الضريبة العقارية وإشعال النار
الضريبة العقارية وإشعال النار !
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
يُروى أن المُظفّر لدين الله قطز ، حين أراد الخروج لملاقاة التتار الغزاة في
فلسطين وطردهم من بلاد الشام ، جهّز جيشاً ، واستشار شيخ الإسلام " العز بن عبد
السلام " ليفرض ضريبة على عموم المصريين كي يدعم الجيش المجاهد في مواجهة الجيش
الغازي الجرار المزوّد بالسلاح والعتاد والمال . ولكن الشيخ رفض فرض الضريبة على
عموم المصريين ، قبل أن يُقدم الأمراء والكبراء ما لديهم من مال وممتلكات وجواهر
وذهب ، ولقطز أن ينزعها منهم بالقوة الجبرية ، وبعدئذ إذا احتاج إلى شيء فرضه على
الناس .
نفذ
قطز ما قاله الشيخ ، وخرج إلى " عين جالوت " ، وانتصر على الغزاة ، وردّهم على
أعقابهم .. هكذا منهج الإسلام ، وهو منهج العدل والمساواة الذي تتبناه الدول
المتحضّرة .. أما الآن ، فإن الحكومة المصرية تصر على خنق الشعب المصري وتجويعه
وعصره حتى لا يبقى منه نقطة دم واحدة ، ليسعد الأمراء والكبراء والمحظوظون ،
ويعيشوا حياة " ألف ليلة وليلة " على النمط الحديث ، وتأكل كلابهم أفضل مما يأكله
عامة الشعب البائس التعيس .
لقد
اندفعت السلطة في سلوك أحمق بإعداد مشروع قانون جديد للضريبة العقارية ، يزيد من
بؤس المصريين وتعاستهم ، وامتدّ القانون المقترح ليشمل الريف المصري والفلاح البسيط
.. فكل بيت يملكه فلاح أو عامل فقير سيدفع ضريبة ، وكل مستأجر لشقة أو غرفة سيدفع
ضريبة ، وكل فدان أرض زراعية ستتضاعف عليه الضريبة ( يُسمّونها المال ) ، وكل شقة
مغلقة أو مفتوحة اشتراها صاحبها بعرق جبينه وعذاب السنين في الغربة سيدفع ضريبة ،
كل كادح وفقير ومدين وبائس سيدفع ضريبة المكان الذي يُؤويه أيا كان هذا المكان ،
والمكان الذي يزرعه أيا كانت مساحة هذا المكان !
ويبدو أن هذه الضريبة التي تفنّن فيها " الجُباه " ستكون " القشّة " التي تقصم ظهر
البعير ، وتُشعل النار في الأخضر واليابس .. وساعتها لن يكون هناك وطن ولا مواطنون
ولا سلطة ! ماذا تنتظرون من شعب يتم خنقه بحماقة وغطرسة وقوة الذراع ؟
أرأيتم ما فعله شعب غزة حين حطم الجدران والأسوار ، واندفع إلى الجانب الآخر ، بعد
أن ضاقت عليه السبل ، وشعر أنه لن يخسر شيئاً ؟
إن
أي شعب يضيق عليه الخناق سيفعل مثل الشعب الفلسطيني ، وبقية شعوب الأرض .. ونحن
نسأل الأمراء والكبراء والمحظوظين : ما معنى أن ترتفع أسعار المواد الأساسية :
الدقيق ، الزيت ، السكر ، الخضروات ، الفاكهة .. ( بلاش اللحوم ) .. السماد ،
التقاوي ، المبيدات ؟
ثم
ما معنى رفع أسعار المازوت فجأة 100% مما أدى إلى ارتفاع سلع أخرى ، وتوقف صناعات
تعتمد عليه ؟ لقد ارتفع سعر الطوب الأحمر ، والورق وكل السلع التي تعتمد على وقود
المازوت، ثم إن مصانع الورق توقف بعضها والبعض الآخر في طريقه إلى التوقف ؟
وما
معنى أن يرتفع سعر السماد خمسة أضعاف ، ولا يستطيع الفلاح أن يجد شيكارة واحدة إلا
بهذا السعر المضاعف ، بينما اللصوص يُحوّلون لوريات الأسمدة إلى جهات أخرى غير بنوك
القرى وجمعياتها الزراعية ؟ ماذا يتبقى للفلاح الذي تستذلّه السلطة وهو يعرض محصوله
الرئيسي : القطن أو القمح ، فلا تشتريه الحكومة إلا بعد مراوغات – يستفيد منها
اللصوص الكبار – بثمن بخس لا يعادل عذابه ومرمطته في الحرث والبذر والعزق والرش
والجني ؟
هل
الأمراء والكبار والمحظوظون يعلمون بما يجرى للشعب عامة ، وللريف خاصة ؟
لقد
رفع ملوك الحديد والأسمنت والسيراميك الذين تدعمهم السلطة الأسعار بنسبة تصل إلى
300% مما يضاعف أرباحهم ، بينما يحصلون على الطاقة والمواد الخام بثمن تافه ، مما
يترتب عليه شلل قطاع المقاولات الحكومية تقريباً ، وبطالة العمالة اليومية التي
كانت تعتمد على العمل اليومي في مهمة البناء ، بعد أن سدّت في وجوهها أبواب الوظائف
والمرتبات المنتظمة ، فضلاً عن توقف معظم الناس عن الاستمرار في البناء والتشييد !
كنا
نتمنى أن تقوم السلطة التي تنشط في اعتقال الأبرياء من أصحاب الرأي والفكر ، وتصادر
ممتلكاتهم وأموالهم ، وتقدمهم إلى محاكمات عسكرية بالمخالفة لقوانين الأرض والسماء
، أن تحاسب كبار المنحرفين في الخارج أو الداخل .. وهى بالمليارات التي تغنى عن فرض
" الإتاوات " التي تسمى ضرائب عامة ، أو ضرائب عقارية ، أو ضرائب تركات ، أو ضرائب
غير مباشرة على الشعب البائس الفقير !
إن
الحكومة تعرف من ينهبون الشعب البائس الفقير ، وتعلم طبيعة المنهوبات التي تصل
قيمتها إلى عشرات المليارات ، ويكفى مثالاً على ذلك ، ما قاله المهندس " حسب الله
الكفراوي " لجريدة الوفد ( 24/1/2008م ) ، وهو وزير إسكان سابق ظل في الحكومة ستة
عشر عاماً ، عن بيع الحزام الأخضر لمدينة 6 أكتوبر ، ويبلغ ألف فدان . لقد رفض
الرجل وهو وزير أن يبيعه مع كل الضغوط التي تعرّض لها ، ولكنه بمجرد تركه للوزارة
قرأ تهنئة للوزير الجديد في الصحف ممن اشترى ألف فدان بعدئذ بتراب الفلوس . كم
تساوى الألف فدان الآن ؟ لقد بيع الفدان بثمن متر واحد في 6 أكتوبر .. وعلى من
يُجيدون الجمع والطرح والضرب والقسمة أن يقولوا لنا كم يبلغ ثمن الألف فدان –
المحرّم بيعها – من مليارات !
الكفراوي يُشير إلى وزير كان أبوه بائع روبابيكيا – وهذا لا يعيب البائع ولا الابن
– ومنصبه السابق على الوزارة ، لا يؤهله للغنى الفاحش الذي حققه الوزير المذكور ،
وأغمضت السلطة عينيها عن عشرات البلاغات التي قدمت ضده إلى أجهزة الدولة المختصة !
الكفراوي يذكر أن عدداً من الكبار وضعوا في بنوك الخارج بأسمائهم عشرات المليارات !
بعد
ذلك تأتى السلطة لتمتص ما بقى من دم الفقراء والمعدمين والكادحين بالضريبة العقارية
؟
تتراءى أمامي ، وفى مسمعي الآية الكريمة " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها
ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " ( الإسراء : 16 ) وأمرنا مترفيها أي
دعوناهم إلى الاستقامة والإصلاح ، وفى قراءة أخرى " أمّرنا " بتشديد الميم وتسكين
الراء ، أي جعلناهم أمراء ، والفسق هو الخروج عن الاستقامة والإصلاح .. ولا حول ولا
قوة إلا بالله .
قاطعوا
الدانمركيون يعتدون على نبينا - صلى الله عليهم وسلم - فقاطعوهم برا وبحرا وجوا ،
لا تبيعوا لهم ولا تشتروا منهم ، لا تركبوا طائراتهم ولا بواخرهم ، ولا تفرغوها ولا
تشحنوها ، امنعوا الخدمة عن الطائرات والبواخر في المطارات والمواني ، واجعلوا
بضائعهم راكدة في مصانعهم ومزارعهم .. لا تحضروا مؤتمراتهم ، ولا تشاركوهم أنشطتهم
، ولا تستقبلوهم في بلادكم ، ولا تتعاملوا مع صحفييهم ، ولا توزعوا صحفهم في بلادكم
، ولا تقبلوا دعواتهم ، ولا تحتفلوا في سفاراتهم.. حتى يعتذروا عن الإساءة ويحاكموا
المسئولين عن الصحف السبع عشرة ! فهؤلاء الصليبيون المعتدون لا يستطيعون مجرد
التشكيك في المحرقة اليهودية !!!