رئيس قاتل.. مطلوب للعدالة الإلهية

رئيس قاتل.. مطلوب للعدالة الإلهية

مخلص برزق*

[email protected]

لست مضطراً للمداهنة أو الممالأة أو التعاطي بما يسمونه سياسة أو "ديبلوماسية" مع ما يحتويه المصطلحين الأخيرين من كم لا بأس به من كذب ونفاق أربأ بنفسي عنه.. ولذلك فإنني وإزاء تلك الجريمة الوحشية البشعة التي ارتكبت على أرضنا الطاهرة بحق صفوة أبناء هذا الشعب من الأئمة والعلماء وحفظة كتاب الله والمجاهدين والمرابطين.. أجدني ملزماً بإعلانها قوية مدوية كتلك التي رفعها ذلك الكاتب الفرنسي "إني أتهم"..

نعم، إنني هنا لا أتهم حثالات العالم السفلي في رام الله وعلى رأسهم الجلاد المجرم توفيق الطيراوي، ولا أتهم مغتصب الشرعية ربيب الأميركان شالوم فياض، لا أتهم كل تلك الجوقة البائسة المتحكمة في رقاب أهلنا في الضفة المحتلة، إنني ببساطة أخالف ما ورد في البيان الصادر عن رئاسة المجلس التشريعي والذي "يطالب فيه الرئيس محمود عباس بإقالة مسؤول المخابرات الفلسطينية في الضفة الغربية من منصبه لمسؤوليته المباشرة عن الجريمة ومحاكمة المجرمين ثم قادة الأجهزة الأمنية الذين يمارسون القتل والإجرام ضد المواطنين"!!

إنني هنا أطالب وبكل وضوح بإقالة عباس نفسه وعدم الاكتفاء بذلك، بل ومحاكمته بتهمة تشكيل عصابة إجرامية لصالح العدو المحتل، وارتكاب جرائم قتل ونهب وتعذيب وانتهاك لحقوق الإنسان والسعي في الأرض المباركة فساداً وإفسادا..

إن توجيه الاتهام لمن هم دون عباس هي مجافاة للحقيقة، وإعفاء له من جريمة أشرف على كافة تفاصيلها، وأعطى الموافقة الكاملة على ارتكابها، بل إنها ما كانت لتحدث لولا إعطائه الضوء الأخضر لتنفيذها.. إن الطيراوي وفياض واليحيى أتفه وأحقر من أن يواجهوا شعبنا بأسلحتهم الدنيئة القاتلة، لولا أن عباس قد أعطاهم كامل الصلاحيات بذلك، فهو الذي "لملمهم" من هنا وهناك ليشكل بهم "توليفة" شاذة غريبة عن شعبنا وأمتنا تصنع على أعين جنرالات الرجس الأمريكي ورعايتهم، وليكون دورهم الرئيس خنق المقاومة وكتم كل صوت شريف على أرضنا الطاهرة، والتمكين للمحتل من رقابنا، وإدخالنا في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر..

لا يستساغ أبداً أن توجه التهمة للأجهزة الأمنية بالقتل والتعذيب والتنكيل بأبناء شعبنا، وإغفال الدور الأساسي الذي يلعبه عباس.. فقد كشف التراشق الإعلامي بين أبوعلي شاهين وحكم بلعاوي أن عباس هو الذي كلف دحلان –سيء الذكر- بارتكاب كل الجرائم التي من شأنها تقويض حكومة حماس واجتثاث الحركة من غزة، ولعل ما يؤكد ذلك أن حرس الرئاسة الخاص بعباس هو الذي تولى كبر اختطاف الناس وتعذيبهم على الهوية واللحية والحجاب وإلقائهم من الأبراج العالية وحرق منازلهم وجامعاتهم، وكان المنتدى الخاص بعباس هو المكان المفضل لارتكاب فظائعهم ودون أن يوجه لهم "سيادة الرئيس" كلمة واحدة تزجرهم أو تنهاهم عن غيهم، بل إنه دأب على تكريمهم وحثهم الدائم على قتل هذا وذبح هذا وطخ هذا، وما صوره مع سميح المدهون.. أو خطابه لمسؤول تنفيذية فتح وأمره إياه أن: اذبح.. أو خطابه الشهير في عصاباته الأمنية: "أي واحد بشوف أي واحد معاه صاروخ أو بطلق صاروخ يقتله، يطخو، منيح هيك؟" عنا ببعيد.. وما خفي كان أعظم!

إنه من السذاجة المتناهية القول بأن عباس بعيد كل البعد عن مسرح الجريمة، وتصديق هرائه وأكاذيبه الممجوجة بأنه شكل لجنة تحقيق محايدة لفحص ملابسات جريمة قتل الشيخ الشهيد الإمام مجد البرغوثي أبو القسام –رحمه الله- وأنه اتصل معزياً ذوي الفقيد، فالذين كانوا أقبية مسلخ المخابرات المجاور لمنزل عباس ممن ذاقوا صنوف العذاب على أيدي رجال عباس كعزام فحل الذي لم تتمالك أمه رؤية منظر التعذيب في جسده فأسلمت روحها لبارئها في ذات اليوم الذي أفرج فيه عن ابنها، أولئك الذين رافقوا الشهيد ذكروا بأن زبانية عباس ربطوا أيدي الشهيد من الخلف، ثم شدوا وثاق يديه إلى أعلى النافذة، وأخذ القتلة يرفعونه حتى أصبح معلقاً بين السماء والأرض ويداه تحملان جسداً يزن أكثر من تسعين كيلوجراماً لأيام وليال طوال مع ما رافق ذلك من ضرب وحشي بشكل متواصل على كافة أنحاء جسده مع سب وشتائم وإهانة وتهديد..

يقول أحد رفاقه المعذبين معه: "بدأنا نسمع صرخات الشيخ، كانت صرخاته تمزق قلوبنا، كان ينادي بأعلى صوته على العساكر ليفكوا قيوده وينزلوه عن شباك الشبح ولكن لا حياة لمن تنادي".. ولي أن أجزم بأن شيئاً من صرخاته أو صرخات إخوانه المعذبين قد وصلت إلى مسامع عباس وهو في منزله المطل على مسلخ الطيراوي، والأكيد أنه كان يتلذذ بسماع صوت "حمساوي" يئن ويتوجع ليشفي حقداً دفيناً لا يكاد يستطيع إخفاؤه.

إن جريمة قتل إمام المسجد المغدور مجد البرغوثي على يد زبانية عباس تشكل في حقيقتها رأس جبل ثلجي مما يدور في الضفة الغربية المحتلة وتصر وسائل الإعلام –غير النزيهة- على صم الآذان وتعمية عدسات الكاميرات عنها.. مع تسليط الأضواء على روايات الإفك المطبوخة على عجل ودون إعداد أو تبهير جيد لها كتلك التي جرت من قبل وأحضروا فيها موسى الخراز من غيابات جبهم ليعقدوا له مؤتمراً صحفياً يمجد فيه سيادة الرئيس القائد ولي أمرنا وقائد نهضتنا محمود عباس ثم.. يختفي ذلك الذي زعموه قيادياً في حركة حماس، ولا يعثر له على أثر!!

لم تكلف وسائل الإعلام نفسها بالتساؤل عن مصير ذلك القيادي، ولم يفكر أحداً في إجراء مقابلة خاصة معه للتحقق مما قاله!! واكتفت بترديد الأكاذيب "العباسية" بأن هناك بوادر انشقاق رهيب في حماس وأن الغالبية العظمى من أفرادها يعارضون "انقلابها" في غزة!! وواضح أيضاً أن وسائل الإعلام لن تتعامل مع جريمة قتل الشهيد مجد البرغوثي بنزاهة وحيادية وإنسانية مجاملة وممالأة لعباس وعصابته، وستكتفي بترديد الفرية التي ساقها جلاوزة عباس أن الشهيد توفي نتيجة تضخم في القلب عندما كان ينعم بضيافة رئاسية خاصة!

لا يمكن فصل جريمة قتل الإمام مجد البرغوثي عن سلسلة من حلقات متصلة من الجرائم البشعة التي ارتكبت تحت سمع وبصر عباس، أزهقت فيها أرواح بريئة طاهرة كروح الشيخ زهير المنسي إمام مسجد الهداية بتل الإسلام في غزة الذي قتل بدم بارد هو وطالبين ممن كانوا يدرسون في حلقة تحفيظ القرآن، والشيخ محمد الرفاتي إمام مسجد العباس الذي قتل بطريقة بشعة أمام زوجه وأبنائه، والشيخ بسام الفرا والشيخ ماجد أبو درابي والدكتور حسين أبو عجوة وقائمة أخرى تطول.

لا يمكن فصل جريمة القتل تلك عن القائمة التي تعدت المائة شهيد وشهيدة من ضحايا الحصار الوحشي الظالم المفروض على قطاع غزة من قبل الاحتلال الصهيوني بتشجيع وتحريض ومباركة من محمود عباس الذي يرفض فتح معبر رفح رفضاً قاطعاً إلا تحت الحراب الصهيونية!!

لا يمكن فصل تلك الجريمة مع الجرائم الكبرى التي استهدفت رئيس الوزراء الشرعي إسماعيل هنية، والتي أبطل الله كيدها وكشفها في اللحظات الأخيرة ليسود بها الوجه الآثم للطيب عبد الرحيم أمين سر الرئاسة والذي لا يقوى –بطبيعة الحال- على اتخاذ قرارات خطيرة بتنفيذ جرائم بذلك الحجم دون ضوء أخضر من عباس الذي قلده مؤخراً أرفع وسام على جهوده الحثيثة المضنية لاجتثاث حركة حماس.

قد ينجو محمود عباس من الجرائم التي ارتكبها بحق شعبنا وأرضنا وأمتنا، وقد يمهله الله أياماً وشهور وسنين أخرى، لا أستبعد سقوط المزيد من الضحايا خلالها على يد زبانيته..

قد يستقبل بعد تلك الجرائم في العواصم العربية والعالمية وفي بيت صديقه وحبيبه أولمرت على أنه رئيس دولة منتخب.. إلا أن ذلك كله لن يعفيه من الوقوف وحيداً فريداً صاغراً في حضرة المحكمة الإلهية مطالباً بجردة حساب مفصلة عن كل الدماء التي في عنقه.

فهل من متطوع يوصل له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما"؟؟

               

*  كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.