاروق الإمام

ثلاث وأربعون سنة

على ضياع الجولان وقمة جبل الشيخ!!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

محمد فاروق الإمام

تحل علينا الذكرى الثالثة والأربعين لفقدان المرتفعات السورية التي يعرفها التاريخ بهضبة الجولان إضافة إلى قمة جبل الشيخ الإستراتيجية التي تطل على مدينة دمشق، ويمكن لمن يقف على تلك القمة أن يرى دمشق وأضوائها ليلاً دون استعمال أي منظار لذلك، لأن دمشق باتت منذ العام 1967 على بعد 35 كم من تمركز الجيش الصهيوني الذي احتلها في الخامس من حزيران دون مقاومة أو مدافعة تذكر فقد تُخلي عنها عندما أصدر وزير الدفاع في حينها اللواء حافظ الأسد بيان سقوط القنيطرة، وأمر الفرق والألوية العسكرية بالانسحاب الكيفي من تلك المرتفعات والتخلي عن كل سلاح يعيق حركة الانسحاب!!

عندما تمر علينا هذه المناسبة السوداء من تاريخ سورية ندبلج المقالات نستذكر ونذكّر بتلك الكارثة دون أن نلمس أي صدى عند أولي الأمر في دمشق في محاولة استرجاعها لا سلماً ولا حرباً، في الوقت الذي تطفو على السطح شعارات الصمود والتصدي والممانعة والتحرير والمقاومة والوعيد والتهديد تشغل الحيز الأكبر من ثقافة الإعلام السوري والمسؤولين السوريين على مدى السنين الثلاثة والأربعين الماضية دون ملل أو كلل حتى باتت هذه الشعارات عند الجماهير السورية حد القرف والاشمئزاز من سماعها!!

نعم لقد مج الشعب السوري ترديد أهل الحكم في دمشق هذه الشعارات بمناسبة وغير مناسبة وآن لأهل الحكم في دمشق أن يتوقفوا عن ترديدها لأنها باتت اسطوانة مشروخة وعملة زائفة لم تعد تصرف حتى عند أطفالنا الذين أُريد لهم غسل أدمغتهم وتزييف الحقائق في المناهج الدراسية التي اختارها أهل الحكم في دمشق لهم، وهم يعيشون الثورة المعلوماتية التي لم يعد باستطاعة الحكام إخفاء الحقائق التي يمكن لأي طفل مبتدئ في علم الحاسوب أن يجد الإجابة الصحيحة والحقيقية عن كل أسئلته واستفساراته!!

قد تكون انطلت على بعض الناس في حينها أكذوبة تحرير الجولان في الحرب (التحريكية) في تشرين الأول عام 1973 والتي ادعى فيها أهل الحكم في دمشق تحرير القنيطرة وأجزاء من الجولان، ولكن الجماهير اليوم عرفت الحقائق كاملة والتي تتلخص بأن الدولة العبرية بوساطة أمريكية أعادت لسورية القنيطرة المدمرة وما حولها الذي يشكل نحو (100 كم2) من أصل (1250 كم2) هي مساحة المرتفعات السورية التي احتلتها الدولة العبرية في هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، بموجب اتفاق فك الاشتباك عند الكيلو (54) عام 1974!!

وبالتالي فإن دمشق هي لا تزال على بعد ( 35كم) من مرمى مدفعية الدولة العبرية، في حين أن عاصمة الدولة العبرية (تل أبيب) تبعد عن مرمى المدفعية السورية نحو (250كم) وليتصور المواطن السوري أي خلل في هذا الميزان العسكري!!

وللتذكير فإن عدد سكان الجولان السوريين قبل حلول كارثة حزيران عام 1967 حوالي (130) ألف نسمة كانوا يعيشون في (139) قرية، وفي (61) مزرعة.. واليوم بقي حوالي (16) ألف سوري في 5 قرى، بينما هناك أكثر من 35 مستعمرة يهودية، يقدّر عدد سكانها بأكثر من 15 ألف نسمة، ومعظم هذه المستعمرات يقع على المشارف الجنوبية المطلّة على بحيرة طبرية!!

ونذكّر أيضاً أن الدولة العبرية قد صوت الكنيست فيها في 14 كانون الأول عام 1981 لصالح ضم مرتفعات الجولان إلى الدولة العبرية، وعليه فقد استبدل القانون العسكري الذي حكمت به منذ العام 1967 إلى القانون المدني وإدارة شؤون من تبقى من السوريين في المرتفعات بموجب القانون المدني، وكان للسوريين في الجولان موقف مشرف عندما تمسكوا بأرضهم ولم يغادروها ورفضوا جنسية الدولة العبرية وإعلانهم الإضراب الشهير عام 1982.

أمام هذه الحالة لم نجد أي تغير لمواقف أهل الحكم في دمشق من قضية احتلال الجولان، فلا يزالون هم بنفس تركيبتهم الشمولية التي ترفض الآخر وتقصي أي معارض لها أو ناقد لسياستها سواء الداخلية أو الخارجية، ومتمسكة باللون الواحد والطيف الواحد (حزب البعث) الذي ثبت بما لا يجعل مجالاً للشك إخفاقه خلال أكثر من أربعة عقود من حكمه الشمولي ومظلته (قانون الطوارئ والأحكام العرفية والمادة الثامنة من الدستور التي تجعل منه القائد والموجه للمجتمع والدولة) وإمساكه بكل شرايين الحياة للمجتمع السوري الذي عاش ويعيش في ظل حكم يقوم على الشمولية والاستبداد والقهر والإفساد والسجون والمعتقلات والنفي والإقصاء والنهب وتبديد الثروات!!

وحتى نكون منصفين فإنه يحسب لأهل الحكم في دمشق موقفهم إلى جانب المقاومة الوطنية اللبنانية ودعمها في تحرير الجنوب اللبناني، ولكن الأجمل لو اتبع أهل الحكم في دمشق نفس الأسلوب وفتحوا الجبهة السورية أمام المجاهدين السوريين والمقاومين السوريين الذين لا يقلون شجاعة وفداء واندفاعاً عن إخوانهم اللبنانيين، وقد عجز أهل الحكم في دمشق عن تحرير الجولان بما لديهم من أسلحة تقليدية لا تكافئ ما تملكه الدولة العبرية، وحتى لا تكون شعارات الصمود والتصدي والممانعة والتحدي التي يطلقونها حبراً على ورق ثم الغرق كما هي الحال منذ ثلاثة وأربعين سنة!!