القدس والمستوطنات أولا

القدس والمستوطنات أولا

جميل السلحوت

[email protected]

تناقلت وسائل الاعلام المحلية والعالمية في الايام القليلة الماضية ان ايهود اولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية طلب مؤخرا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل التفاوض على قضية القدس الى المرحلة النهائية ، وان اولمرت قد حظي بموافقة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية على هذا الطلب .

من جهة اخرى اكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ان لا تأجيل لأي من القضايا فكل الأمور مطروحة على طاولة المفاوضات .

والمتابع لعملية التفاوض الفلسطينية الاسرائيلية ، وما يرشح عنها لوسائل الاعلام ، يجد ان لا تقدم في هذه المفاوضات ، وان الاسرائيليين الذين يجيدون ادارة فن الصراع بكفاءة عالية غير معنيين بالوصول الى حلول نهائية ، بل هم معنيون باستمرار الصراع لتحقيق الحلم الصهيوني طويل المدى القائم على سياسة الأمر الواقع التي تخدم سسياستهم التوسعية .

ومن المؤكد ان الاسرائيليين يعلمون علم اليقين ما تمثله القدس بالنسبة للمسلمين والعرب بشكل عام ، وللفلسطينيين بشكل خاص .وقد عبرت جولدة مائير رئيسة وزراء اسرائيل في حينه ، بعد حرق المسجد الاقصى في شهر آب 1969 عندما اعتبرت ان تلك الليلة كانت أطول ليالي حياتها ، لانها خافت ان تنهمر الصواريخ العربية والاسلامية على اسرائيل ثأرا للمسجد الاقصى .

ومع ذلك فإن ما يحكم السياسة الاسرائيلية في التعامل مع قضية القدس هو حق القوة ، و " القوي عايب " كما قال الرئيس محمود عباس في لقائه مع الصحفيين والكتاب الفلسطينيين في الاسبوع الماضي ، ومن باب حق القوة فإنهم يستمرون في سياسة تهويد المدينة وخنقها ، وتمزيقها بالانفاق وشوارع الطوق ، ومحاصرتها بجدار التوسع الاسرائيلي .

والاستمرار في اغلاق مؤسسات القدس الفلسطينية العربية دون احترام لما اتفق عليه في اوسلو ، ودون احترام لرسالة الضمانات التي قدمها الرئيس الامريكي كلينتون ورئيس وزراء اسرائيل الاسبق اسحق رابين للرئيس الراحل ياسر عرفات. ومع ان تأجيل قضيتي القدس والمستوطنات في اوسلو خطيئة كبرى كانت نتائجها وخيمة على عملية السلام برمتها ، حيث ان اسرائيل استغلتها بشكل سافر لتوسيع المستوطنات واقامة مستوطنات جديدة في القدس وفي بقية اجزاء الضفة الغربية .

ومعروف ان القدس الشرقية المحتلة تحوي في جنباتها اقدس مقدسات المسلمين، فالمسجد الاقصى قبلة المسلمين الاولى ، ومعراج الرسول الأعظم صلوات الله عليه الى السماوات العليا ، مصداقا لقوله تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله " والأقصى أحد المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال مصداقا لقول الرسول الأعظم صلوات الله عليه : " لا تشد الرحال الا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي هذا " – المسجد النبوي في مكة –". وهكذا فإن المسجد الاقصى ركن من أركان العقيدة الاسلامية.

وفي القدس القديمة تحديدا عشرات المساجد التاريخية الأخرى المرتبطة بعقيدة المسلمين كمسجد عمر رضي الله عنه وأرضاه،وفيها مقابر وأضرحة لعدد من الصحابة الذين شاركوا في فتحها ولمجاهدين وعلماء أثروا الحضارة الانسانية،اضافة الى رفات الآباء والأجداد .

وفي القدس ايضا عشرات الكنائس والأديرة وفي مقدمتها كنيسة القيامة التي يحج اليها مئات الاف المسيحيين سنويا ، وهكذا فإن القدس ليست للفلسطينين وحدهم ، بل هي لكافة المسلمين والعرب والمؤمنين في الأرض ، وقد اختار الله – سبحانه وتعالى – الفلسطينيين للإنابة عن كل هؤلاء ليكونوا سدنة لأماكنها المقدسة ، وعدم اعادتها لمواطنيها الأصليين الذين اختارهم الله لها هو بمثابة اعلان حرب على كافة المسلمين والعرب والمؤمنين في الارض .

وما البناء الاستيطاني في القدس واكناف القدس الا فرض لسياسة الأمر الواقع التي تشكل عائقا منيعا امام أيّ حل سلمي عادل في المنطقة يحفظ دماء شعوبها ، وأمن دولها ، ويمنع الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف

ان التفاوض الجدي يحتاج الى الجرأة والشجاعة المتناهية من خلال الاعلان وعلى رؤوس الأشهاد باستعداد اسرائيل لانهاء احتلالها الكامل وكافة مخلفاته من الاراضي العربية المحتلة، وايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية ، ولإنجاح عملية التفاوض فإنه مطلوب من اسرائيل ان تقوم ببادرة حسن نية تتمثل في رفع الحواجز العسكرية ، وانهاء الحصارات المفروضة على المدن والقرى الفلسطينية، وفي مقدمتها رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، كما يتطلب منها الافراج عن كافة الاسرى الفلسطينيين والعرب في سجونها . فالسلام العادل هو الضمان لأمن شعوب ودول المنطقة ، وما القوة العسكرية الا تغذية للصراع التي تقود الى افعال وردود افعال مؤلمة ومحزنة وخسائر فادحة .