من ملفّات (الصمود والتصدّي) الأسديّ

من ملفّات (الصمود والتصدّي) الأسديّ!..

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

في الخامس والعشرين من شهر شباط عام 1974م، أصدر (حافظ أسد) المرسوم الجمهوريّ رقم (385)، القاضي بالعفو عن ثلاثةٍ وعشرين جاسوساً كانوا يعملون لصالح الكيان الصهيونيّ ضد سورية، بعد أن تغلغلوا في أنحاء البلاد.. وقد نصَّ المرسوم المذكور الموقَّع من قبل رئيس النظام في ذلك الوقت على ما يلي:

مرسوم رقم (385)

[بناءً على أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، وعلى المرسوم التشريعي رقم (43) بتاريخ 1/9/1971، وعلى الأحكام المكتسبة قوة القضية المقضية، الصادرة عن المحكمة العسكرية بدمشق بالأرقام (1132/1154 تاريخ 29/10/1951) و(69/1101 لعام 1952) و(2/214 تاريخ 21/12/955) و(18/19 تاريخ 12/10/1959) و(9/10 تاريخ 2/5/1959) و(10/22 تاريخ 5/9 /1959) و(11/11/أ.ر.ح تاريخ 10/12/1960).. والمتضمن الحكم بالأشغال الشاقة المؤبّدة، على ثلاثةٍ وعشرين مجرماً، لارتكابهم جرم العمل لصالح المخابرات الإسرائيلية، ومَدّها بالمعلومات، وذهاب البعض منهم إلى إسرائيل، والاتصال بالمسؤولين فيها، وتناول المال من إسرائيل لقاء عمليات التجسس.. يرسم ما يلي:

المادة (1)

يمنح المحكومون المذكورون عفواً خاصاً، عن المدة المتبقية المحكومون بها من قبل المحكمة العسكرية،  بقراراتها رقم (1132/1154) و(214/20) و(9/1) و(18/19) و(10/22) و(11/11).

المادة (2)

لا يُنشَر هذا المرسوم، ويبلََّغ مَن يلزم لتنفيذه.

25/2/1974

رئيس الجمهورية

حافظ الأسد]

*     *     *

بعد ثلاثة أشهرٍ تقريباً، بتاريخ 30/5/1974م، وقّع (حافظ أسد) على اتفاقية (فك الاشتباك) مع العدوّ الصهيونيّ، واستمرّ نظامه في الموافقة على تمديد بقاء القوات الدولية في الجولان، كل ستة أشهر، حتى اليوم!.. فكان مرسوم العفو عن الجواسيس، تمهيداً لتوقيع اتفاقية العار المستمرّة حتى الآن، على الرغم من استمرار احتلال الجولان.. فيما كان النظام المتخاذل يزجّ أحرار سورية وحرائرها في السجون الصحراوية والأقبية المظلمة، وقد كان من بين الإسلاميين السوريين البارزين نزلاء سجون (حافظ أسد)، في نفس الفترة التي تم فيها إصدار مرسوم العفو عن الجواسيس الصهاينة: (الشيخ سعيد حوّى) رحمه الله، و(الشيخ محمد علي مشعل)، و(الشيخ فاروق بطل).. وغيرهم.

قام (حافظ أسد) ونظامه في نفس الوقت، باتباع منهجٍ استئصاليٍ ثابتٍ في صفوف الجيش السوريّ، فحوّل الجيش، الذي من المفروض أن يكون سياجاً منيعاً للوطن.. حوّله إلى مؤسّسةٍ تستعر فيها نيران الصراع الحزبيّ والطائفيّ، وكان أول المبعَدين من جيشنا البطل، هم الضباط المخلصون لسورية وشعبها الذين عارضوا اتفاقية (فك الاشتباك) المذكورة، واستمرّت عمليات التصفية والإبعاد والعزل والنقل بحق مئات الضباط السوريين الآخرين حتى اليوم!..

قبل ذلك وبعده، استمرّت السياسة الاستئصالية التي اتّبعها النظام الأسديّ –وما يزال- بحق مختلف الشرائح الاجتماعية وقطاعات الدولة ومؤسّساتها، كقطاعات التعليم والتربية والقضاء والإعلام والنقابات المهنية والأمن: اعتقالاً وتهجيراً وقتلاً واغتيالاً وإبعاداً ونقلاً وتسريحاً.. مع تعطيل الحريات الفكرية والسياسية، وقمع مؤسّسات المجتمع المدنيّ، وتدمير الاقتصاد باتباع سياسةٍ مخزيةٍ لنهب الوطن من قِبَل لصوص النظام ومتنفِّذيه.. وتنفيذ سياسات الاضطهاد والتنكيل والإذلال ضد السوريين.. وشيوع المحسوبية، وانتشار البطالة والفقر.. وسارت عمليات تهجير الكفاءات العلمية بشكلٍ لا مثيل له في تاريخ سورية، فقد ذكرت صحيفة البعث الحكومية، في عددها الصادر بتاريخ (17/3/1980م)، أنّ (أربعة عشر ألفاً) من خرّيجي الجامعات السورية، قد غادروا البلاد خلال السبعينيات، وأنه قد غادرها أيضاً (5668) طبيباً ومهندساً وعالم طبيعةٍ واجتماع، خلال خمس سنوات (من عام 1970إلى 1975م)!..

لقد اقترف النظام الأسديّ، في عهدي الأب والابن، وما يزال، كل ما من شأنه أن ينهي روح المقاومة، ضد العدوّ الذي يحتل الأرض وينتهك العِرض.. وها نحن نشهد هذه الأيام نسخةً طبق الأصل عن سياسات تدمير الوطن لصالح كل عدوٍّ لسورية وشعبها.. فيد تمتدّ سرّاً لمفاوضة الصهاينة وعقد الاتفاقات والمحادثات معهم (آخرها ما رشح من أنباءٍ حول الوسيط التركيّ والسويسريّ)، مع هدوءٍ تامٍ في جبهة الجولان المحتل، ويد تبطش بالشعب السوريّ، وتُهلِك الحرث والنسل، وتمارس كل أنواع الإرهاب والقمع والاستبداد والنهب والتدمير، تحت شعار (الممانعة) الخادع، صنو شعار (الصمود والتصدّي) الكاذب!.. يد تمتدّ للتواطؤ مع العدوّ الفارسيّ الذي يجتاح سورية والمنطقة العربية بمشروعه القوميّ الطائفيّ الشعوبيّ الاستئصاليّ، ويد تمارس استباحة كل ما هو عربيّ، بدءاً من لبنان الشقيق، وانتهاءاً بكل بلدٍ من بلاد العرب.. فأين المبصرون؟!.. وأين أصحاب البصائر يا عرب؟!.. أينهم أيها المسلمون؟!..

               

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام