معركة كبرى على سواحل غزة

نص المقال الذي كتبه الأستاذ معن بشور في 14/5/2010 (قبل 17 يوماً من مهاجمة القوات الصهيونية لأسطول الحرية).

معن بشور

14/5/2010

العالم كله، ومنطقتنا بشكل خاص، على أبواب معركة سياسية وإعلامية ودبلوماسية، وربما عسكرية، كبرى بين العدو الصهيوني وبين أحرار من تركيا واليونان وايرلندا والعديد من دول العالم يجهزون أسطولا من السفن المحملة بمواد إنسانية واعمارية لإرسالها إلى غزة في محاولة جديدة لكسر الحصار على القطاع المحاصر، دون رحمة، منذ سنوات، في عقوبة غير مسبوقة لشعب أصر على ممارسة حقه الديمقراطي في انتخاب ممثليه وحكومته.

فالتهديدات الصهيونية المتتالية بالتصدي لأسطول سفن الحرية المتوجه من تركيا واليونان معاً، والعرقلة التي تواجهها سفينة "راشيل كوري" (الشهيدة الأمريكية على يد الجرافات الصهيونية في آذار/مارس 2003) المتوجهة من ايرلندا إلى غزة، كلها إشارات تشير إلى أن يومي 23 و24 الجاري، سيكونان يومي مواجهة في مياه البحر الأبيض المتوسط الذي يبدو أن تل أبيب تسعى لتحويله إلى بحيرة صهيونية بالكامل، وان تتوسع بحراً، فيما تسميه مياهها الإقليمية، كما تتوسع براً في فلسطين والجولان ولبنان.

لقد انطلقت فكرة أسطول سفن لكسر الحصار على غزة، تحمل على متنها مواداً للأعمار وللدواء والغذاء، بعد أن تمكن المحتل الإسرائيلي من منع سفن عربية وإسلامية وأوروبية وبالقوة من الوصول إلى سواحل غزة، ومن بينها سفينة الأخوّة اللبنانية التي ما تزال محتجزة في ميناء اشدود منذ أوائل شباط/فبراير 2009 بعد أن اصطدم روادها الشجعان بجحافل الجيش الصهيوني البحرية والجوية، وهي سفينة – ويا للعار – لم يتلق مالكوها الشرفاء من أحد أي تعويض عن خسائرهم فيها.

اعتبر مطلقو الفكرة آنذاك إن فكرة الأسطول المتحرك من دول قوية يحسب لها حساب، لا سيما تركيا واليونان، وتحمل على متنها نواباً وسياسيين ومثقفين بارزين وإعلاميين من أصقاع متعددة من العالم، قد تعطي حصانة لمبادرات كسر الحصار من البحر عن مليون ونصف المليون فلسطيني في غزة، فانتدبت هيئات أهلية فاعلة في بلدان عدة نفسها لتحويل هذه الفكرة إلى واقع، لكن الغطرسة الصهيونية، وقد أخذت شكل القرصنة بكل ما في الكلمة من معان، تصرّ على التعامل مع الأسطول الكبير بالطريقة ذاتها التي تعاملت فيها مع السفن الصغيرة.

لا بل أن حكومة نتنياهو المدججة بوحوش بشرية تريد أيضاً أن تثأر من تركيا، على مواقفها المشرفة من القدس وفلسطين، ومن اليونان التي بقيت دون غيرها من الدول الأوروبية، مساندة للحق الفلسطيني، كما من أحرار العالم وشرفائه، عبر التصدي لهذا الأسطول الذي يحمل رسالة فيها من الإنسانية ما يفيض عن المواد الإنسانية التي يحملها.

فهل تكون الأيام الفاصلة بيننا وبين موعد انطلاق الأسطول مليئة بتحركات شعبية وسياسية ودبلوماسية وإعلامية تحبط العنجهية الصهيونية وتؤكد أن صوت الحق والخير والإنسانية ما زال أقوى من أسلحة العدوان والشر والعنصرية.

هل يثبت المجتمع الدولي، ولو لمرة واحدة، انه قادر على الانتصار للمبادئ التي قامت عليها مؤسساته، وللقرارات التي اتخذتها منظماته، وللقانون الدولي الإنساني الذي تحتكم إليه آلياته فيرفض التهديدات الصهيونية ويحمي المبادرات الإنسانية.

وهل يقوم النظام الرسمي العربي مرة بواجبه في الانتصار لشعب عربي محاصر، وفي احتضان مبادرة إسلامية ودولية كريمة فيتصدى للجريمة الصهيونية التي تتكرر فصولها كل يوم وسط إحساس غامر لدى مجرمي الحرب الصهاينة أنهم لن يجدوا من يردعهم.

وهل تتحرك القوى الحية في الأمة والعالم انتصاراً لرواد أسطول كسر الحصار على غزة، أسطول الأعمار والإمداد الإنساني، فتجعل من معركة الوصول إلى بحر غزة وشواطئها الصامدة، معركة أخرى لفضح عدوانية الصهاينة وعنصريتهم، كما لفضح التواطؤ غير المسبوق معهم.

ستة لبنانيين أسرى على متن "أسطول الحرية"

ليس دم هاني سليمان الذي سال أمس على مقربة من شاطئ غزّة بمختلف عن دماء أبناء القطاع المحاصر، وسائر فلسطين «الأسيرة» منذ أكثر من ستين عاما. وليس اللبنانيون الستة الذين كانوا على متن «أسطول الحرّية» لما هاجمته القوات الإسرائيلية فجر أمس، بغرباء عن أندادهم من الأسرى الآخرين الذين اعتقلتهم أو تستمر في اعتقالهم سلطات الاحتلال، من فلسطينيين ولبنانيين وعرب. ولم تكن رحلة أمس التي لم تصل إلى بر «آمن» هي الأولى من نوعها التي يشارك فيها لبنانيون وتسعى إلى فك الحصار عن غزّة.

في ما يلي لمحة عن اللبنانيين الستة الأسرى اليوم في اسدود، الستّة الذين حالفهم الحظ واتسعت لهم سفن الرحلة، مخلفين المئات ممن يتمنون أن يكونوا من «اللاحقين»...

اللبنانيون الموجودون على متن «أسطول الحرية»، هم:

- الدكتور هاني سليمان،

- حسين (أبو محمد) شكر

- نبيل حلاق

- الزميل في قناة «الجزيرة» عباس ناصر

- الزميل المصوّر في قناة «الجزيرة» عصام زعتر المقيم في بلجيكا.

- الزميل في قناة «الجزيرة» الإنكليزية أندريه أبي خليل (يعيش وأسرته في الدوحة، قطر)

هاني سليمان: دماؤنا ليست أغلى من دماء الفلسطينيين

عند الرابعة تقريبا من فجر أمس، كان الاتصال الأخير بين منسّق لجنة المبادرة الوطنية لكسر الحصار على غزة، معن بشّور وبين رئيس البعثة اللبنانية على متن «سفينة الأخوة» اللبنانية الدكتور هاني سليمان. كان الاتصال رديئا، والضجيج يسرق معظم الكلمات القليلة التي تبادلها الرجلان. إلا أن ما تناهى إلى سمع بشور كان كافيا، ويليق بالمحامي الناشط المصاب، والذي يعدّ اليوم أسيرا لدى سلطات الاحتلال.

أبلغ سليمان بشوّر أن من في السفينة يتوقعون هجوما إسرائيليا، «بناء على تجربته السابقة» لمّا أبحر إلى غزة للمرة الأولى على متن «سفينة الحرية» في شباط 2009. قال إنهم سيفعلون ذلك لمنع أي تجارب مماثلة في المستقبل.

طلب إليه بشور أن يتوخى الحذر، فكان الجواب «دمنا ليس أغلى من دماء أهل غزّة، وحياتنا ليست أغلى من حياة أهل فلسطين».

وكان سليمان قد تحدث إلى زوجته جيهان عند منتصف ليل الأحد. قال لها إنهم على بعد نحو مئة ميل من الشاطئ الفلسطيني، وأنهم على متن سفن شحن هي بطيئة بطبيعتها. هي تعتقد أنه قال لها ذلك كي تطمئن وتنام، إلا أنها قررت السهر لمراقبة الشاشة، حتى رأته مصابا «مباشرة على هواء» الفضائية التركية، وزملاؤه يسحبونه عبر السلالم.

وبعد ظهر أمس، تمكن سليمان من الاتصال بأحد ولديه وببشور وطمأنهما على صحته، مؤكدا بحسب بشور أن جميع أعضاء الوفد اللبناني والمطران هيلاريون كبوجي بخير، وأنه أصيب برصاصة في قدمه في أثناء التصدي للجنود الإسرائيليين الذين هاجموا السفينة.

وسليمان متزوج من السيدة جيهان الموظفة في مجلس الإنماء والإعمار، ولهما ثلاثة أولاد هم أدهم (25 سنة) خريج تجارة وتسويق، وريم (21 سنة) تعد لشهادة ماستر في التجارة، وزين (19 عاما) الذي يتخصص في إدارة الفنادق في الخارج.

وقد أصدر سليمان كتيبا عقب عودته من غزة في المرة الأولى يشرح فيه تفاصيل التجربة التي يخوضها لأسباب ليست سياسية فقط، بل أيضا وقبل كل شيء، لأسباب انسانية.

والدكتور هاني سليمان هو من مواليد بدنايل في البقاع سنة 1949، وهو محام وأستاذ جامعي (في العلوم الاجتماعية)، تابع دراسته الجامعية في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية و حصل على الإجازة في الحقوق وانتسب إلى نقابة المحامين العام 1979.

ثم أكمل دراساته العليا في فرنسا وحاز دبلوم دراسات عليا من جامعة «باريس 7» سنة 1982، ونال دكتوراه في علم الاجتماع الحقوقي من الجامعة ذاتها سنة 1985.

انتسب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي منذ العام 1966 وتولى مسؤوليات قيادية في التنظيم الطلابي حتى العام 1974.

وكان من مؤسسي «منظمة كفاح الطلبة» و«الجبهة الوطنية الطلابية»، كما ساهم في العام 1975 في تأسيس «تجمع اللجان والروابط الشعبية».

وهو من مؤسسي «دار الندوة» ومجلة «المنابر» وبرنامج «شباب لبنان الواحد». وفي أيار 1992 شارك في تأسيس «المنتدى القومي العربي»، متوليا رئاسة لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان فيه.

اختير عضوا في المؤتمر القومي العربي وحضر دوراته المنعقدة في القاهرة (1998) وبيروت (1999) والجزائر (2000).

وكان سليمان أول المحامين المتطوعين دفاعا عن كل من الخبير البيئي بيار ماليشيف، والمناضل الياباني كوزو أوكوموتو ورفاقه، والمناضلة اللبنانية أمية عبود.

وقد اختاره المناضل الفنزويلي كارلوس ليكون المحامي العربي الوحيد ليدافع عنه أمام المحكمة في باريس، وعمل مستشارا قانونيا لوزير الداخلية السابق بشارة مرهج بين 1992 - 1994.

وسليمان منسق سفينة الأخوة اللبنانية التي احتجزها العدو الصهيوني في مطلع شباط 2009 وكان معه أيضاً مطران القدس في المنفى هيلاريون كبوجي، وهو عضو مؤسس في لجنة المبادرة الوطنية لكسر الحصار على غزة.

أبو محمد شكر: يبحر نحو أسرته.. ينصب «خيمة تحد»

حقق أبو محمد شكر حلمه، أخيرا، في الذهاب إلى غزة، بعد إخفاق محاولته الأولى في الانضمام إلى «سفينة الأخوة»، عندما أبحرت إلى غزة في شباط العام 2009.

وأبو محمد يعرف «إسرائيل» جيدا. فقد دمرت مقاتلاتها منزله فوق رؤوس أفراد عائلته خلال حرب تموز في العام 2006، فاستشهدت زوجته وشبانها الأربعة وهم محام ورسام وطالبان متفوقان في الجامعة والثانوية.

كان أبو محمد لدى استشهاد عائلته في كندا في رحلة عمل، وهو منذ ذلك الحين يرفض الإفصاح عن اسمه، وهو حسين، وصار يفضل الاكتفاء بكنيته، لكي يظل قريباً من أولاده، كما يقول، بعدما عاش بعيدا عنهم.

وقد تحولت المأساة التي أصابته إلى محور حياته، وهو لا يفوت نشاطا مدنيا إلا ويحضره، مصطحبا صور أولاده وزوجته وحكاياتهم.

اكتشف، من خلال البحث على الإنترنت، أن الجريمة الإسرائيلية التي أودت بعائلته، نفذتها امرأة كانت تقود الطائرة الحربية. لكنه اعتبر أن الأمر لن يفيده بشيء، ما دام لبنان لم يرفع دعوى ضد إسرائيل لارتكابها جرائم حرب في تموز 2006.

وكان من المفترض أن يبحر أبو محمد على متن «سفينة الأخوة» اللبنانية التي حملت مساعدات إنسانية إلى أهالي غزة العام الماضي، لكنه لم يستطع تحقيق حلمه. كان يومها، كما يقول، يريد الذهاب إلى أسرته، «عند زوجتي وأولادي الأربعة الذين استشهدوا بالقصف الإسرائيلي بلا ذنب». وأراد نصب خيمة على أرض غزة، على مقربة من الاحتلال، يتحدى «الصهاينة عموما، وإيهود أولمرت بشكل خاص».

عندما تقرر اختيار الصحافيين والإعلاميين فقط للقيام بالرحلة الماضية تعهد بأنه سوف يذهب «إلى غزة، ولو بقي من عمري يوم واحد».

أما هذه المرّة، فاعتبر أنّه نال فرصة «الأخذ بالثأر» ليكون على متن إحدى سفن الأسطول.

بعد المجزرة، انتقل أبو محمد للعيش في بيروت لعجزه عن تحمل البقاء في القرية بعد رحيل الأحبة. أما ابنته بشرى، وهي الناجية الوحيدة من أولاده، فبقيت هي في النبي شيت، القرية التي تحبّها، حيث تعيش في كنف جدتها لأمها وتكمل تعليمها، في مهنية بريتال، قسم الإدارة والتسويق. تتصل يوميا بوالدها هاتفيا.

يوم أمس، لم تعرف بشرى بنبأ تعرض أسطول الحرية للاعتداء إلا عند الثانية عشرة ظهرا. فقد تركها أقاربها تنام حتى ذلك الوقت، بعدما سهرت طوال الليل بسبب مرض طفلتها. كانت بشرى قد هاتفت والدها للمرة الأخيرة عند الثامنة والنصف من مساء أمس الأول حيث أخبرها أنه بات على مسافة قريبة من غزة.

بشرى تتابع الأخبار على مدار الساعة، داعية أن يعود والدها سالما.

وكان منزل أبو محمد في بلدته قد تحوّل بعد الحرب إلى ما يشبه مزارا بعدما رفض إعادة تشييده. وسمي هو بأبي الشهداء، فيما يرقد شهداء العائلة الخمسة في الثرى الذي جُبل بدمائهم، وقد جرى تحويل قسم من الأرض المحيطة بالمنزل إلى روضة شهداء دُفنوا فيها، بالإضافة إلى شهيدين آخرين من البلدة استشهدا خلال حرب تموز وهما محمد شقير وزوجته.

تحيط بالروضة تصوينة ومجسم هو عبارة عن كف كُتبت عليه مقولة شهيرة للسيدة زينب: «لن تمحوَ ذكرنا»، أما القسم الآخر من الأرض فقد جرى تحويله إلى حديقة عامة للأطفال.

نبيل حلاّق: القضية في دمه

تقول يسرا الحسن، زوجة الناشط نبيل حلاق المحتجز مع زملائه على متن «أسطول الحرية»، إنها تحدثت معه للمرة الأخيرة يوم السبت الماضي، مؤكدة «كانت معنوياته مرتفعة جدا، فهذه القضيّة تجري في دمه».

يوم أمس، كانت في منزلها في منطقة حوض الولاية عندما سمعت الخبر. تشرح أنها «شعرت بالقلق الشديد ليلة أمس (الأول)، وخلدت للنوم عند الثالثة والنصف صباحاً. في الصباح الباكر، اتصلت شقيقة زوجي لتسألني عن أخباري، فأبلغتها أن حالتي النفسية تعبة».

أبلغتها شقيقة نبيل أن السفينة «مصابة قليلا». تقول «كنت أتوقع أن يعتقلوهم... لكن عندما أدرت التلفاز، تسمرت في مكاني».

تعترف يسرا أنها كانت تعارض مشاركة زوجها في الرحلة خوفا على ابنهما راني البالغ من العمر أحد عشر عاما. وقد أصرت يسرا (35 عاما) على إرسال ابنها إلى المدرسة يوم أمس حتى لا يسمع الخبر من نشرات الأخبار. وشاركت لاحقا في الاعتصام التضامني أمام «الإسكوا».

ونبيل حلاق من مواليد العام 1959 في الطريق الجديدة في بيروت، وله ابنة عمرها نحو 23 سنة من زواج سابق من سيدة ايرلندية، وهو يعمل صحافيا في عدد من المؤسسات.

ونبيل، الناشط السياسي، كان يرغب في المشاركة في الرحلة السابقة «إلا أنه لم يتمكّن، من ذلك، فشارك هذه المرّة بحماسة، بصفته منسق العلاقات الإعلامية في لجنة المبادرة الوطنية لكسر الحصار على غزة، وهو من مؤسسيها.

وقد ساهم في تأسيس تجمع اللجان والروابط الشعبية، كما انه عضو المجلس المركزي في المنتدى القومي العربي، وممثل «حركة فلسطين حرة» في أسطول الحرية.

عبّاس ناصر: تحدث إلى لين وجاد مساء الأحد تكراراً

لم ترتح الزميلة فاطمة ناصر، زوجة الزميل عباس ناصر، لاتصالات زوجها المتكررة مساء أمس الأول. كان يطالبها بالتحدّث مع ابنته لين (خمس سنوات) تارة، ثم يتصّل طالبا التحدث مع ابنه جاد (سنتان) طورا.

تقول الزميلة في قناة «العالم» إن عبّاس كان كمن «يشعر بأنه سيصل إلى مكان يصبح فيه الاتصال مستحيلا».

وتؤكد فاطمة أن عباس «كان، قبيل مغادرته، متيقناً أنه لن يسمح لهم بالدخول إلى غزة»، وسعى إلى طمأنتها قائلا إنه «بناء عليه، فإننا لن نمكث أكثر من أسبوع». هل كان مضطرباً؟ تجيب فاطمة: «نعم. لقد تلمست هذا الأمر من تصرفاته».

صباح أمس، اتصل زملاء عباس بزوجته وأخبروها أنه بخير. بيد أن فاطمة سألتهم: «هذه معلومات أم استنتاج؟»، فأخبروها أن المعلومات المتوافرة لديهم هي أن أفراد فريق «الجزيرة» العربي والأجنبي بخير.

وقد تمكنّ الزميل غسان بن جدّو من الاتصال بالزميل ناصر ظهرا الذي طمأنه أنه بخير وأنه وزملاءه سينقلون إلى أسدود وأن لا شيء واضحا بعد ذلك. وكان قد تمكّن صباحا، وقبل اعتقاله وزملاءه، من التحدث مباشرة عبر هواء الجزيرة «خلسة» كما قال، شارحا ما كان يجري على متن «مرمرة».

والزميل عباس ناصر من مواليد الخامس من كانون الأول العام 1976، درس علم الاجتماع ودخل إلى مجال الإعلام عن طريق الصدفة.

كتب خلال دراسته الجامعية مقالات كانت الخطوة الأولى لدخوله المجال الإعلامي الذي أحبّه.

في العام 1997 انضم إلى قناة «المنار» التي علمته المهنة، على ما يقول، كما أنها احتضنت «ميوله الدينية والسياسية». وعن تجربته فيها التي استمرت حتى منتصف العام 2003 يقول إنها أعجبته لأنه أحسّ هناك «بعمق الأسرة الواحدة».

بين العامين 2002 و2005 عمل مراسلا لإذاعة البحرين، وفي العام 2003 انضمّ إلى قناة «العالم» التي غادرها في الأول من كانون الثاني العام 2004 لينضّم إلى فضائيّة «الجزيرة»، حيث كان مراسلها في طهران قبل انتقاله إلى لبنان.

وقد تميّز الزميل ناصر خلال تغطيته لحرب العام 2006 حيث بدأ بتغطية الضاحية الجنوبية الأيام العشرة الأولى للحرب، انتقل بعدها إلى الجنوب. وفي منطقة مرجعيون، تعرضت سيارته لغارات حربية.

ويشرح أنه خلال تغطية الحرب «دمعت عيناي في قانا. قانا كانت الرسالة الأصعب التي نقلتها إلى المشاهدين عبر «الجزيرة».

أمّا عن تأثير تلك الحرب عليه فقال «أحسست بأن إسرائيل كانت تقاتل للمرة الأولى، وتدخل حربا حقيقية للمرة الأولى. فهي كانت دائما في السابق تقصف الأراضي العربية وتدخلها بسهولة، أما في هذه الحرب فكانت تقصف وتقصف ولا تستطيع أن تدخل حتى عيتا الشعب، البلدة الصغيرة. والأهم أن الصورة الأسطورية التي كانت تصبغ إسرائيل ربما انتقلت بشكل أو بآخر لتصبغ مقاتلي «حزب الله». نحن لم نستطع رؤية رجال «حزب الله» على الإطلاق منذ بداية الحرب وحتى نهايتها، وهذه مسألة ليست بسيطة.. لا تستطيع قوة أن تختفي أمام الجميع وتقاتل إسرائيل بهذه الكفاءة».