مَذبحةُ الحُرِّيَّة
د. محمد بسام يوسف*
وهل نستغرب الذي فعله الصهاينة في عرض البحر الأبيض المتوسّط؟!.. وهم اليهود الذين يستندون في سلوكهم إلى عقيدةٍ إرهابية، متأصِّلةٍ في فكرهم الشاذّ وعقولهم الخاوية ونفوسهم المريضة وأخلاقهم الساديّة؟!..
اليهود يعتبرون الإرهابَ الإجراميَّ أبرز عناصر القوّة لديهم، وينطلقون في ذلك من عقيدةٍ تلموديةٍ راسخةٍ في أذهانهم المريضة، تحثّهم على القتل والجريمة، وتُلقي عليهم التعاليم اليهودية الشاذّة، التي تُغذّي عندهم الشذوذ ونزعة القتل بكل أدواته الشرّيرة!.. وهذا ما يؤكّده الإصحاح السادس من (سفر يشوع) في تلمودهم، موضِّحاً البنية النفسية الإرهابية الإجراميّة المتأصّلة في نفوس اليهود، والممتزجة بالحقد والخسّة والشرّ: (.. ودَمَّروا المدينة، وقَضوا بالسيف على رجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها، وبقرها وحميرها وغنمها)!.. والمدينة المذكورة هي مدينة (أريحا)، التي احتلّها اليهود في العصور الغابرة، ويتابع: (ثم أحرقوا بالنار كل ما فيها)!.. أما في (سفر التثنية)، فيقول (يهوه) إله حاخامات بني إسرائيل: (.. أنت اليوم عابر الأردن، فاعلم أنّ الربّ إلهكَ هو العابر أمامك ناراً آكلةً، يُبيدهم ويُذِلّهم أمامك، ثم تطردهم أنت وتُهلِكهم سريعاً كما أمرك الربّ)!.. ثم يستطرد (يهوه) بأوامره التي تتعلق بمدن المنطقة الواسعة الواقعة ما بين نهر الفرات والبحر الأبيض المتوسط بقوله: (لا تَسْتَبْقِ من شعوبها نسمةً، بل عليك أن تُهلِكَها كما أمرك إلهك)!..
فالمجتمع اليهوديّ هو التربة التي ينبت فيها –عقدياً- هذا الإرهاب الإجراميّ ويترعرع، وينشأ عليها، وينمو في خباياها وجحورها!.. وهكذا.. قدم (تيودور هرتزل) مؤسّس الحركة الصهيونية حاملاً الإرهاب، عقيدةً ووسيلة، لتحقيق حلم اليهود في إنشاء كيانهم الصهيونيّ المسخ!.. ثم توالت من بعده سلالات الإرهاب والشذوذ والجريمة والتطرّف، ملتزمةً بتعاليمه، ومطوِّرةً لها بما يضمن استمرار الشرّ والعدوان والتآمر!.. فكان أبرز المجرمين الصهاينة: جابوتنسكي وشتيرن وبن غوريون ووايزمن ومائير وبيغن وشامير وبيريز ورابين وشارون وباراك.. وغيرهم من السفّاحين.. إلى المجرم السفّاح الحاليّ نتنياهو، الذي نُفِّذَت مذبحة أسطول الحرية بأمره وتخطيطه وإشرافه!..
* * *
لعلّ من البلاهة، أن نؤمنَ بصدق بعض ردود الأفعال التي صدرت عن بعض الحكومات الغربية والأميركية ضد الكيان الصهيونيّ، فهؤلاء لهم تاريخ حافل بالتواطؤ مع ذلك الكيان المسخ الذي أسّسوه وشكّلوه في فلسطين المحتلة، وأطلقوا له كل مقوِّمات الحياة والاستمرار منذ أكثر من ستة عقودٍ حتى اليوم!.. أو أن نؤمنَ بصدق ردود الأفعال للأنظمة العربية والإسلامية، بدءاً من تلك التي ترتبط بالعدوّ الصهيونيّ برباطٍ وثيقٍ من العلاقات المختلفة.. وانتهاءً بتلك التي تتاجر بشعارات الممانعة والصمود والتصدّي!.. فكل هؤلاء يتعاملون مع الحدث تعاملَ السماسرة خلال فرصةٍ تجاريةٍ طارئةٍ رابحة، فيستثمرون حالة العدوان، لتدعيم قوائم كراسيّهم وأبراجهم العاجيّة!.. ولن نعجبَ لو قيل لنا: إنّ ما قام به العدوّ الصهيونيّ من عدوانٍ على أسطول الحرية على بُعد ستين كيلو متراً من المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة، كان بالتنسيق أو بغضّ النظر أو بالتواطؤ أو بضوءٍ أخضر.. من كل ما ذكرناه من دولٍ وقوىً دوليةٍ وإقليمية!..
على ذلك، فلن نتوقّع من أولئك أكثر من بيانات التنديد والاستنكار والاستغاثة والاستكانة والتوسّل، ولا أكثر من برقيات الشكوى لمجلس (الفيتو) الدوليّ (الأميركيّ الصهيونيّ) وهيئة الأمم المتّحدة.. علينا، وبعض صخب (أسواق عكاظ)، التي ستنعقد في مقرّ جامعة الأنظمة العربية، أو في محافل جمعيات (حقوق الإنسان) ومقرّات الأحزاب العربية.. الأثرية!..
* * *
صدِّقوا أو لا تصدِّقوا، فمذبحة قافلة الحرّية، لن ترقى –على كل الأحوال- في ضمير الغرب وأميركة، إلى درجة نفوق هِرّةٍ أو كلبٍ أو جَروٍ في شارع (الشانزليزيه)، أو في ساحةٍ من ساحات العُهر، في باريس أو لندن أو بون أو روما أو واشنطن أو نيويورك!.. فما عهدنا (الضمير العالميّ) إلا مستتِراً، لا يظهر إلا عندما يُقتَل كلبٌ من كلاب اليهود!.. وما عهدنا (الرأي العامّ العالميّ)، إلا هادئاً ساكناً ميّتاً متفرّجاً.. إلى أن يُذبَح فأر من فئران الصهاينة، ضُبِطَ لصاً أو قاتلاً أو قاطعاً لشجرة زيتونٍ سامقةٍ في الأرض المقدّسة المحتلّة!.. ومَن لم يصدِّق، فلينظر إلى أميركة والغرب والفُرس، كيف يذبحون أصولَ الحرّية في العراق العربيّ المحتلّ، وجذورَها في أفغانستان المسلمة، فيُبيدون البشر والشجر والحجر والزرع والضرع، على مدار الساعة!..
وحدها تركية أردوغان وغول وأوغلو، تتقدّم بثباتٍ وثقةٍ ومبادرةٍ فذّة، لتتزعّم عالمنا العربيّ والإسلاميّ، المتخَم بالضياع والترهّل والركون إلى الباطل، وذلك باتجاه سحق هذا الباطل، وإنقاذ البشرية من أكابر مجرميها: الصهاينة وأفاعيّهم وأذنابهم وصُنّاع أكسير حياتهم وخَدَمِهِم وحَشَمِهِم!.. وتلك هي بقعة الضوء المشرقة الوحيدة، التي سطعت على أشرعة الأسطول العتيد، قبيل مذبحة الحرّية، وخلالها، وبعد اقترافها!..
* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام